رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
➊
استهل سموه في خطابه السنوي أمام مجلس الشورى " بتقديره للمساهمة القيمة التي قام بها أعضاء مجلس الشورى في إثراء العمل الوطني ، ليس في مجال التشريع فحسب ، بل أيضا في المشاركة بالرأي المستنير في متابعة الاداء الحكومي ، وخطط التنمية المختلفة " .
لا شك عندي بأن سموه يتابع كل ما يدور في المجتمع القطري من تساؤلات واهتمامات بعقل مفتوح وليس غائبا عنه تساؤل المهتمين بالديمقراطية والمشاركة السياسية في المجتمع القطري في مجالسهم عن متى يتحول مجلس الشورى الى برلمان منتخب ؟ فكان جواب سمو الأمير " لقد أصدرنا القرار الأميري رقم (47) لسنة 2019 ، بإنشاء وتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشورى وتحديد اختصاصاتها، برئاسة رئيس مجلس الوزراء ، لتشرف على التحضير لانتخابات المجلس ، واعداد مشروعات القوانين اللازمة واقتراح البرنامج الزمني لعملية الانتخابات ، وسوف يعلن موعد الانتخابات حال انتهائها من عملها " وبذلك يكون سموه قد حسم الامر ، وعلى تلك الاجهزة سرعة الانجاز لندخل في معراج المجتمعات الديمقراطية الفعلية.
➋
تناول سموه بالشرح والتحليل قضايانا المحلية والعربية ، وكان على قمة تلك القضايا " الحصار الجائر " الذي فرض علينا من قبل بعض الدول وكيف تغلبنا عليه واحتواء معظم اثاره بالنهج الهادئ والحازم في ادارة ازمة ذلك الحصار.
"لقد تمسكنا باستقلال قرارنا السياسي ورفض الوصاية علينا ، وكذلك تعزيز علاقاتنا الثنائية مع الدول الصديقة والحليفة " والحق ان دولة قطر عبر نخبها السياسية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية استطاع افراد تلك النخب ان يجوبوا عواصم الدنيا لشرح الموقف في الخليج العربي وخاصة ما يتعلق بالدول التي فرضت الحصار على دولة قطر بادعاءات لا صحة لها ، وأدركت عواصم العالم ان في الامر مكيدة وحقدا وأطماعا في فرض الهيمنة على قطر ، واصطف العالم الى جانبنا في هذا الموقف بفعل تلك الجهود .
لقد بين سمو الأمير في بيانه السياسي الجامع ان دولة قطر على استعداد للحوار لحل الخلافات بين دول مجلس التعاون وفي اطار ميثاقه على اسس أربعة : الاحترام المتبادل ، والمصالح المشتركة ، وعدم الإملاء في السياسة الخارجية ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية .
في المجال الاقتصادي: أكد سموه اننا حققنا تقدما ملحوظا في مجال التنوع الاقتصادي ، وتشجيع القطاع الخاص وزيادة القدرة الإنتاجية في مجال محطات التوليد الكهربائي، وتأسيس منظومة انتاج زراعي وحيواني وسمكي متطورة .
لكن مازال امامنا طريق طويل لتحقيق الامن الغذائي والدوائي والطاقة المتجددة وتقليص البيروقراطية التي تعيق التقدم والتطور .
لقد قفز الناتج الاجمالي في عام 2018 بنحو 15% والناتج غير الهيدروكربوني الى 9 %. لقد عملت الحكومة على تخفيض النفقات دون التأثير على المشاريع ذات الأولوية ونتيجة لذلك الخفض مع زيادة الكفاءة تحول العجز الكبير في الموازنة عام 2017 الى فائض .
وقد تواصل الاهتمام والتركيز على القطاعات ذات الاولوية وخاصة التعليم والصحة والاستثمار في البنية التحتية وهي مشاهدة على الطبيعة يراها الجميع رؤيا العين .
في مجال استكشافات البترول " أكد سموه ان قطر اصبحت تشارك في عمليات الاستكشافات البترولية والإنتاج في عشر دول افريقية وفي امريكا اللاتينية واسيا وفي دولتين عربيتين . وهذا يدلل على ما اكتسبناه من خبرات في المجالات النفطية الامر الذي حظي بثقة العالم والشركات النفطية الكبرى.
