رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بورقيبة ديناصور سياسي من فصيلة نادرة من الديناصورات، انقرضت مع القرن العشرين، بل لقد أتم بورقيبة آخر سنة من القرن، كأنما أراد الله سبحانه أن تغرب شمس الديناصورات السياسية الكبرى مع غروب شمس القرن العشرين.
فقد انقرضت قبله ديناصورات تحرير العالم الثالث ممن كان يعتبرهم أنداده وأقرانه أمثال (جواهرلال نهرو) الهندي و(جوزف بروز تيتو) اليوغسلافي وشوان لاي الصيني و(هوشي منه) الفيتنامي و(كوامي نكرومه) الغاني و(جمال عبدالناصر) المصري و(الجنرال شارل ديجول) و(بيار منداس فرانس) الفرنسيين و(ونستن تشرشل) البريطاني و(روزفلت) الامريكي و(خروتشوف) الروسي.. ثم جيل محرري شعوبهم الأفارقة مثله (عبدالكريم الخطابي ومحمد الخامس وهواري بومدين وباتريس لوممبا وأحمد سيكوتوري).. جيل كامل من ذوي القامات الطويلة والهامات المرتفعة والذين ـ كل في وطنه وفي ميدانه ـ تركوا بصمات لا تمحى من تاريخ أوطانهم وظلت اصواتهم تدوي وهم في ذمة الله والتاريخ.
بورقيبة كان من هؤلاء وقد عرف جلهم وصادق بعضهم وتحارب مع بعضهم وظل الى آخر يوم في حياته وفيّا لعلاقات حميمة ارتبط بها مع نخبة منهم وخاصة رئيس الحكومة الفرنسية الذي وقع على وثيقة استقلال تونس (بيار منداس فرانس) كان بورقيبة يحتفظ على مدى ثلاثين عاما بصورة منداس فرانس على مكتبه ويدعوه للتحادث معه كلما أتيحت الفرصة.
وقد قابلت شخصيا بيار منداس فرانس عام 1981 في قاعات فندق كريون بباريس وقص عليّ بعض ما يعرفه عن شخصية بورقيبة ووفائه بصوته المتهدج الوديع.
من أول اللقاءات التي اذكرها مع الزعيم بورقيبة ذلك اللقاء الذي لَمْ أستعد له بل فوجئت به. كان ذلك في سبتمبر 1981 وكنت اتحمل مسؤولية إدارة ورئاسة تحرير صحيفة العمل اليومية لسان الحزب الدستوري وأرافق رئيس الحكومة التونسية آنذاك في زيارة رسمية للجزائر الشقيقة حيث عقدنا اجتماعا ضم قيادة الحزب الدستوري التونسي وقيادة حزب جبهة التحرير الوطني ورجعنا من الجزائر في طائرة خاصة حطت بنا حوالي الساعة الرابعة عصرا في مطار تونس قرطاج الدولي، ونزل اعضاء الوفد من الطائرة وكنت من بينهم فإذا بي أشاهد السفير عبدالمجيد القروي مدير التشريفات والمراسم بقصر قرطاج يناديني ويشاور لي بيديه فاتجهت له سائلا فإذا به يقول لي: السيد الرئيس يدعوك لمقابلته حالاً.. وكان أول ما سألته متعجباً: هل تعرف موضوع هذه الدعوة؟ فقال لا. وثاني سؤال لي كان: إنني ارتدي اللباس التقليدي (الجبة) فهل أذهب إلى البيت أغير ملابسي؟ فقال: لا، فالسيد الرئيس يريدك الآن ولباسك التقليدي هو لباسنا الوطني لا مشكلة فيه.
فامتطيت معه سيارته المرسيدس السوداء وكان هو يسوقها وكنا نسير مباشرة وراء سيارة رئيس الحكومة الذي كان ـ كعادة رؤساء الحكومات عند انتهاء زياراتهم إلى الخارج ـ يتجه للقصر لتقديم تقرير شفوي للرئيس أو يحمل رسالة من رئيس الدولة التي زارها.
