رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
اعتقدت أن الإعلان عن " يوم الأرض " لفلسطين، سيدفع بالأنظمة العربية لمناصرة المسيرات السلمية ضد العدو الإسرائيلي ولو بالكلمة. اعتقدت أن تلك الدول التي تحاصر قطر منذ عشرة أشهر المندفعة بلا تحفظ نحو احضان قادة الصهيونية العالمية سواء كان ذلك في اسرائيل او الولايات المتحدة الامريكية او بريطانيا او فرنسا انها ستؤيد المسيرات السلمية التي يقوم بها أهلنا في غزة احتجاجا على حصار غزة واحتلال الارض و"الثروة" الفلسطينية حتى في اعماق البحار ناهيك عن استنزاف مياه قطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينية. اعتقدت انهم سيدينون العنف المسلح الذي يمارسه جيش العدو الاسرائيلي ضد مسيرات سلمية وقتل اكثر من 20 فلسطينيا، لكونهم تظاهروا امام الشريط الحدودي مع غزة.
كنت اتوقع ان يصدر من دول حصار قطر بيان يشجب العدوان على المدنيين العزل في قطاع غزة، كما كنت اتوقع ان يستغلوا صداقتهم ورشاويهم التي قدمت للكثير من رموز الادارة الامريكية وفي مقدمتهم السيد كوشنير زوج فينكا بنت الرئيس الامريكي ترامب وان يناشدوا الرئيس الامريكي وادارته بردع اسرائيل عن تلك الممارسة اللا انسانية ضد الشعب الفلسطيني. لكن مع الاسف فشلت كل توقعاتي ولم يحركوا ساكنا لمناصرة الشعب الفلسطيني.
(2)
يعتقد بعض حكام مجلس التعاون الخليجي الجدد ان الصمت على جرائم اسرائيل ضد اهل فلسطين، يقربهم الى احضان الادارة الامريكية وانها ستسخر كل قواها لحمايتهم من شعوبهم ومحيطهم وبقاء أنظمتهم الى يوم الحشر، إنهم لم يقرأوا التاريخ وإذا قرأوه لن يتعظوا، ألم يشهدوا نهاية شاه ايران عميلهم الذي كان الاولى بالرعاية في منطقة الشرق الاوسط والخليج خاصة، حتى انهم لم يستطيعوا ادخاله الى المستشفى في مدينة "نيويور" لتلقي العلاج مما حل به بعد ازاحته عن عرش الطاووس في طهران؟ ألم يقرأوا ما حل بعميلهم ماركوس في الفلبين، وما حل بأنور السادات. ان التاريخ كله عبر فهل من معتبر؟
تقول كل التقارير المشتغلة بقضايا الشرق الاوسط والعالم العربي على وجه التحديد إن الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي عهد السعودية، ذهب الى الغرب وامريكا بالتحديد ليستمد الاعتراف به وبسلطانه على الشعب العربي عامة والسعودي خاصة، وتؤكد التقارير ان الذي يرسم الخطط والبرامج التي تعينه على ذلك هو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، فالاخير هو الذي زين ورتب للأمير بن سلمان ومهد له الطريق لكي يصعد الى هرم السلطة السياسية في الدولة السعودية وهو الذي دفع به ليكون في احضان قادة الكيان الصهيوني الذين سيمكنونه من السلطة في المملكة والاقتراب من البيت الابيض في واشنطن.
الرأي عندي في هذه المسألة، ان عمر الدولة السعودية قارب المائة عام، ولديهم من الخبرات والمهارات ما يمكنهم من تحقيق اهدافهم واهمها استمرار بقاء النظام الحاكم وتداول السلطة بين ابناء المؤسس عبد العزيز آل سعود واحفاده. والسؤال أليس بمقدور الأمير محمد بن سلمان الاعتماد على الأمير بندر آل سعود صاحب الخبرة والمعرفة بواشنطن وكذلك الأمير تركي الفيصل مدير المخابرات والسفير في واشنطن سابقا، والحق اقول اذا صدقت تلك الاخبار القائلة بانقياد الأمير محمد بن سلمان للشيخ محمد بن زايد فتلك كارثة سياسية لا محالة ستحل بالمملكة السعودية.
