رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. محمد صالح المسفر

مساحة إعلانية

مقالات

1343

د. محمد صالح المسفر

وجهة نظر في الأزمة السعودية الكندية

14 أغسطس 2018 , 02:06ص

أتابع بقلق ما تكتبه الصحافة العربية وما يصل الى يدي من الصحافة الاجنبية مترجما الى العربية او غير المترجم، اتابع قدر استطاعتي ما تتناوله وسائل الاتصال الاجتماعي عن هذه الازمة غير المبررة والتي وصلت الى اعلى مراحل الازمات التي يخلقها بعض العرب لانفسهم. في هذه الصحافة البعض منتقد للاجراء الذي اتخذته الدبلوماسية السعودية تجاه كندا والذي يعتبر سابقة في العلاقات السعودية الدولية التي عادة تعالج قضايا اكثر خطورة مما أثارته "تغريدة" وزارة الخارجية الكندية تجاه السياسة السعودية من اعتقال نشطاء الرأي العام والمدافعين عن حقوق الانسان في السعودية، والبعض مؤيد للاجراء السعودي تحت ذريعة "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" وهو مبدأ اقرته المواثيق الدولية، وراح الكثير من الكتاب العرب يسهبون القول حول هذا المبدأ تزلفا إلى السعودية، دون التوقف عند مقاصده. ومن مقاصد هذا المبدأ انه اذا ارادت دولة تغيير نظام حكمها من جمهوري الى ملكي او العكس فإن اي تدخل خارجي في هذا الشأن يعتبر مرفوضا، واذا قرر شعب تغيير نظام حكمه بطريق مختلف كما حدث في تونس او مصر عام 2011 وتدخلت دول او اطراف خارجية للحيلولة دون ارادة المجتمع فذلك مرفوض لأنه تدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة، ومن نماذج التدخل في الشؤون الداخلية للدول محاولة دول الحصار فرض ارادتها على دولة قطر ودعوتها الى اغلاق محطة اعلامية نافذة (الجزيرة) وطرد بعض قيادات حركة حماس السياسيين من الدوحة التي استضافتهم بعد ان ضاقت بهم السبل في كثير من عواصم العالم العربي ولم يجدوا ملاذا الا قطر، ومحاولة منع الحكومة القطرية من تقديم اي مساعدات انسانية لسكان قطاع غزة، ذلك كله يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة قطر، وقس على ذلك.
كندا في هذا السياق اعلنت عن قلقها عبر "تغريدة" من اعتقال افراد في السعودية تعتبرهم من النشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الانسان والحريات العامة وتطالب بالافراج عنهم. كندا لم تشذ عن جماعة الدول الأوروبية في هذا الموقف فقد تناولت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية وغيرهم ذات الشأن ولم تصل العلاقة بين هذه الدول والسعودية الى ما وصلت اليه اليوم مع كندا . 
كتبت كوندليزا رايس في صحيفة نيويورك تايمز تقول "اذا كان هناك مشكلة للسعودية مع كندا بخصوص الحريات العامة وحق الانتقاد السلمي، فإن هذا يعني ان السعودية لديها مشكلة مع الولايات المتحدة الامريكية، ان امريكا تنضم الى كندا في حث السعودية على الافراج عن المعتقلات".
الدكتور رتشار ماكنن يقول: ان صانع القرار السعودي في هذا الشأن اراد ارضاء الرئيس الامريكي والانتقام له من رئيس وزراء كندا السيد ترودو الذي هو على خلاف مع الرئيس ترامب، لهذا جاء موقف الناطق باسم البيت الابيض من هذه المسألة باهتا، وذهب رتشارد الى القول "فات السعوديين ان هذا الاحساس غير وارد في الثقافة الغربية".
(2)
في الدول المتحضرة تتخذ القرارات المتعلقة بالعلاقات بين الدول عن طريق لجنة مصغرة من الخبراء تدرس الخلاف من جميع جوانبه السلبية والايجابية وتطرح الحلول لصانع القرار ليختار من بينها ما يحقق مصالح الدولة ولا يضر بالمواطن، وليس قرارا فرديا.