الإنسان في خطاب سمو الأمير: يؤكد سموه القول "لكي نصل بالإنسان القطري الى مصاف الدول المتقدمة فلا بد من ان نولي الانسان على ارضنا جل الاهتمام ، إنه عماد نهضتنا . إن العمران والنهوض الحضاري لا يقاس بالمباني العالية والمرافق بل بقدرة الانسان على تخطيطها وبنائها وصيانتها والمدارس التي تعلمهم والجامعات التي تخرجهم وبنوعية التعليم والثقافة والقيم السائدة والأخلاق .
إنه لا يمكن بناء الانسان اذا تكرس نمط من الشعور بالاستحقاق وتوقعات لا تنتهي من الدولة دون إحساس عميق بواجب المواطن الفرد تجاه المجتمع والوطن والحق كما قال سموه من لا يعطي لا يقدر قيمة ما يتلقى.
لقد راح سموه يعرف مفهوم المواطنة تعريفا علميا وهي عنده " المواطنة تشمل حقوقا وليس استحقاقات وهي ليست عبارة عن حقوق فقط بل هي ايضا مسؤوليات وواجبات ، وأولها العمل بإخلاص وإتقان كل في موقعه ، وكل موقع مهم . والحقوق ليست امتيازات او شعورا بالتفوق ناجما عن الهوية ، او بالتعالي غير المبرر على الاخرين ، فالتواضع دليل الثقة بالنفس واحترام الآخرين من احترام الذات ومسؤوليات المواطنة تتطلب ايضا تقدير من كدّ في بناء هذا الوطن بما في ذلك إخواننا المقيمون .
ان سموه يولي اهتماما بالغا وبعرفان لا ينكر دور اخواننا المقيمين معنا ، لقد شاركونا في معاناتنا من الحصار ، وبدورهم عانوا قد يكون اكثر من معاناتنا ، فقد صعب عليهم الوصول الى بلدانهم عبر البر أو الجو إلا بأغلى الأثمان وأطول الطرق والمسافات ، ومع ذلك وقفوا معنا ولم يتخلوا عنا رغم الاغراءات التي تصل لبعضهم للانتقال الى دول الحصار .
إن سموه والشعب القطري لا ينسى تلك المواقف وإن تعبير سمو الأمير عن هذا الحال يكمن في العبارة التالية " وإخواننا المقيمون معنا في قطر ليسوا هنا بمنّة، بل بفضل عملهم الذي لا يمكننا الاستغناء عنه ومساهمتهم المقدّرة في بناء هذا البلد" وفي اعتقادي ان هذا توجيه من سموه لكل اجهزة الدولة والمواطنين بالاهتمام بإخواننا المقيمين وخاصة العرب منهم .
في المجال الدولي : أكد سموه على ان السياسة الخارجية القطرية تنطلق من استراتيجية الموازنة بين المبادئ الراسخة عندنا وأمننا ومصالحنا الاقتصادية وقد اختارت قطر أن تلعب دور المسهّل للحوار والحلول العادلة وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وساهمت قطر في كافة الجهود الدولية والإقليمية التي تسعى الى تحقيق التعايش السلمي وحماية البيئة ومحاربة الفقر ومكافحة الإرهاب ومسبباته .
وكما هو المعتاد في السياسة القطرية كان الهم الفلسطيني واضحا في الخطاب وقال بأنه لا يمكن تحقيق السلام في هذا الشرق دون تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة .
ونادى بضرورة المحافظة على وحدة التراب السوري وسيادته وإيجاد حل سياسي تفاوضي بين كل الأطراف وفقا لبيان جنيف (1) وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما أعلن رفضه قرار إسرائيل بضم الجولان السورية .
وكان الهم اليمني أحد الهموم في السياسة الخارجية القطرية وأنه يجب مساعدة اليمنيين على التحاور فيما بينهم دون تدخلات خارجية ، وأشار إلى أن دعم بعض الدول للخارجين عن العملية السياسية يعرقل تحقيق الاستقرار في ليبيا الشقيقة .
خلاصة القول: إن خطاب سموه كان تقريرا مفصلا لأعمال الدولة خلال عام من انعقاد مجلس الشورى الماضي ، منوها أن المواطنة عليها استحقاق يجب أن يؤدى منا جميعا تجاه الوطن ، ومذكرا الكل بمكانة إخواننا المقيمين معنا وخاصة العرب منهم .