(3)
لتتسع صدور اخواننا في المملكة السعودية للرأي الصادق والناصح الأمين من وراء الحدود بالقول: ان المسألة الفلسطينية هي حجر الزاوية لاستقرار الشرق الاوسط كاملا واطالة عمر الانظمة القائمة، وان اللعب بحسن نية أو سوء نية في هذه المسألة هو امر في غاية الخطورة على الدولة او مجموعة الدول التي تعمل على تنفيذ ما يسمى ب " صفقة القرن " او القبول بان تكون القدس عاصمة اسرائيل. ان مكر اليهود معروف في التاريخ واذكر بقول بن جامين فرانكلن احد ابطال تحرير امريكا من الاستعمار البريطاني يقول مخاطبا المجلس التأسيسي عام 1789 م: " ايها السادة لا تظنوا بان امريكا نجت من الاخطار بمجرد الاستقلال. فهي ما زالت مهددة بخطر جسيم لا يقل خطورة عن الاستعمار وهذا الخطر سوف يأتينا من جراء تكاثر عدد اليهود في بلادنا. انهم بمجرد تمركزهم في اي بلاد يعمدون الى القضاء على تقاليد ومعتقدات اهلها وقتل معنويات شبابها بفضل سموم الاباحية اللااخلاقية انهم اسرع الى استنباط الحيل لمنافسة مواطنينا والسيطرة على البلاد اقتصاديا وماليا.
اننى اناشدكم بان تسارعوا الى طرد هذه الطغمة الفاجرة من البلاد قبل فوات الاوان " وفي هذا المقام هل ما برح قادة دول الحصار الساعين للاستعانة باليهود لتمكينهم من فرض سلطانهم على الشعوب العربية والحاق الاضرار بدولة شقيقة هي قطر شريكة لهم في الحاضر بأزماته والمستقبل بطموحاته.
اضيف الى ذلك قول المستشرق البريطاني اليهودي الديانة برنارد لوس القائل: "يجب تقسيم منطقة الشرق الاوسط واعادة تشكيلها من جديد ورسم خريطة جديدة للمنطقة تتحول فيها كل قبيلة في الجزيرة العربية الى دولة " هل من معتبر من النخب الحاكمة في السعودية وأبو ظبي؟
(4)
اعود الى " يوم الارض " واقول لم تتحرك دول مجلس التعاون لادانة العنف الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في مسيرته السلمية في غزة، ولم اسمع إلا مواقف قطر حكومة وشعبا في ادانة العدوان الاسرائيلي على المسيرات السلمية وقام طلاب جامعة قطر الحكومية باحياء يوم الأرض تضامنا مع أهل فلسطين.
آخر القول: لا تتهاونوا يا حكامنا الميامين في نصرة الشعب الفلسطيني وشد أزره ورفع الحصار عن غزة حتى يسترد حقوقه المشروعة في العودة الى وطنه فلسطين وبناء دولته المستقلة على ترابها الوطني، الى جانب ذلك ارفعوا الحصار عن الشعب القطري وتعالوا نتعاون من اجل نصرة الشعب الفلسطيني بدلا من انشغال بعضنا ضد بعض فالعدو متربص بنا جميعا. فهل أنتم مدركون!.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المعضلة الإستراتيجية التي ألمت بالكيان الصهيوني أطبقت على الذهنية الإسرائيلية ولفتها بغموض مطبق، جعلت من قدرات أجهزته الاستخبارية في ظلمة وغموض محيرين، عدم قدرة الكيان على تقدير طبيعة الرد الإيراني في حال توجيه ضربة لإيران أدخل إسرائيل في مأزق إستراتيجي جعل مرور الوقت في صالح تنامي جدار الردع الإيراني، فكلما ازدادت حيرة الكيان وتأخره في الرد على الاستجابة للضربة الإيرانية خاصة بعد وعده بالرد تعني عدم القدرة، وهذا يضيف لجدار الردع الإيراني قوة على قوة، وفي حال أخذ الكيان محور المقاومة في الحسبان يزداد التعقيد ويصعب التقدير، كل هذا أدخل الكيان وداعميه في دوامة لا تنتهي من حساب الحسابات وإعادة التقدير وتقييم المواقف وتكرار النظر وإعادة النظر، مما يرسم صورة عجز للكيان لا