وصلنا للقصر واتجهنا إلى مكتب بورقيبة.. لكنني قبل بلوغ المكتب سمعت الصوت الأنثوي المعروف للسيدة وسيلة حرم بورقيبة.. تناديني باسمي.. كانت تجلس على دكة أمام شرفة تطل مباشرة على بحر قرطاج الرائع الأزرق وتلبس فستاناً تقليديا لازورديا وتمسك بمروحة من الصناعة التقليدية تخفف بها من حرارة ذلك اليوم. سألتني (الماجدة) كما كنا نسميها بدون مقدمات وبطريقتها المألوفة لدى كل من عمل مع بورقيبة في أي موقع من المواقع: قائلة: (لماذا دعاك الرئيس؟) فأجبتها (لا أدري) ونظرت إلى وجه السفير عبدالمجيد القروي فاستنتجت منه صدقي.. كما استنتجت من تقاطيع وجهي دهشتي وانتظاري لموضوع المقابلة.. وقالت لي: (من فضلك ياسي أحمد.. بعد المقابلة مر من هنا لأراك). دخلت إلى مكتب الرئيس، وسلمت عليه بكل الاحترام الذي نشعر به جميعا ازاء تلك الملحمة الحية من الكفاح والصبر ووجدت لديه على يمينه رئيس الحكومة الذي سبقنا فجلست على شماله.. فقال لي: "دعوتك بصفتك مدير صحيفة العمل الجريدة التي أسستها أنا عام 1934 لأسلمك رسالة تاريخية كتبتها من منفاي إلى ملك تونس محمد الأمين باشا باي عام 1952 وكانت ايذانا ببداية الثورة التونسية المسلحة" كان صوت بورقيبة هادئا ثم تصاعد تدريجيا ليتلاءم مع تعبير عينيه الزرقاوين وأضاف: لقد أرجعت مع هذه الرسالة إلى الملك وسام (الفاشة) الذي وشح به صدري (وهو وسام الافتخار أعلى الأوسمة الملكية في تونس) أعدته إلى الملك احتجاجا مني على إصلاحات المقيم العام الفرنسي (فوازار) التي وافق عليها الملك وهي مهينة للشعب التونسي ولا تعترف بحقه في الاستقلال ودعوت الملك إلى إعلان رفضه لتلك الإصلاحات المزيفة واستشهدت بتلك الآية الرائعة القوية من سورة البقرة: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) وكنت من حسن حظي أحفظ تلك الآية وهي رقم 214 من سورة البقرة فواصلت أنا من تلقاء نفسي تلاوتها والزعيم ينصت: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) وهنا سكت أنا، لأن بورقيبة هو الذي واصل تلاوة آخرها وهو: (ألا إن نصر الله قريب) وشعرت كأنما الزعيم الواثق من النصر عام 1952 يستعيد نشوة ذلك النصر المبين.
كان الرئيس بورقيبة يقرأ الآية بتلاوة فصيحة قوية مشددا على عبارات نصر الله قريب.. ثم يضع كل ثقته وعنفوانه في عبارة ألا إن نصر الله قريب. وبعد المقابلة مررت بالسيدة وسيلة وحدثتها عن موضوع المقابلة وانصرفت مع عبد المجيد القروي إلى خارج القصر، لأنه وضع على ذمتي سيارته وسائقه حتى ألتحق ببيتي (شقة صغيرة مؤجرة في حي الرمانة من صندوق التقاعد). أذكر أن الزعيم بعد ذلك عندما كان يريدني لأمر ما يطلب من محمد مزالي دعوتي وقد نسي اسمي ويدعوني بالقدادي، عوض، القديدي، إلا أنه كان يقول لمزالي:" هاك اللي يحفظ القرآن" وهو شرف لا أستحقه لأني بالصدفة تلوت الآية على الرئيس وكنت منذ حفظتها في كتاب مؤدبنا الشيخ البشير بن غانم بالقيروان أعتقد أن فيها لوحة ملحمية مرسومة بعبارات إلهية قوية توحي بشدة الحرب والبأساء والزلزال على المؤمنين الصابرين.