كثر المجتهدون في تناول الرد العسكري الإيراني على العدوان الإسرائيلي المسلح على القنصلية الإيرانية المعتمدة في العاصمة السورية... اقرأ المزيد
435
| 23 أبريل 2024
ما أجلّ أن تمضي في دروب الأيام راضياً، قد قصرت عينك عن رزق غيرك، وركزت فيما بين يديها... اقرأ المزيد
375
| 23 أبريل 2024
أكثر ما يساعدنا على المضي في حياتنا قدماً، ليست أموالنا أو مكانتنا الاجتماعية أو وظائفنا. بل الأشخاص الذين... اقرأ المزيد
162
| 23 أبريل 2024
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المعضلة الإستراتيجية التي ألمت بالكيان الصهيوني أطبقت على الذهنية الإسرائيلية ولفتها بغموض مطبق، جعلت من قدرات أجهزته الاستخبارية في ظلمة وغموض محيرين، عدم قدرة الكيان على تقدير طبيعة الرد الإيراني في حال توجيه ضربة لإيران أدخل إسرائيل في مأزق إستراتيجي جعل مرور الوقت في صالح تنامي جدار الردع الإيراني، فكلما ازدادت حيرة الكيان وتأخره في الرد على الاستجابة للضربة الإيرانية خاصة بعد وعده بالرد تعني عدم القدرة، وهذا يضيف لجدار الردع الإيراني قوة على قوة، وفي حال أخذ الكيان محور المقاومة في الحسبان يزداد التعقيد ويصعب التقدير، كل هذا أدخل الكيان وداعميه في دوامة لا تنتهي من حساب الحسابات وإعادة التقدير وتقييم المواقف وتكرار النظر وإعادة النظر، مما يرسم صورة عجز للكيان لا يستطيع تحملها، خاصة أن صورة الكيان المهيمن والمنتقم وسريع الرد بدأت تتبدد لحظة بلحظة، وهذا يزيد من المخاطر بعد ستة أشهر على فقدان الفاعلية العسكرية في غزة وفي شمال فلسطين، مظاهر عجز أمريكا والغرب عن ردع إسرائيل وتتفاقم معه بشكل متسارع وتتهالك معه قدرات الردع لحدود دنيا، تقلع من جذوره ثقة الفرد بحماية دولته، فتنهار البنى والهياكل التنظيمية للكيان ولن تسعف الانقسامات المجتمعية والفوارق العرقية والدينية والصعوبات في سن القوانين وإدراج المتدينين في الوحدات العسكرية من التدهور المجتمعي، ويشمل ذلك قدرة الداعمين على الدفاع عن الكيان وجرائمه أمام العالم، كلفة الكيان وإمكانية استدامته أصبحت في شك من الجميع داخل الكيان وخارجه وفي أروقة الأمم المتحدة، في الإعلام لم يعد داعموه قادرين على لجم المجتمع الدولي ومؤسساته من انتقاد الكيان ووصفه بالكيان المارق وتآكل الحماية لكل ما له علاقة بالكيان تحت مسمى المساس بالسامية أو عدم الاعتراف بالمحرقة النازية أو كونه ضحية العرب والمسلمين، بل هو مدعوم من العرب والمسلمين لم يعد هناك دثار يتدثر به تعرت بقدرة قادر طبيعته ولا يملك أي دفاعات كما كان يملكها من قبل، شاهد العالم بشكل مباشر ما يقوم به وفضح نفسه عندما اعتمد الانتقام عذرا للإبادة الجماعية، وفقد العالم وفقد أي تظاهر أخلاقي بديمقراطيته وحماية حقوق الإنسان وفقد معه داعميه عندما سنوا قوانين تجرم حرية التظاهر وحرية التعبير وحرية الوصول للمعلومة وبدا الغرب خاويا أمام العالم أجمع وخاصة مواطنيه الذين فجأه تكون إحساس لديهم بأنهم كانوا يعيشون في فقاعة ذهنية شيدت من أجل استعبادهم، في هذه الأجواء من ثورة الإرادة في العالم أجمع تفقد إسرائيل مكانتها وصورتها وسمعتها وتجرم وتدخل قفص الاتهام بشر فعلة وهي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب، ثم