رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لعل من بعض فضائل الحجر الصحي أيام الفيروس أن يخلد الإنسان إلى نفسه، متأملا ومتسائلا في حيرته الوجودية، فيجد في الذات سكينة نادرة، وفي هدى الله نزوعا لقراءة القرآن بعيون الباحث عن الحقيقة عبر آيات الكتاب المجيد، فكتبت هذه الخواطر لعلها تكون لبعض القراء قبسا من نور، تحثهم على مواصلة التفكير في هذا الباب السياسي والحضاري بأفضل مما فعلت أنا، لأن لدينا من الشباب الأكاديمي ما به نفخر ونعتز.
يتداول الناس هذه الأيام عبارة الطغيان والطغاة كل حسب هواه، وأردت في هذه المقالة أن أعود إلى النبع القرآني الصافي، لأرفع بعض ما التبس على العقول حتى تبدو المعاني القرآنية جلية ناصعة ففي تاريخ الفكر الإسلامي، اعتاد المؤرخون والباحثون العودة إلى نص القرآن، إما لتأكيد المرجع وإما لإثبات حقيقة وإما لإضفاء شرعية هذا الرأي أو ذاك في قضية ما. ولكن النص القرآني ذاته كاد مع هذه المناهج أن يبعد عنا، أو أن يصبح بمثابة إجازة علمية لهذا المفكر أو لذلك المجتهد. ويخرج العلامة عبد الرحمن بن خلدون عن هذا التقليد بكونه استثناء فريدا، حيث أعطى العلامة للنص القرآني استقلاليته العبقرية عن الاختلاف البشري، وارتفاعه الإلهي عن الأخطاء البشرية وقد اغتنمت بعض الوقت المتاح لقراءة معنى من معاني القرآن، بمعزل عن تاريخية الأحداث وإنسانية التفاسير، وهو معنى الطغيان وكل ما اشتقه الكتاب المقدس من فروع الجذع الأصلي وهو فعل: طغى يطغى وما انحدر عنه من أسماء: طغيان وطاغية وطاغوت، بغاية الوقوف على ما يشبه المادة الخام للذكر الحكيم حول معنى أساسي من معاني نشأة وانحدار الدول، وهو المعنى الأهم في بداية قرننا الحادي والعشرين، لأن العلة الحضارية المتفق على خطرها على المجتمعات هي الطغيان، هذا الطغيان الذي وفاه القرآن حقه من الشرح والتعريف والعلاج والتوصيف حتى لا نخطئ التعامل والتحليل وحتى لا نضل سبيلا، ففي سورة طه يأمر الله تعالى رسوله موسى عليه السلام بأن يذهب إلى فرعون، معللا سبحانه هذه الرحلة بطغيان حاكم مصر، فالطغيان هو إذن في منظور الخالق البارئ درجة من درجات السلوك البشري يمكن أن يبلغها الماسك بزمام السلطة، بعد أن يمتحنه الله ويختاره شعبه، فيصل إليها ويستحق حينئذ التذكير أو ما هو أخطر من التذكير، حسب سلم تقييم الطغيان ونبقى مع فرعون لنجد تأكيد الأمر الإلهي بصيغة المثنى: لموسى وأخيه هارون عليهما السلام "اذهبا إلى فرعون إنه طغى 43 فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى 44" ورد المبعوثان الكريمان بالمنطق البشري (أي الخشية من بطش الطاغية) "قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى" طه 45، ولكن الله سبحانه أجابهما بالمنطق الإلهي ليهدأ من روعهما "قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى" طه 46، ومن هذا الحوار بين الله سبحانه ومبعوثيه إلى فرعون بسبب طغيانه نتعلم بأن التعاطي مع الطاغية في هذه الحالة هو التعاطي التدريجي الذي لا يقنط من عبد من عباده فيأمر الرسولين بأن يقولا له قولا لينا "لعله يتذكر