(1) يصل ماريو سافيو إلى عالمنا في الثامن من الشهر الأخير لعام 1942، والداه المتدينان يحلمان بأن يصبح... اقرأ المزيد
84
| 13 مايو 2024
يعتبر النقل الجوي من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها، حيث إنه يعد الوسيلة الفعالة للحفاظ على وقت... اقرأ المزيد
123
| 13 مايو 2024
شهدت أوروبا في عصر التنوير حركة فكرية وثقافية كبيرة قادها مثقفون مثل فولتير، وديدرو، وروسو، والعديد من الفلاسفة... اقرأ المزيد
72
| 13 مايو 2024
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
شهدت أوروبا في عصر التنوير حركة فكرية وثقافية كبيرة قادها مثقفون مثل فولتير، وديدرو، وروسو، والعديد من الفلاسفة والكتاب والمفكرين. هؤلاء المثقفون التنويريون شككوا في السلطات التقليدية، ودافعوا عن العقلانية والحرية الفكرية، ودعوا إلى إصلاح المجتمع وتحريره من قيود الجهل والخرافات. في الوقت نفسه، شهد العالم العربي في القرن التاسع عشر حركة نهضة فكرية وثقافية مماثلة، قادها رواد مثل: (رفاعة الطهطاوي، وخير الدين التونسي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وقاسم أمين)، وغيرهم. هؤلاء الرواد دعوا إلى التحرر من التقاليد الجامدة، واعتماد العقلانية والعلم، وتحديث المجتمعات العربية، واستلهام المنجزات الغربية في مجالات المعرفة والتقدم. يمكن تعريف المثقفين التنويريين الغربيين بأنهم: (مجموعة من المفكرين، والفلاسفة الذين اتخذوا دورًا مهمًا في نهضة أوروبا. وكانوا يدافعون عن التغيير والتحديث والإصلاح من خلال الكتابة والنقد والتدوين. وقدموا آراءهم حول العلوم، والفلسفة، والسياسة، والاجتماع). في حين يعرف رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر بأنهم: (مجموعة من المفكرين والشعراء، والقادة العرب الذين اتخذوا دورًا مهمًا في النهضة العربية في القرن التاسع عشر. وقدموا أفكارهم، وآراءهم حول الثقافة، والسياسة، والاجتماع، والعلم. وقاموا بتشكيل مؤسسات للتنمية والتطوير والتعميق في الثقافة العربية). على الرغم من أن هناك العديد من أوجه التشابه بين دور المثقفين التنويريين الغربيين ورواد النهضة العربية. فكلاهما سعى إلى تحرير العقول من القيود التقليدية، ونشر أفكار التنوير والتقدم، وإحداث تغيير جذري في المجتمعات التي عاشوا فيها. كما حملوا مشعل العقلانية والعلم في مواجهة الجهل والخرافات السائدة. إلا أن هناك اختلافات في السياق التاريخي والثقافي الذي عمل فيه كل منهما. فالمثقفون التنويريون الغربيون كانوا جزءًا من حركة فكرية أوسع في أوروبا، مدعومين بالتطورات العلمية والفلسفية والسياسية في ذلك الوقت. أما رواد النهضة العربية، فقد كانوا أصواتًا منفردة في بيئة محافظة، وواجهوا معارضة شديدة من السلطات الدينية والسياسية القائمة. في الوقت الحاضر، هناك حاجة ماسة لدور مماثل للمثقفين العرب في قيادة نهضة فكرية وثقافية جديدة في العالم العربي. فالمنطقة تواجه تحديات كبيرة مثل الصراعات، والتطرف، والتخلف العلمي والتقني، وضعف الحريات والديمقراطية. ويُنتظر من المثقفين العرب أن يكونوا صوتًا للتنوير والإصلاح، وأن يدفعوا بمجتمعاتهم نحو الأمام باعتماد العقلانية والعلم والانفتاح على الآخر. وعليه يجب على المثقفين العرب أن يدركوا السياق المعقد للعالم العربي الحديث، وأن يستلهموا الدروس من تجارب رواد النهضة السابقين. عليهم أن يكونوا حذرين من الوقوع في فخ النزعة الاستعلائية الغربية، وأن يحافظوا على الهوية الثقافية العربية مع الانفتاح على الآخر. كما يجب عليهم أن يكونوا واقعيين في توقعاتهم، ويدركوا أن التغيير الحقيقي يتطلب الصبر والمثابرة على المدى الطويل. في النهاية، إن دور المثقفين في قيادة النهضة هو دور حيوي ومصيري للمجتمعات. وعلى المثقفين العرب أن يستلهموا من تجارب الماضي، ويواجهوا تحديات الحاضر بشجاعة وعزم، لصياغة مستقبل أفضل لشعوبهم والإنسانية جمعاء.