ترتكب الاعتداء على سيادة دول دون تقدير لتبعات تلك الاعتداءات كما اعتادت على فعله فيبرر الغرب أفعالها كما حدث في ما اكترث من مظالم في غزة، فأتى الرد غير المتوقع من إيران لتدخل إسرائيل في غموض إستراتيجي لا خروج منه، فلابد أن يرد وقد وعد بالرد لكن في حال الرد ماذا سيكون الرد المقابل وهنا عجز الكيان عن تقييم وتقدير الرد بارتباك ودخل الحيرة ودخل معه مجتمعه وداعموه، وما زال في حيرة ومع الزمن تتحول إلى حيرة بنيوية فلا يعود يقوى على الاعتداء ولا يعود ينفلت دون عقال، لقد ردع وهو ينظر لحائط الردع لا يعلم ما وراءه ولا تبعات اعتداءاته، في تردد وفي غموض يلفه ويسبب له العجز ويقيم جدار فصل بينه وبين العالم يحمي من شروره. واقع إستراتيجي جديد معقد تشكل بعد أيام على الرد الإيراني وينطوي على مخاطر للأمن القومي الإسرائيلي لا يستهان بها، إسرائيل تجد صعوبة بالغة في تقدير الرد الإيراني الذي أدخلها غموضا استراتيجيا إقليميا، في حال عدم الرد سيترسخ جدار الردع في الذهنية الإسرائيلية ليصبح عجزا في تخطي الخطوط المرسومة من المقاومة ويؤدي للتقيد في حال كان هناك خط أحمر لعدم الدخول لرفح وأي رد ضعيف أو هزيل سيفاقم حالة الحيرة الاستراتيجية وتبنى عليها هياكل الردع في المنطقة، من الواضح أن أمريكا تخلق هامشا بين ما تقوم به إسرائيل ونوايا أمريكا وتصرفاتها بمواصلة الإعلان عن عدم علمها او مشاركتها في أي حدث تقوم به إسرائيل، هذه مرحلة متقدمة بالنأي بالنفس عن إسرائيل.
9372
| 22 أبريل 2024
لم تحظ بودكاست عربية - على ما أعتقد - في الآونة الأخيرة، بالاهتمام والثقة والمتابعة كما حصل لبودكاست فيصل القاسم. كان الكل ينتظرها منذ الإعلان عنها على منصات أثير، لكن ربما لم يعتقد كثير - كحالي - أنها ستكون بهذه المُتعة، وبهذه الصراحة، والمكاشفة والشفافية. لم يكن الزميل فيصل بحاجة إلى أن يجلس على كرسي اعتراف، فقد أدلى بكل ما لديه وعلى سجيته، وكأنه ليس فيصل القاسم الذي عرفناه، وظننا أنه بحاجة إلى محاور شرس كشراسة حواراته، ليستخرج منه ما تكنه الصدور، وتخفيه، ولكنه آثر بنفسه على أن يلقي بلآلئه في أحراج المشاهدين والمستمعين، مما زاده بذلك محبة الناس، وثقتهم به، وبما قاله، وبما يقوله، وسيقوله ربما، إن كان حديثه بهذه الصراحة والشفافية، متحدثاً عن نفسه المهزوزة أمام رفاقه، أو أمام أساتذته وأهل قريته، فكيف ستكون أحاديثه عن غيره، بالتأكيد ستكون أشد صدقاً.. لا تحقرن شخصيتك، ولا تتكلف في حياتك وعملك وقولك، كُن أنت، ولا تخجل من الصورة التي أرادها الله لك. حينها فقط سيستمتع الآخرون بما تقوله، ما دام نابعاً من قلب صادق، لا يعرف التلوّن والتصنع، ولعل في هذه البودكاست رسالة تدحض كل من يسعى إلى تقليد الآخرين أملاً في جذب الناس واستمالتهم، فشخصيتك الحقيقية هي ما يريده الآخرون، وما يريدون أن يسمعوه منك، إنهم يريدون الأصل لا النسخة. حين نزلت الحلقة ورأيت أن مدتها ثلاث ساعات، ظننت للوهلة الأولى أنها ستكون طويلة ومملة، على الرغم من زمالتي للدكتور العزيز، ومعرفتي به، فقد أتت دليلاً إضافياً على صدق النظرية النسبية وصحتها، وحين بدأت بمشاهدتها لم أتمالك أن أدعها لثانية حتى أتيت عليها كاملة في جلسة واحدة، وقد حصل هذا للكثيرين كما