أو يخشى"، كأنما أراد الله عز وعلا أن يرينا آية من آيات الرجوع عن الطغيان إما بالتذكر أو الخشية. أعتقد باجتهادي المتواضع أن التذكر لغويا هو تشغيل الذاكرة بمعنى الاعتبار بالتاريخ واستخلاص دروسه البينة الساطعة، فالتدبر في الأحداث الماضية وقراءتها بشكل متعمق يصد الحكام عن الطغيان لأنه يعلمهم الامتثال لنواميس الكون. أما الخشية فهي الدرجة العليا من الإيمان، وإذا ما صح إيمان امرئ فإنه ينجو من داء الطغيان لأنه يشعر بنسبية الأشياء وبضعف الإنسان إزاء الله والتزامه بعبادته والاحتكام إلى تعاليمه وقد ورد مصطلح الطاغين والطغيان في آيات القرآن مرات عديدة ومنها: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا" النساء5، يطلق القرآن نعت الطغيان على البصر حين يزيغ فيقول عز من قائل في وصف بعض مواقف الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ما زاغ البصر وما طغى" النجم17، فيربط سبحانه بين الزيغ والطغيان في إشارة إلهية إلى أن الأمرين ينتميان إلى خلل واحد هو الزلل عن الطريق القويمة، كأنما الذي يزيغ والذي يطغى هما في نفس الضلال البعيد. وفي نفس الآية أيضا معنى من معاني الإعجاز القرآني حين ينفي الله سبحانه صفة الطغيان عن البصر في هذه الحالة، وهو إقرار بأن البصر- وبالتبعية له البصيرة – يمكن أن يصابا بالطغيان في لحظة من لحظات الزيغ. ولعل الله تبارك وتعالى يريد منا أن نستشف هذا المعنى حين يقول في سورة العلق الآية6 "كلا إن الإنسان ليطغى"، وفي بعض الآيات ذكر القرآن القوم الطاغين، لأن الطغيان ليس في المنظور الرباني مقتصرا على شخص صاحب الأمر وأوليائه من الحكام، فالقوم يمكن أن يكونوا طاغين، والطغيان يصبح سلوكا عاما لا شخصيا مثلما هو الحال لدى فرعون فيما أسلفنا. ففي سورة الذاريات يضفي الله تعالى على قوم نوح هذه الصفة "طاغون" بعد أن ينعتهم بأنهم كذلك قوم فاسقون، ويأمر الله رسوله قائلا: "فتول عنهم فما أنت بملوم 54 وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 55". وفي موقع آخر من الكتاب يربط الله بين الوهم والطغيان، حيث يقول سبحانه في سورة الطور واصفا الذين لم يؤمنوا بما أرسل إليهم والذين تربصوا بالأنبياء "أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون 32". كأنما الذين يأتمرون بالأحلام – أي بالأوهام – هم أولئك الذين يغريهم الضلال بالطغيان. وفي سورة الصافات يضع الله القوم الطاغين في صف الذين لا يعترفون بسلطان الله ورسله واليوم الآخر "قالوا بل لم تكونوا مؤمنين 29 وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين". توعد الله تبارك وتعالى الطغاة بسوء العذاب في آيات عديدة مبثوثة في الكتاب منها: "إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا" النبأ22، و"هذا وإن للطاغين لشر مآب" ص55.