1872
| 07 مايو 2024
في عالم الثقافة ما زلت أحتفظ بعقلي. أقرأ كتبا مهمة بقدر ما تتيح لي الظروف، ولا أتأخر عن الإشارة إليها أو الكتابة عنها، وأشعر أحيانا بالتقصير لأني لا أستطيع، وهذا طبيعي جدا، أن أقرأ كل ما يصدر من كتب عظيمة. أنشر ما أكتبه على صفحتي في الفيسبوك أو تويتر من باب الحفظ لها، فأغلب العابرين على السوشيال ميديا ليس لديهم الوقت الكافي، بينما يقفون كثيرا عند التغريدات قليلة الكلمات. هذا طبيعي فالسوشيال ميديا بنت عصر السرعة، وتظل المقالات وقراءتها للذين لديهم الوقت، ولمن ينشغلون بالقضايا الحقيقية، قد يبدون فيها رأيا يثريها حتى ولو بالاختلاف. لكن في السوشيال ميديا ظاهرة هي «الترند». وهو ما يأخذ القارئ أو المشاهد إذا كان الأمر يتعلق ببعض الصور، إلى اتجاه يزدحم بالحاضرين أو المحتفلين، فيسعد صاحب الترند بالكم الكبير وغير العادي ممن يعلقون على كلامه، ويصدق أن ما يراه اهتمام حقيقي، وليس زفة مثل زفة المولد، لا يبقى منها لدى المحتفلين ما يصنع ثقافة حقيقية. الترند قد يشهد انتقادات كثيرة جدا أيضا، ولا يعلم من ينتقد أن صاحب الترند يريد ذلك، فلقد صار في مركز الحدث. مركزا للتفاهة ستدخل في النسيان بعد دقائق. كنت دائما بعيدا عن هذه الظاهرة وما أسهلها. لم أفكر أن أفعلها، ولم أساهم حتى بالتعليق على إحداها، فهي بالونة طائرة تنفجر ولا يخرج منها غير الهواء لدقائق، بينما الهواء الحقيقي حولنا في القضايا الكبرى. لا ألوم من يساهم في الترند، فليس كل الناس ولا كل الأعمار على طريقة واحدة في الحياة، فالذين يقرأون القصص البوليسية مثلا أضعاف من يقرأون الأدب الحقيقي. في الأيام الأخيرة انفجرت السوشيال ميديا بترند سببه سؤال ليوسف زيدان للمفكر السوري فراس السواح، وهو صاحب أعمال عظيمة في تاريخ الأديان والميثولوجيا. كان السؤال في ندوة أقامتها مؤسسة جديدة تسمي نفسها «تكوين» مهمتها تجديد الفكر الديني كما يقولون. بدأوا ندواتهم بلقاء مع مفكر يستحق القراءة والاحتفاء، لكن تبدد اللقاء بسبب «الترند» التافه. ما شاع على الميديا سؤال من يوسف زيدان لفراس السواح هل أنت أفضل أم طه حسين، وإجابة الرجل أنه هو ويوسف زيدان أفضل. انفجرت الميديا بالانتقاد وبصفة خاصة ليوسف زيدان وأعماله مقارنة بطه حسين. المئات دافعوا عن طه حسين وهو يستحق كل ذلك عملا وفكرا، والحديث عنه يحتاج الى مقالات وكتب. اعتذر الاثنان عما حدث وكيف كان الأمر دعابة، وقال السواح إن زيدان ورطه بالسؤال. لكن صار الأمر « ترند» بدا لي مقصودا من صاحب السؤال، فأضاع الندوة وأضاع ما قدمه فراس السواح من أفكار. صار التجديد الديني على الهامش وشاعت الكوميديا والمسخرة. ومن ثم أقول لكم إن هذه بداية منذرة - لا أقول مبشرة من فضلك- بقيمة ما ستقدمه هذه المؤسسة التي لا أتوقع لها دور في التجديد بل لها دور في الترند! ولا أعتقد سيخيب ظني. بعيدا عن ذلك كله أحب أن أضحك مع تعليق واحدة من أجمل من يعلقون على الأحوال الثقافية، هي نجوان ماهر عامر التى تعمل في صفحة « مكتبة وهبان» وهي من أجمل الصفحات الثقافية، والتي لم يعجبها طبعا ما فعله زيدان، قائلة بعد إعلان لشخص آخر تكوين مؤسسة مقابلة لدحض مؤسسة تكوين. قالت نجوان ماهر مع صورة للرئيس السادات «تم تدشين مؤسسات ثقافية في ست ساعات» ولن أزيد من تعليقاتها التي تستحق مقالا ربما أكتبه يوما من فرط الفهم والجمال.
