رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

2359

د. أحمد القديدي

صفحات طريفة من ملحمة بورقيبة كما عشتها

15 يونيو 2020 , 01:30ص

بورقيبة ديناصور سياسي من فصيلة نادرة من الديناصورات، انقرضت مع القرن العشرين، بل لقد أتم بورقيبة آخر سنة من القرن، كأنما أراد الله سبحانه أن تغرب شمس الديناصورات السياسية الكبرى مع غروب شمس القرن العشرين.

فقد انقرضت قبله ديناصورات تحرير العالم الثالث ممن كان يعتبرهم أنداده وأقرانه أمثال (جواهرلال نهرو) الهندي و(جوزف بروز تيتو) اليوغسلافي وشوان لاي الصيني و(هوشي منه) الفيتنامي و(كوامي نكرومه) الغاني و(جمال عبدالناصر) المصري و(الجنرال شارل ديجول) و(بيار منداس فرانس) الفرنسيين و(ونستن تشرشل) البريطاني و(روزفلت) الامريكي و(خروتشوف) الروسي.. ثم جيل محرري شعوبهم الأفارقة مثله (عبدالكريم الخطابي ومحمد الخامس وهواري بومدين وباتريس لوممبا وأحمد سيكوتوري).. جيل كامل من ذوي القامات الطويلة والهامات المرتفعة والذين ـ كل في وطنه وفي ميدانه ـ تركوا بصمات لا تمحى من تاريخ أوطانهم وظلت اصواتهم تدوي وهم في ذمة الله والتاريخ.

بورقيبة كان من هؤلاء وقد عرف جلهم وصادق بعضهم وتحارب مع بعضهم وظل الى آخر يوم في حياته وفيّا لعلاقات حميمة ارتبط بها مع نخبة منهم وخاصة رئيس الحكومة الفرنسية الذي وقع على وثيقة استقلال تونس (بيار منداس فرانس) كان بورقيبة يحتفظ على مدى ثلاثين عاما بصورة منداس فرانس على مكتبه ويدعوه للتحادث معه كلما أتيحت الفرصة.

وقد قابلت شخصيا بيار منداس فرانس عام 1981 في قاعات فندق كريون بباريس وقص عليّ بعض ما يعرفه عن شخصية بورقيبة ووفائه بصوته المتهدج الوديع.

من أول اللقاءات التي اذكرها مع الزعيم بورقيبة ذلك اللقاء الذي لَمْ أستعد له بل فوجئت به. كان ذلك في سبتمبر 1981 وكنت اتحمل مسؤولية إدارة ورئاسة تحرير صحيفة العمل اليومية لسان الحزب الدستوري وأرافق رئيس الحكومة التونسية آنذاك في زيارة رسمية للجزائر الشقيقة حيث عقدنا اجتماعا ضم قيادة الحزب الدستوري التونسي وقيادة حزب جبهة التحرير الوطني ورجعنا من الجزائر في طائرة خاصة حطت بنا حوالي الساعة الرابعة عصرا في مطار تونس قرطاج الدولي، ونزل اعضاء الوفد من الطائرة وكنت من بينهم فإذا بي أشاهد السفير عبدالمجيد القروي مدير التشريفات والمراسم بقصر قرطاج يناديني ويشاور لي بيديه فاتجهت له سائلا فإذا به يقول لي: السيد الرئيس يدعوك لمقابلته حالاً.. وكان أول ما سألته متعجباً: هل تعرف موضوع هذه الدعوة؟ فقال لا. وثاني سؤال لي كان: إنني ارتدي اللباس التقليدي (الجبة) فهل أذهب إلى البيت أغير ملابسي؟ فقال: لا، فالسيد الرئيس يريدك الآن ولباسك التقليدي هو لباسنا الوطني لا مشكلة فيه.

فامتطيت معه سيارته المرسيدس السوداء وكان هو يسوقها وكنا نسير مباشرة وراء سيارة رئيس الحكومة الذي كان ـ كعادة رؤساء الحكومات عند انتهاء زياراتهم إلى الخارج ـ يتجه للقصر لتقديم تقرير شفوي للرئيس أو يحمل رسالة من رئيس الدولة التي زارها.