يستطيع تحملها، خاصة أن صورة الكيان المهيمن والمنتقم وسريع الرد بدأت تتبدد لحظة بلحظة، وهذا يزيد من المخاطر بعد ستة أشهر على فقدان الفاعلية العسكرية في غزة وفي شمال فلسطين، مظاهر عجز أمريكا والغرب عن ردع إسرائيل وتتفاقم معه بشكل متسارع وتتهالك معه قدرات الردع لحدود دنيا، تقلع من جذوره ثقة الفرد بحماية دولته، فتنهار البنى والهياكل التنظيمية للكيان ولن تسعف الانقسامات المجتمعية والفوارق العرقية والدينية والصعوبات في سن القوانين وإدراج المتدينين في الوحدات العسكرية من التدهور المجتمعي، ويشمل ذلك قدرة الداعمين على الدفاع عن الكيان وجرائمه أمام العالم، كلفة الكيان وإمكانية استدامته أصبحت في شك من الجميع داخل الكيان وخارجه وفي أروقة الأمم المتحدة، في الإعلام لم يعد داعموه قادرين على لجم المجتمع الدولي ومؤسساته من انتقاد الكيان ووصفه بالكيان المارق وتآكل الحماية لكل ما له علاقة بالكيان تحت مسمى المساس بالسامية أو عدم الاعتراف بالمحرقة النازية أو كونه ضحية العرب والمسلمين، بل هو مدعوم من العرب والمسلمين لم يعد هناك دثار يتدثر به تعرت بقدرة قادر طبيعته ولا يملك أي دفاعات كما كان يملكها من قبل، شاهد العالم بشكل مباشر ما يقوم به وفضح نفسه عندما اعتمد الانتقام عذرا للإبادة الجماعية، وفقد العالم وفقد أي تظاهر أخلاقي بديمقراطيته وحماية حقوق الإنسان وفقد معه داعميه عندما سنوا قوانين تجرم حرية التظاهر وحرية التعبير وحرية الوصول للمعلومة وبدا الغرب خاويا أمام العالم أجمع وخاصة مواطنيه الذين فجأه تكون إحساس لديهم بأنهم كانوا يعيشون في فقاعة ذهنية شيدت من أجل استعبادهم، في هذه الأجواء من ثورة الإرادة في العالم أجمع تفقد إسرائيل مكانتها وصورتها وسمعتها وتجرم وتدخل قفص الاتهام بشر فعلة وهي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب، ثم ترتكب الاعتداء على سيادة دول دون تقدير لتبعات تلك الاعتداءات كما اعتادت على فعله فيبرر الغرب أفعالها كما حدث في ما اكترث من مظالم في غزة، فأتى الرد غير المتوقع من إيران لتدخل إسرائيل في غموض إستراتيجي لا خروج منه، فلابد أن يرد وقد وعد بالرد لكن في حال الرد ماذا سيكون الرد المقابل وهنا عجز الكيان عن تقييم وتقدير الرد بارتباك ودخل الحيرة ودخل معه مجتمعه وداعموه، وما زال في حيرة ومع الزمن تتحول إلى حيرة بنيوية فلا يعود يقوى على الاعتداء ولا يعود ينفلت دون عقال، لقد ردع وهو ينظر لحائط الردع لا يعلم ما وراءه ولا تبعات اعتداءاته، في تردد وفي غموض يلفه ويسبب له العجز ويقيم جدار فصل بينه وبين العالم يحمي من شروره. واقع إستراتيجي جديد معقد تشكل بعد أيام على الرد الإيراني وينطوي على مخاطر للأمن القومي الإسرائيلي لا يستهان بها، إسرائيل تجد صعوبة بالغة في تقدير الرد الإيراني الذي أدخلها غموضا استراتيجيا إقليميا، في حال عدم الرد سيترسخ جدار الردع في الذهنية الإسرائيلية ليصبح عجزا في تخطي الخطوط المرسومة من المقاومة ويؤدي للتقيد في حال كان هناك خط أحمر لعدم الدخول لرفح وأي رد ضعيف أو هزيل سيفاقم حالة الحيرة الاستراتيجية وتبنى عليها هياكل الردع في المنطقة، من الواضح أن أمريكا تخلق هامشا بين ما تقوم به إسرائيل ونوايا أمريكا وتصرفاتها بمواصلة الإعلان عن عدم علمها او مشاركتها في أي حدث تقوم به إسرائيل، هذه مرحلة متقدمة بالنأي بالنفس عن إسرائيل.