1833
| 09 مايو 2024
كلمة مشهورة لدى أهل الخليج تقال للوجيه (من كلمة وجاهة أي ذي جاه، أو سلطة، أو كبير قوم، أو ذي منصب، أو مركز اجتماعي مرموق يتوجه له الناس لقضاء حاجاتهم)، ومعنى تكفى «أي أنا طالبك تفزع لي على إنهاء أمر معين». وهؤلاء الوجهاء يأتيهم عامة الناس من كل مكان أملاً في أن يساعدوهم في أمور عجزوا عن إنهائها بأنفسهم، بل إن بعض الناس يقطع مسافة طويله لهذا الوجيه لعله يساعده في قضاء حاجته. في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، رواه مسلم. وهذا فضل من الله على عباده بأنه سبحانه يكافئ من أعان أخاه المسلم على حاجة بالعون يوم القيامة. فالدين أمرنا أن نقوم بمساعدة الناس وقضاء حاجاتهم واحتساب الأجر عند الله. فكلنا في حاجة بعضنا البعض مهما كانت مناصبنا أو مراكزنا الاجتماعية. فالطبيب بحاجة للفراش لتنظيف عيادته، والتاجر بحاجة للمحاسب، والغني بحاجة للحلاق، والوزير بحاجة لمن يحضر له اجتماعاته، وهكذا، وهو مصداق قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾. فالذي أكرمه الله بأن يكون وجيها فعليه أن يساعد كل من يأتيه ويقوم بحاجته حتى تنقضي ويحتسب الأجر، فليس له الحق في اختيار من يساعد من الناس. واعلم أن هذا الشخص الذي قصدك واختارك من بين عباده لتقضي حاجته، قد أرسله الله لك لتقضيها له وتكسب الأجر، فإنه قد جاءك وهو متوكل على الله ومتفائل بأنك ستقضي حاجته فلا تخيب رجاءه. ولتعلم انه قد يأتي يوم تحتاج له ولغيره، فلا تحقرن من المعروف شيئا. فلا تتردد أو تقول (على خير) وأنت لن تفعل شيئا. فإن الرجل ذا المنصب أو المركز أو الجاه يكون مثل الرأس في الجسد، ولهذا يذكر عن رجل أوصى ابنه فقال: يا بني، لا تكن رأسا فإن الرأس كثير الآفات أو الأوجاع، فعليك أن تتحمل ما يحمله هذا المنصب من تكلف أو تعب فلذة خدمة الناس لا تعادلها لذة. وكلمة جزاك الله خيرا عندما تنهي حاجته، هي أبلغ الثناء. فإذا قال شخص لآخر (تكفى يا فلان أبيك تخلص لي موضوعي) قال له (ابشر بسعدك) ومشى معه حتى يقضى حاجته، وهذه من مكارم الأخلاق، لان كلمة تكفى عند اللي يعرفون معناها تهز الرجال. قال الشاعر: جيتك بكلمة كنها صقعة الويل وإن قلت تكفى لا تـهـاون بـتـكـفـى تكفى تراها كلـمـة تـقـطـم الـحـيـل لا بالله إلا تنسف الـحـيـل نـسـفـا تكفى ترا تكفى لـهـا هـدرة الـسـيـل في صدر حرٍ ينتف الطيـب نـتـفـا تكفى ترا تكفى لها تـسـرج الـخـيـل إن كان لك في مجمع الخيل عسفا تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل ولولا صروف الوقت ما قلت تكفى نسال الله أن يكتب الأجر لمن قام مع أخيه المسلم في حاجته حتي يقضيها له.
1806
| 10 مايو 2024