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم الثقافة ما زلت أحتفظ بعقلي. أقرأ كتبا مهمة بقدر ما تتيح لي الظروف، ولا أتأخر عن الإشارة إليها أو الكتابة عنها، وأشعر أحيانا بالتقصير لأني لا أستطيع، وهذا طبيعي جدا، أن أقرأ كل ما يصدر من كتب عظيمة. أنشر ما أكتبه على صفحتي في الفيسبوك أو تويتر من باب الحفظ لها، فأغلب العابرين على السوشيال ميديا ليس لديهم الوقت الكافي، بينما يقفون كثيرا عند التغريدات قليلة الكلمات. هذا طبيعي فالسوشيال ميديا بنت عصر السرعة، وتظل المقالات وقراءتها للذين لديهم الوقت، ولمن ينشغلون بالقضايا الحقيقية، قد يبدون فيها رأيا يثريها حتى ولو بالاختلاف. لكن في السوشيال ميديا ظاهرة هي «الترند». وهو ما يأخذ القارئ أو المشاهد إذا كان الأمر يتعلق ببعض الصور، إلى اتجاه يزدحم بالحاضرين أو المحتفلين، فيسعد صاحب الترند بالكم الكبير وغير العادي ممن يعلقون على كلامه، ويصدق أن ما يراه اهتمام حقيقي، وليس زفة مثل زفة المولد، لا يبقى منها لدى المحتفلين ما يصنع ثقافة حقيقية. الترند قد يشهد انتقادات كثيرة جدا أيضا، ولا يعلم من ينتقد أن صاحب الترند يريد ذلك، فلقد صار في مركز الحدث. مركزا للتفاهة ستدخل في النسيان بعد دقائق. كنت دائما بعيدا عن هذه الظاهرة وما أسهلها. لم أفكر أن أفعلها، ولم أساهم حتى بالتعليق على إحداها، فهي بالونة طائرة تنفجر ولا يخرج منها غير الهواء لدقائق، بينما الهواء الحقيقي حولنا في القضايا الكبرى. لا ألوم من يساهم في الترند، فليس كل الناس ولا كل الأعمار على طريقة واحدة في الحياة، فالذين يقرأون القصص البوليسية مثلا أضعاف من يقرأون الأدب الحقيقي. في الأيام الأخيرة انفجرت السوشيال ميديا بترند سببه سؤال ليوسف زيدان للمفكر السوري فراس السواح، وهو صاحب أعمال عظيمة في تاريخ الأديان والميثولوجيا. كان السؤال في ندوة أقامتها مؤسسة جديدة تسمي نفسها «تكوين» مهمتها تجديد الفكر الديني كما يقولون. بدأوا ندواتهم بلقاء مع مفكر يستحق القراءة والاحتفاء، لكن تبدد اللقاء بسبب «الترند» التافه. ما شاع على الميديا سؤال من يوسف زيدان لفراس السواح هل أنت أفضل أم طه حسين، وإجابة الرجل أنه هو ويوسف زيدان أفضل. انفجرت الميديا بالانتقاد وبصفة خاصة ليوسف زيدان وأعماله مقارنة بطه حسين. المئات دافعوا عن طه حسين وهو يستحق كل ذلك عملا وفكرا، والحديث عنه يحتاج الى مقالات وكتب. اعتذر الاثنان عما حدث وكيف كان الأمر دعابة، وقال السواح إن زيدان ورطه بالسؤال. لكن صار الأمر « ترند» بدا لي مقصودا من صاحب السؤال، فأضاع الندوة وأضاع ما قدمه فراس السواح من أفكار. صار التجديد الديني على الهامش وشاعت الكوميديا والمسخرة. ومن ثم أقول لكم إن هذه بداية منذرة - لا أقول مبشرة من فضلك- بقيمة ما ستقدمه هذه المؤسسة التي لا أتوقع لها دور في التجديد بل لها دور في الترند! ولا أعتقد سيخيب ظني. بعيدا عن ذلك كله أحب أن أضحك مع تعليق واحدة من أجمل من يعلقون على الأحوال الثقافية، هي نجوان ماهر عامر التى تعمل في صفحة « مكتبة وهبان» وهي من أجمل الصفحات الثقافية، والتي لم يعجبها طبعا ما فعله زيدان، قائلة بعد إعلان لشخص آخر تكوين مؤسسة مقابلة لدحض مؤسسة تكوين. قالت نجوان ماهر مع صورة للرئيس السادات «تم تدشين مؤسسات ثقافية في ست ساعات» ولن أزيد من تعليقاتها التي تستحق مقالا ربما أكتبه يوما من فرط الفهم والجمال.