10533
| 22 أبريل 2024
لم تحظ بودكاست عربية - على ما أعتقد - في الآونة الأخيرة، بالاهتمام والثقة والمتابعة كما حصل لبودكاست فيصل القاسم. كان الكل ينتظرها منذ الإعلان عنها على منصات أثير، لكن ربما لم يعتقد كثير - كحالي - أنها ستكون بهذه المُتعة، وبهذه الصراحة، والمكاشفة والشفافية. لم يكن الزميل فيصل بحاجة إلى أن يجلس على كرسي اعتراف، فقد أدلى بكل ما لديه وعلى سجيته، وكأنه ليس فيصل القاسم الذي عرفناه، وظننا أنه بحاجة إلى محاور شرس كشراسة حواراته، ليستخرج منه ما تكنه الصدور، وتخفيه، ولكنه آثر بنفسه على أن يلقي بلآلئه في أحراج المشاهدين والمستمعين، مما زاده بذلك محبة الناس، وثقتهم به، وبما قاله، وبما يقوله، وسيقوله ربما، إن كان حديثه بهذه الصراحة والشفافية، متحدثاً عن نفسه المهزوزة أمام رفاقه، أو أمام أساتذته وأهل قريته، فكيف ستكون أحاديثه عن غيره، بالتأكيد ستكون أشد صدقاً.. لا تحقرن شخصيتك، ولا تتكلف في حياتك وعملك وقولك، كُن أنت، ولا تخجل من الصورة التي أرادها الله لك. حينها فقط سيستمتع الآخرون بما تقوله، ما دام نابعاً من قلب صادق، لا يعرف التلوّن والتصنع، ولعل في هذه البودكاست رسالة تدحض كل من يسعى إلى تقليد الآخرين أملاً في جذب الناس واستمالتهم، فشخصيتك الحقيقية هي ما يريده الآخرون، وما يريدون أن يسمعوه منك، إنهم يريدون الأصل لا النسخة. حين نزلت الحلقة ورأيت أن مدتها ثلاث ساعات، ظننت للوهلة الأولى أنها ستكون طويلة ومملة، على الرغم من زمالتي للدكتور العزيز، ومعرفتي به، فقد أتت دليلاً إضافياً على صدق النظرية النسبية وصحتها، وحين بدأت بمشاهدتها لم أتمالك أن أدعها لثانية حتى أتيت عليها كاملة في جلسة واحدة، وقد حصل هذا للكثيرين كما سمعت، وربما للغالبية، خصوصاً السوريين منهم، حيث رأى كل واحد فيهم أنه إنما يروي قصته وحكايته، ومعاناته. فينتقم لهم جميعاً، بكل حركة وسكنة وحرف ينطق به. يسرد قصة وطن ظلم أبناءه، طردهم، نبذهم من مدارسه ومصانعه ومؤسساته، ليذهبوا بعيداً إلى أوروبا وأمريكا وغيرها، ليكونوا شامة في جبين الدهر. كل ما رواه الزميل كان يحرص من خلاله - كما عبر في البودكاست غير مرة - أن يكون قصة ملهمة للشباب والأجيال، فالفقر والحاجة والفاقة، والظروف الاجتماعية الصعبة ليست حواجز أمامكم أيها الشباب، فإن جار عليكم المعلم، أو الحي، أو الساحة التي انتقم منها شباب السويداء لعيون فيصل، فإن الإصرار والمثابرة، واقتناص الفرص، كحاله في التوجه إلى بي بي سي ثم أم