وصلنا للقصر واتجهنا إلى مكتب بورقيبة.. لكنني قبل بلوغ المكتب سمعت الصوت الأنثوي المعروف للسيدة وسيلة حرم بورقيبة.. تناديني باسمي.. كانت تجلس على دكة أمام شرفة تطل مباشرة على بحر قرطاج الرائع الأزرق وتلبس فستاناً تقليديا لازورديا وتمسك بمروحة من الصناعة التقليدية تخفف بها من حرارة ذلك اليوم. سألتني (الماجدة) كما كنا نسميها بدون مقدمات وبطريقتها المألوفة لدى كل من عمل مع بورقيبة في أي موقع من المواقع: قائلة: (لماذا دعاك الرئيس؟) فأجبتها (لا أدري) ونظرت إلى وجه السفير عبدالمجيد القروي فاستنتجت منه صدقي.. كما استنتجت من تقاطيع وجهي دهشتي وانتظاري لموضوع المقابلة.. وقالت لي: (من فضلك ياسي أحمد.. بعد المقابلة مر من هنا لأراك). دخلت إلى مكتب الرئيس، وسلمت عليه بكل الاحترام الذي نشعر به جميعا ازاء تلك الملحمة الحية من الكفاح والصبر ووجدت لديه على يمينه رئيس الحكومة الذي سبقنا فجلست على شماله.. فقال لي: "دعوتك بصفتك مدير صحيفة العمل الجريدة التي أسستها أنا عام 1934 لأسلمك رسالة تاريخية كتبتها من منفاي إلى ملك تونس محمد الأمين باشا باي عام 1952 وكانت ايذانا ببداية الثورة التونسية المسلحة" كان صوت بورقيبة هادئا ثم تصاعد تدريجيا ليتلاءم مع تعبير عينيه الزرقاوين وأضاف: لقد أرجعت مع هذه الرسالة إلى الملك وسام (الفاشة) الذي وشح به صدري (وهو وسام الافتخار أعلى الأوسمة الملكية في تونس) أعدته إلى الملك احتجاجا مني على إصلاحات المقيم العام الفرنسي (فوازار) التي وافق عليها الملك وهي مهينة للشعب التونسي ولا تعترف بحقه في الاستقلال ودعوت الملك إلى إعلان رفضه لتلك الإصلاحات المزيفة واستشهدت بتلك الآية الرائعة القوية من سورة البقرة: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) وكنت من حسن حظي أحفظ تلك الآية وهي رقم 214 من سورة البقرة فواصلت أنا من تلقاء نفسي تلاوتها والزعيم ينصت: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) وهنا سكت أنا، لأن بورقيبة هو الذي واصل تلاوة آخرها وهو: (ألا إن نصر الله قريب) وشعرت كأنما الزعيم الواثق من النصر عام 1952 يستعيد نشوة ذلك النصر المبين.

كان الرئيس بورقيبة يقرأ الآية بتلاوة فصيحة قوية مشددا على عبارات نصر الله قريب.. ثم يضع كل ثقته وعنفوانه في عبارة ألا إن نصر الله قريب. وبعد المقابلة مررت بالسيدة وسيلة وحدثتها عن موضوع المقابلة وانصرفت مع عبد المجيد القروي إلى خارج القصر، لأنه وضع على ذمتي سيارته وسائقه حتى ألتحق ببيتي (شقة صغيرة مؤجرة في حي الرمانة من صندوق التقاعد). أذكر أن الزعيم بعد ذلك عندما كان يريدني لأمر ما يطلب من محمد مزالي دعوتي وقد نسي اسمي ويدعوني بالقدادي، عوض، القديدي، إلا أنه كان يقول لمزالي:" هاك اللي يحفظ القرآن" وهو شرف لا أستحقه لأني بالصدفة تلوت الآية على الرئيس وكنت منذ حفظتها في كتاب مؤدبنا الشيخ البشير بن غانم بالقيروان أعتقد أن فيها لوحة ملحمية مرسومة بعبارات إلهية قوية توحي بشدة الحرب والبأساء والزلزال على المؤمنين الصابرين.

[email protected]

اقرأ المزيد

alsharq الأجساد على التروس

(1) يصل ماريو سافيو إلى عالمنا في الثامن من الشهر الأخير لعام 1942، والداه المتدينان يحلمان بأن يصبح... اقرأ المزيد

84

| 13 مايو 2024

alsharq مسؤولية شركات الطيران تجاه ركابها

يعتبر النقل الجوي من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها، حيث إنه يعد الوسيلة الفعالة للحفاظ على وقت... اقرأ المزيد

123

| 13 مايو 2024

alsharq دور المثقفين في النهضة: مقارنة بين الغرب والعالم العربي

شهدت أوروبا في عصر التنوير حركة فكرية وثقافية كبيرة قادها مثقفون مثل فولتير، وديدرو، وروسو، والعديد من الفلاسفة... اقرأ المزيد

72

| 13 مايو 2024

مساحة إعلانية