1917
| 09 مايو 2024
كلمة مشهورة لدى أهل الخليج تقال للوجيه (من كلمة وجاهة أي ذي جاه، أو سلطة، أو كبير قوم، أو ذي منصب، أو مركز اجتماعي مرموق يتوجه له الناس لقضاء حاجاتهم)، ومعنى تكفى «أي أنا طالبك تفزع لي على إنهاء أمر معين». وهؤلاء الوجهاء يأتيهم عامة الناس من كل مكان أملاً في أن يساعدوهم في أمور عجزوا عن إنهائها بأنفسهم، بل إن بعض الناس يقطع مسافة طويله لهذا الوجيه لعله يساعده في قضاء حاجته. في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، رواه مسلم. وهذا فضل من الله على عباده بأنه سبحانه يكافئ من أعان أخاه المسلم على حاجة بالعون يوم القيامة. فالدين أمرنا أن نقوم بمساعدة الناس وقضاء حاجاتهم واحتساب الأجر عند الله. فكلنا في حاجة بعضنا البعض مهما كانت مناصبنا أو مراكزنا الاجتماعية. فالطبيب بحاجة للفراش لتنظيف عيادته، والتاجر بحاجة للمحاسب، والغني بحاجة للحلاق، والوزير بحاجة لمن يحضر له اجتماعاته، وهكذا، وهو مصداق قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾. فالذي أكرمه الله بأن يكون وجيها فعليه أن يساعد كل من يأتيه ويقوم بحاجته حتى تنقضي ويحتسب الأجر، فليس له الحق في اختيار من يساعد من الناس. واعلم أن هذا الشخص الذي قصدك واختارك من بين عباده لتقضي حاجته، قد أرسله الله لك لتقضيها له وتكسب الأجر، فإنه قد جاءك وهو متوكل على الله ومتفائل بأنك ستقضي حاجته فلا تخيب رجاءه. ولتعلم انه قد يأتي يوم تحتاج له ولغيره، فلا تحقرن من المعروف شيئا. فلا تتردد أو تقول (على خير) وأنت لن تفعل شيئا. فإن الرجل ذا المنصب أو المركز أو الجاه يكون مثل الرأس في الجسد، ولهذا يذكر عن رجل أوصى ابنه فقال: يا بني، لا تكن رأسا فإن الرأس كثير الآفات أو الأوجاع، فعليك أن تتحمل ما يحمله هذا المنصب من تكلف أو تعب فلذة خدمة الناس لا تعادلها لذة. وكلمة جزاك الله خيرا عندما تنهي حاجته، هي أبلغ الثناء. فإذا قال شخص لآخر (تكفى يا فلان أبيك تخلص لي موضوعي) قال له (ابشر بسعدك) ومشى معه حتى يقضى حاجته، وهذه من مكارم الأخلاق، لان كلمة تكفى عند اللي يعرفون معناها تهز الرجال. قال الشاعر: جيتك بكلمة كنها صقعة الويل وإن قلت تكفى لا تـهـاون بـتـكـفـى تكفى تراها كلـمـة تـقـطـم الـحـيـل لا بالله إلا تنسف الـحـيـل نـسـفـا تكفى ترا تكفى لـهـا هـدرة الـسـيـل في صدر حرٍ ينتف الطيـب نـتـفـا تكفى ترا تكفى لها تـسـرج الـخـيـل إن كان لك في مجمع الخيل عسفا تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل ولولا صروف الوقت ما قلت تكفى نسال الله أن يكتب الأجر لمن قام مع أخيه المسلم في حاجته حتي يقضيها له.