سمعت، وربما للغالبية، خصوصاً السوريين منهم، حيث رأى كل واحد فيهم أنه إنما يروي قصته وحكايته، ومعاناته. فينتقم لهم جميعاً، بكل حركة وسكنة وحرف ينطق به. يسرد قصة وطن ظلم أبناءه، طردهم، نبذهم من مدارسه ومصانعه ومؤسساته، ليذهبوا بعيداً إلى أوروبا وأمريكا وغيرها، ليكونوا شامة في جبين الدهر. كل ما رواه الزميل كان يحرص من خلاله - كما عبر في البودكاست غير مرة - أن يكون قصة ملهمة للشباب والأجيال، فالفقر والحاجة والفاقة، والظروف الاجتماعية الصعبة ليست حواجز أمامكم أيها الشباب، فإن جار عليكم المعلم، أو الحي، أو الساحة التي انتقم منها شباب السويداء لعيون فيصل، فإن الإصرار والمثابرة، واقتناص الفرص، كحاله في التوجه إلى بي بي سي ثم أم بي سي، وبعدهما إلى الجزيرة، هو الأهم في حياة الشباب، مع التأكيد على أهمية العلاقات العامة، يوم أخذه صديقه إلى حفلة البي بي سي، ففتحت له دنيا الإعلام أبوابها. هي نفسها العلاقات العامة التي قال عنها يوماً بيل جيتس لو كان معي عشرة دولارات، لأكلت بواحد وأنفقت تسعة منها على العلاقات العامة. الرسالة التي استوقفتني كثيراً، وأحزنتني جداً بعيداً عن الرسائل الكثيرة لحياة الفقر والمكابدة، قضية خروجه من سوريا، ولا يتقن قواعد اللغة العربية، ليتقنها على كتاب إنجليزي يُعلم اللغة العربية، وقواعدها للجمهور الإنجليزي.. فينكب صاحبنا على الكتاب لأسابيع، ثم يتمكن من اجتياز امتحان القبول في البي بي سي، وهي الجائزة الكبرى التي لطالما كان يحلم بها، كما قال، بل كان حلمه لا يتعدى أن يكون مذيعاً في نشرة جوية، ليتربع بعدها ربما على أهم برنامج توك شو عربي، إنه الإصرار، ومن هذه القصة نخلص إلى أمرين مهمين، الأول: مدى صعوبة وعدم مواءمة تعليم قواعد النحو العربي لطلبة المدارس والجامعات في بلادنا، إذ صاغوه بأسلوب ينفر منه أبناؤه، والأشد أسفاً أن يكون سهلاً حين يكتبه الأعاجم، إذن المشكلة في الأسلوب وطرق التوصيل، والله القائل: (ولقد وصلنا لهم القول)، ينكب الدكتور على كتاب القواعد باللغة الإنجليزية، ليجتاز امتحانه بعد أسابيع، وينضم إلى البي بي سي، كمنتج. هي رسالة إذن، بقدر ما إن النحو سهلٌ، حتى يمكن تعلمه عبر لغة غير عربية، بقدر ما هو صعب حين يعدُّه أساتذة النحو المعاصرون بأساليب لا تستهوي الطلبة، مما يترتب على واضعي المناهج مسؤولية كبيرة في تطوير الأسلوب، بما يسهل على الطلبة تعلمه. اللمسات الإنسانية التي أشار إليها الزميل العزيز لرفاقه وأساتذته وقريته والأماكن التي كان يرتادها، كلها عكست فيصل القاسم الشخص الآخر، الذي لطالما أحب ورغب كل من يتابعه أن يتعرف عليه، ولكن في النهاية الانتقام الحقيقي لكل شباب سوريا من هذا الواقع المرير، ليس بالانتقام من المكان الذي صنعه أشخاص، ورجال، إنما يكمن بالعلم والثقافة، ويكمن في تحدي هذه الظروف الصعبة، فنظرية التحدي عند توينبي يمكن أن تكون أصدق ما تكون في الواقع السوري. سينتقم السوريون من ساحة السويداء التي فعلت ما فعلت بالقاسم، لكن بشكل آخر، فالساحة جامدة لا ذنب لها، إنما المشكلة فيمن أوجد تلك الظروف الصعبة، فحوّلت ساحة السويداء، ومن قبلها تدمر، وحماة وغيرها إلى وطن كبير بحجم سوريا، قهر وظلم وقتل وتشريد، ولكن الله غالب كما يقول إخواننا في المغرب.