بي سي، وبعدهما إلى الجزيرة، هو الأهم في حياة الشباب، مع التأكيد على أهمية العلاقات العامة، يوم أخذه صديقه إلى حفلة البي بي سي، ففتحت له دنيا الإعلام أبوابها. هي نفسها العلاقات العامة التي قال عنها يوماً بيل جيتس لو كان معي عشرة دولارات، لأكلت بواحد وأنفقت تسعة منها على العلاقات العامة. الرسالة التي استوقفتني كثيراً، وأحزنتني جداً بعيداً عن الرسائل الكثيرة لحياة الفقر والمكابدة، قضية خروجه من سوريا، ولا يتقن قواعد اللغة العربية، ليتقنها على كتاب إنجليزي يُعلم اللغة العربية، وقواعدها للجمهور الإنجليزي.. فينكب صاحبنا على الكتاب لأسابيع، ثم يتمكن من اجتياز امتحان القبول في البي بي سي، وهي الجائزة الكبرى التي لطالما كان يحلم بها، كما قال، بل كان حلمه لا يتعدى أن يكون مذيعاً في نشرة جوية، ليتربع بعدها ربما على أهم برنامج توك شو عربي، إنه الإصرار، ومن هذه القصة نخلص إلى أمرين مهمين، الأول: مدى صعوبة وعدم مواءمة تعليم قواعد النحو العربي لطلبة المدارس والجامعات في بلادنا، إذ صاغوه بأسلوب ينفر منه أبناؤه، والأشد أسفاً أن يكون سهلاً حين يكتبه الأعاجم، إذن المشكلة في الأسلوب وطرق التوصيل، والله القائل: (ولقد وصلنا لهم القول)، ينكب الدكتور على كتاب القواعد باللغة الإنجليزية، ليجتاز امتحانه بعد أسابيع، وينضم إلى البي بي سي، كمنتج. هي رسالة إذن، بقدر ما إن النحو سهلٌ، حتى يمكن تعلمه عبر لغة غير عربية، بقدر ما هو صعب حين يعدُّه أساتذة النحو المعاصرون بأساليب لا تستهوي الطلبة، مما يترتب على واضعي المناهج مسؤولية كبيرة في تطوير الأسلوب، بما يسهل على الطلبة تعلمه. اللمسات الإنسانية التي أشار إليها الزميل العزيز لرفاقه وأساتذته وقريته والأماكن التي كان يرتادها، كلها عكست فيصل القاسم الشخص الآخر، الذي لطالما أحب ورغب كل من يتابعه أن يتعرف عليه، ولكن في النهاية الانتقام الحقيقي لكل شباب سوريا من هذا الواقع المرير، ليس بالانتقام من المكان الذي صنعه أشخاص، ورجال، إنما يكمن بالعلم والثقافة، ويكمن في تحدي هذه الظروف الصعبة، فنظرية التحدي عند توينبي يمكن أن تكون أصدق ما تكون في الواقع السوري. سينتقم السوريون من ساحة السويداء التي فعلت ما فعلت بالقاسم، لكن بشكل آخر، فالساحة جامدة لا ذنب لها، إنما المشكلة فيمن أوجد تلك الظروف الصعبة، فحوّلت ساحة السويداء، ومن قبلها تدمر، وحماة وغيرها إلى وطن كبير بحجم سوريا، قهر وظلم وقتل وتشريد، ولكن الله غالب كما يقول إخواننا في المغرب.