1866
| 10 مايو 2024
يعتبر النقل الجوي من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها، حيث إنه يعد الوسيلة الفعالة للحفاظ على وقت المسافرين، وربط دول العالم بعضها ببعض مما يسهم في دفع عجلة التنمية، كما أنه يمثل واجهة حضارية لأي دولة؛ فإذا ما كانت خدمات النقل الجوي مزدهرةً ومتطورةً في دولة ما ذلك يدل على ازدهار وتطور تلك الدولة. وتعتبر هذه العقود من عقود الإذعان حيث إن شركات الطيران هي من يحدد العقد وشروطه وما على المسافر الا الإذعان لهذه الشروط حيث لا يسمح بتعديلها أو مناقشتها، كما وتعتبر عقود النقل الجوي من العقود الرضائية والتي لا يتطلب فيها القانون شكلاً معيناً لإفراغها فيه، إنما يتم انعقاده بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول بين المسافر وشركة الطيران، وبالرغم من أنها من عقود الاذعان الا أن ذلك لا يجردها من كونها عقودا رضائية، نظراً لأن المساواة المطلقة بين المتعاقدين تكاد أن تكون أمراً مستحيلاً. وفي هذا السياق نجد أن المشرع القطري عرف النقل الجوي في المادة 217 من قانون التجارة رقم 27 لسنة 2006 بأنه يقصد بالنقل الجوي نقل الأشخاص أو الأمتعة أو البضائع بالطائرات مقابل أجر. وقيد الحرية التعاقدية ببطلان شروط الإعفاء او الحد من المسؤولية وذلك في النص الوارد في المادة 227 من أنه يقع باطلاً كل شرط يقضي بإعفاء الناقل الجوي من المسؤولية أو بتحديدها بأقل من الحدود القصوى للتعويض المنصوص عليها في المادة (224) من هذا القانون. وذلك تماشياً مع اتفاقية شيكاغو 1944 والتي صادقت عليها دولة قطر في سنة 2007 ومن بعدها وتحديداً في العام 2008 انضمت دولة قطر الى بروتوكولات مونتريال الخاصة بتعديل اتفاقية شيكاغو. إن مسؤولية شركات الطيران تجاه ركابها تندرج تحت أساس المسؤولية المدنية سواءً كانت عقدية أم تقصيرية، بدايةً بتسهيل كافة إجراءات السفر للمسافر، مروراً بكفالة سلامته وراحته أثناء السفر وانتهاءً بضمان وصوله الى وجهته في الزمن المعلن والمتفق عليه مع أغراضه الشخصية وما صاحبها. ويتحقق الإخلال في ذلك بمجرد عدم تنفيذ ما التزم به الملتزم بغض النظر عن مسلكه، أي بمجرد حدوث الضرر للمسافر، وبالتالي فإن مسؤولية شركات الطيران هي مسؤولية شخصية قائمة على أساس الخطأ المفترض، ذلك أن المسافر غير ملزم بإثبات خطأ شركة الطيران إلاّ أنّه يبقى لشركة الطيران الحق في دفع المسؤولية عنها وذلك بنفي الخطأ بمعنى اثبات أن الضرر الذي حصل للمسافر لا يرجع إلى خطأ ناتج منها أو من أحد تابعيها بل إلى سبب آخر وانها اتخذت خلال عملية النقل والسفر جميع الاحتياطات اللازمة لتفادي وقوع الضرر أو أنه استحال عليها اتخاذها. وهو ما يحيلنا إلى القول إلى أن مسؤولية شركات الطيران تجاه الركاب ذات طبيعة موضوعية تتحمل فيها ما قد ينتج عن أي خطأ أو ضرر للمسافر، الا ما كان بسبب أجنبي أو لا يد لها فيه. وفي هذا الصدد قد مرت قضايا مشابهة ترافع فيها مكتبنا، وذلك بقيام إحدى شركات الطيران بمنع مسافرة من الصعود الى الطائرة رغم استيفائها لجميع الإجراءات القانونية والفنية المطلوبة، الا أن موظفة شركة الطيران رفضت للمسافرة إكمال إجراءاتها بصعود الطائرة بحجة تأخرها في إكمال الإجراءات رغم حضورها مبكراً واكتمال إجراءاتها، مما تسبب للمسافرة في فوات رحلتها بجانب الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بها جراء هذا الفعل؛ فتمت مقاضاة تلك الشركة عما اقترفته من ضرر تجاه هذه المسافرة، وقد صدر الحكم جابراً لضرر المسافرة وملزماً لشركة الطيران بتعويض المسافرة تعويضاً مجزياً تم سداده كاملاً للمسافرة. إننا وإذ نسرد مثل هكذا قضايا - على قلتها إنما تعكس الواقع العملي والتطبيق القانوني السليم على أرض الواقع، وبدورنا نرسل صوت إشادة بمثل هذه الممارسات القضائية العادلة والتي تنصف المسافر وتعيد إليه الحق، فالحق هو ما قام عليه الدليل وهو أحق أن يتبع.
1518
| 13 مايو 2024