في الازمة الراهنة السعودية ــ الكندية، اعتقد ان القرار الذي اتخذ هو قرار فردي، جاء كردة فعل لم يؤخذ في الاعتبار الاضرار التي قد تلحق بالدولة والمواطن السعودي على حد سواء. فمثلا في كندا اكثر من خمسة عشر الف طالب سعودي بعضهم في المراحل النهائية لاتمام دراساتهم اما لدرجة الدكتوراه والماجستير او في المستوى الجامعي ولا شك انه سيلحق بهم وبتحصيلهم العلمي اضرار كبيرة، وكذلك المرضى وغير ذلك. لقد كان بالامكان معالجة هذا الخلاف السعودي ـ الكندي بهدوء ودون انفعال، لانه خلاف غير جوهري "تغريدة" وكذلك ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والعسكرية. جريدة الوطن السورية على سبيل المثال نسبت حديثا الى السفير الصيني في دمشق يوحي بأن هناك قوات صينية تحارب الى جانب القوات الحكومية السورية، وهذا التصريح احدث ضجة كبيرة الامر الذي ادى بالسفير الى تكذيب الخبر والقول بسوء الترجمة، وطلب من الصحيفة تصحيح موقفها وعولج الامر بكل هدوء وكان بودي ان تسلك الدبلوماسية السعودية ذلك المسلك بالتعاون مع السفارة الكندية في الرياض دون تصعيد وخالصة في الظروف الراهنة التي تمر بها الدولة السعودية .
(3)
هناك تماثل بين السياسة السعودية الراهنة وسياسة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، مع الفارق ان الاولى لا تملك وسائل القوة والاكراه التي تتمتع بها الثانية، فإدارة ترامب لم تترك لها صديقا في العالم، لكن امريكا قادرة على الحياة بدون صديق خارجي، ترامب عادى المجتمع الدولي في شأن اتفاقية المناخ، ومنظمة التجارة العالمية، والاتحاد الاوروبي في قضايا كثيرة ومنها الاتفاق النووي مع ايران ويعادي الاتحاد الروسي والصين وتركيا وايران والمكسيك واخرين.
 السعوديون يعادون شقيقهم القطري ويحاصرونه ويهددونه بالزوال والمجتمع الدولي يرفض تلك الممارسة ضد قطر، انهم يقودون حربا ضروسا في اليمن يدينها المجتمع الدولي بكل دوله والمنظمات الدولية بما في ذلك الامم المتحدة ومجلس الامن ومنظمة حقوق الانسان الدولية وجميع منظمات المجتمع المدني في الدول الديمقراطية، يعادون باكستان وماليزيا وتركيا وايران، وعلاقة السعودية مع الكويت وعمان ليست في احسن حالاتها، يعادون السويد والمانيا واخير كندا، والجبهة الداخلية يسودها القلق وعدم اليقين، فمن بقي لهم من الاقوياء، اذا يراهنون على صداقتهم مع امريكا فهم يخطئون لأن امريكا تديرها مؤسسات دستورية وهو نظام متغير ومرتبك في الظروف الراهنة وقد تعصف به العواصف وهي ادارة ابتزاز مالي وسياسي لدول الخليج العربي فأي رهان على هكذا حليف؟ السعودية تعتمد على استيراد السلاح والذخيرة والتكنولوجيا والغذاء والكساء والدواء وكل ذلك متوفر في الغرب ولا سبيل لغيره، فلماذا الاستعداء والعداء مع هذه الدول؟
آخر القول: ما كنت اتمنى ان تنزلق الدبلوماسية السعودية الى هذا المنزلق الخطير، علما بأني كنت من انصار عاصفة الحزم عند اعلانها ولما انحرفت عن اهدافها فلا بد من اعادة النظر. ولتصحيح المسار فلابد للسعودية من رفع الحصار عن قطر، وايقاف الحرب في اليمن، واستعادة اللحمة الخليجية على اسس متطورة، واستعادة دورها العربي بعد أفول الدور العراقي والسوري والمصري على اساس عربي صادق يحفظ الحقوق والاوطان من التفكيك واحدا تلو الآخر .

مساحة إعلانية