5571
| 23 أبريل 2024
للتاريخ وجهان. وجه مع سيرة الزعماء والحكام، ووجه مع سيرة البشر العاديين، أو من نال منهم حظا من العلم والشجاعة لأن يقتحم عالم الزعماء والحكام بالمعارضة أو حتى بالاتفاق! في مدارسنا يقف التعليم عند سيرة الزعماء والحكام منذ مصر القديمة فقط. لكن خارج التعليم ظهر كتّاب يؤرخون للناس مثل أحمد بهاء الدين ومحمود السعدني ومحمد أنيس وصلاح عيسى وعماد أبو غازي ومحمد أبو الغار وغيرهم، والحديث عن كتبهم كبير. أكثر ما يأتي في كتب المدارس عن الزعماء والحكام يأتي عن حروبهم وخاصة التي انتصروا فيها. لكن قليلا ما تتم الكتابة عن أخطائهم التي كانت تصل إلى الخطايا في بعض الأحيان مع الشعوب التي يحكمونها. هناك مظهران لذاكرة التاريخ الرسمي أو المقرر في المدارس. مظهر فيما تركه الحكام وراءهم من آثار تتجلى في المباني والمعابد ثم الكنائس والمساجد والمدارس والأسبلة – جمع سبيل للمياه- والقلاع غيرها، ومظهر في الحروب التي دخلوها دفاعا عن الوطن أو غزوا لغيره من البلاد. الحياة مع هذه الذاكرة ممتعة خاصة مع الآثار، لأنك تقف تتأمل أشكال البناء سعيدا بما فيها من زخرفة أو أسقف أو نوافذ ومشربيات، أو آيات قرآنية بالخط العربي. ويصل بك الأمر حين يكون بالمبنى ضريح للحاكم أن تصلي عليه واقفا، أو تقرأ له الفاتحة، ولا تذكر أبدا أي أخطاء أو خطايا له. النسيان يجعلك في محراب الرضا. الذاكرة المهملة في التعليم، والتي تأتي بالمعرفة والقراءة الحقيقية، توقظ فيك ما هو أوسع من الحكام، وهو حب الوطن. الحروب حتى لو انتهت بالهزائم هي من أكثر ما يوقظ حب الوطن عند الشعوب. تعيش في الوطن راضيا أو حانقا لكن حين يتعرض لهجوم من عدو، تستيقظ الذاكرة بحب الوطن. هذا يفسر لك كيف فشلت الدول الاستعمارية في البقاء في البلاد التي احتلتها، واضطرت إلى الخروج مهما طال الزمن. بعد احتلال الانجليز لمصر عام 1882 ارتفعت الذاكرة في الفضاء بشعار مصر للمصريين، ولم يكن مقصودا به الجاليات الأجنبية أو العربية التي لجأت إلى مصر وساهمت في نهضتها كما قد يتصور بعض السذج، لكنه شعار كان في مواجهة الاحتلال. يمكن أن يعيش الإنجليز بيننا كمواطنين، لكن كمحتلين أو ناهبي ثروات فليس ممكنا، ومن هنا جاءت النهضة في الصناعة والزراعة والتعليم وغيرها. حتى في سنوات حكم أحزاب الأقلية التي كانت موالية بدرجات للإنجليز او العائلة المالكة، كانت النهضة على أشدها. الأمر نفسه حدث مع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحدث مع هزيمة 1967. سيقول قائل مع حرب 1973 ورغم أننا استعدنا سيناء حدث العكس، وكان السلام مع إسرائيل فرصة لضياع الانجازات في الصناعة والتعليم وغيرها. كيف حقا كنا مع الهزائم نقيم وطنا، وصرنا مع النصر نبدد مقدرات الوطن وإمكاناته ؟ سأقول له هذا لم يكن من الشعب على إجماله، ولا حتى من صفوته الفكرية التي لقي الكثيرون منها العنت والسجن أيضا، لكن هذا كان سياسة للدولة والحكم والحكام ومن والاهم، لا زلنا ندفع ثمنها. ابتعد عن مصر لأقول أن ما تفعله اسرائيل في غزة من حرب جائرة أيقظ الذاكرة بفلسطين أرض العرب لا الصهاينة، ولابد يوما أن يتجسد بالوطن الحقيقي. الصهاينة مهما طال الزمن مصيرهم إلى الشتات الذي جاءوا منه، ولابد أن هذا الشتات كامن في اللاشعور ومصدر رعبهم، فلم يكن لهم يوما وطن يعودون إليه، كما عاد المحتلون من الإنجليز وغيرهم، وكل ما قيل في كتبهم عن الوطن خرافات.
2001
| 18 أبريل 2024