6960
| 23 أبريل 2024
للتاريخ وجهان. وجه مع سيرة الزعماء والحكام، ووجه مع سيرة البشر العاديين، أو من نال منهم حظا من العلم والشجاعة لأن يقتحم عالم الزعماء والحكام بالمعارضة أو حتى بالاتفاق! في مدارسنا يقف التعليم عند سيرة الزعماء والحكام منذ مصر القديمة فقط. لكن خارج التعليم ظهر كتّاب يؤرخون للناس مثل أحمد بهاء الدين ومحمود السعدني ومحمد أنيس وصلاح عيسى وعماد أبو غازي ومحمد أبو الغار وغيرهم، والحديث عن كتبهم كبير. أكثر ما يأتي في كتب المدارس عن الزعماء والحكام يأتي عن حروبهم وخاصة التي انتصروا فيها. لكن قليلا ما تتم الكتابة عن أخطائهم التي كانت تصل إلى الخطايا في بعض الأحيان مع الشعوب التي يحكمونها. هناك مظهران لذاكرة التاريخ الرسمي أو المقرر في المدارس. مظهر فيما تركه الحكام وراءهم من آثار تتجلى في المباني والمعابد ثم الكنائس والمساجد والمدارس والأسبلة – جمع سبيل للمياه- والقلاع غيرها، ومظهر في الحروب التي دخلوها دفاعا عن الوطن أو غزوا لغيره من البلاد. الحياة مع هذه الذاكرة ممتعة خاصة مع الآثار، لأنك تقف تتأمل أشكال البناء سعيدا بما فيها من زخرفة أو أسقف أو نوافذ ومشربيات، أو آيات قرآنية بالخط العربي. ويصل بك الأمر حين يكون بالمبنى ضريح للحاكم أن تصلي عليه واقفا، أو تقرأ له الفاتحة، ولا تذكر أبدا أي أخطاء أو خطايا له. النسيان يجعلك في محراب الرضا. الذاكرة المهملة في التعليم، والتي تأتي بالمعرفة والقراءة الحقيقية، توقظ فيك ما هو أوسع من الحكام، وهو حب الوطن. الحروب حتى لو انتهت بالهزائم هي من أكثر ما يوقظ حب الوطن عند الشعوب. تعيش في الوطن راضيا أو حانقا لكن حين يتعرض لهجوم من عدو، تستيقظ الذاكرة بحب الوطن. هذا يفسر لك كيف فشلت الدول الاستعمارية في البقاء في البلاد التي احتلتها، واضطرت إلى الخروج مهما طال الزمن. بعد احتلال الانجليز لمصر عام 1882 ارتفعت الذاكرة في الفضاء بشعار مصر للمصريين، ولم يكن مقصودا به الجاليات الأجنبية أو العربية التي لجأت إلى مصر وساهمت في نهضتها كما قد يتصور بعض السذج، لكنه شعار كان في مواجهة الاحتلال. يمكن أن يعيش الإنجليز بيننا كمواطنين، لكن كمحتلين أو ناهبي ثروات فليس ممكنا، ومن هنا جاءت النهضة في الصناعة والزراعة والتعليم وغيرها. حتى في سنوات حكم أحزاب الأقلية التي كانت موالية بدرجات للإنجليز او العائلة المالكة، كانت النهضة على أشدها. الأمر نفسه حدث مع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحدث مع هزيمة 1967. سيقول قائل مع حرب 1973 ورغم أننا استعدنا سيناء حدث العكس، وكان السلام مع إسرائيل فرصة لضياع الانجازات في الصناعة والتعليم وغيرها. كيف حقا كنا مع الهزائم نقيم وطنا، وصرنا مع النصر نبدد مقدرات الوطن وإمكاناته ؟ سأقول له هذا لم يكن من الشعب على إجماله، ولا حتى من صفوته الفكرية التي لقي الكثيرون منها العنت والسجن أيضا، لكن هذا كان سياسة للدولة والحكم والحكام ومن والاهم، لا زلنا ندفع ثمنها. ابتعد عن مصر لأقول أن ما تفعله اسرائيل في غزة من حرب جائرة أيقظ الذاكرة بفلسطين أرض العرب لا الصهاينة، ولابد يوما أن يتجسد بالوطن الحقيقي. الصهاينة مهما طال الزمن مصيرهم إلى الشتات الذي جاءوا منه، ولابد أن هذا الشتات كامن في اللاشعور ومصدر رعبهم، فلم يكن لهم يوما وطن يعودون إليه، كما عاد المحتلون من الإنجليز وغيرهم، وكل ما قيل في كتبهم عن الوطن خرافات.
2007
| 18 أبريل 2024