رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

جعفر عباس

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

1807

جعفر عباس

تطبيع العلاقات مع كرة القدم

11 أغسطس 2020 , 02:24ص

في يونيو من عام 2018 استوقفتني حكاية نقلتها وكالة الأنباء الألمانية دي بي إيه عن السجين الأردني الذي شرع والده في استكمال إجراءات كفالته ليخرج من السجن، (ربما) في انتظار النظر في استئناف حكم السجن الصادر بحقه، فإذا به يقول لأبيه ما معناه: العجلة من الشيطان.. والسجن للرجالة.. وأنا لا أستطيع أن أخون العُشرة وأترك ورائي رجالا صادقتهم في السجن.

تساءل الأب ما إذا كان ابنه قد أصيب بخلل في قواه العقلية، إذ كيف يرفض شخص عاقل الخروج من السجن والعودة إلى بيت العائلة؟ فكان رد الابن: كل المطلوب يا والدي هو أن تؤجل خروجي من السجن لشهر واحد، وتساءل الأب مجددا: ولماذا بعد شهر؟ قال الابن: بصراحة يا أبي إدارة السجن رتبت لنا مشاهدة كافة منافسات كأس العالم في كرة القدم.. وأنت تعرف أننا ما عندنا في البيت لا دِش للتلفزيون ولا دُش للاستحمام.

وقد ظللت لسنوات طوال شديد الحساسية تجاه كرة القدم، ولكنني أعترف اليوم بأنني لم أكن محقا أو مصيبا في ذلك، فبكل بساطة لا يمكن أن يكون نحو 3 مليارات شخص مهووس بكرة القدم على خطأ وأنا على حق في كرهي لها! لأكون أكثر أمانة مع نفسي فإنني لم أكن أكره كرة القدم إلا لكون بعض الحكومات العربية توليها اهتماما أكبر من ذلك الذي توليه للخدمات الطبية والتعليمية.

ثم عثرت على عدد قديم من مجلة تايم الأمريكية وموضوع الغلاف فيها "كأس العالم"، ولأول مرة وجدت نفسي أقرأ عشرين صفحة عن كرة القدم، وأدركت أنها لعبة كل الشعوب وأنها استثنائية وممتعة، بل هي أكثر نشاط إنساني يمارس في كل القارات (ولا يسبقه إلا مجالي الأكل والشرب)، وهي لعبة ديمقراطية، ليس فيها كبير وصغير، ولستَ بحاجة إلى ترتيبات وتجهيزات معينة لتمارسها.

تستطيع أن تلعب كرة القدم وأنت ترتدي ما تشاء من الملابس، بينما لا تستطيع أن تمارس ألعابا مثل التنس أو البيسبول أو الملاكمة أو الغولف أو الفوتبول الأمريكي إلا وأنت تملك الملابس والعتاد اللازمين! لا يهم أن تكون أسود أو أبيض أو أصفر.. ولا غنيا أو فقيرا.

أغنى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة لا يستطيع فريقها الوطني الصمود لدقائق أمام منتخب الكاميرون، ولا يهم أن تكون طويلا أو قصيرا.. تستطيع أن تلعب كرة القدم وعمرك 67 سنة أو سنتان، وقد تصبح نجما لامعا في بطولات الكرة وطولك يقارب المترين أو فوق المتر بقليل (مارادونا الأرجنتيني).. وهي ديمقراطية لأن كل من يحصل على شيء مكور أو مستدير يستطيع الاستمتاع بها: لفافة بلاستيك أو جوارب قديمة أو علبة فارغة تتقاذفها الأرجل في ميدان معشب أو ساحة ترابية أو أرض مسفلتة أو داخل غرفة (من وراء ظهر ماما).

ومتابعة معظم الألعاب الرياضية تتطلب ثقافة واسعة لأن قوانينها مركبة ومربكة ومعقدة، بينما قوانين كرة القدم في منتهى البساطة: لا تلمس الكرة بيدك ولا ترفس لاعبي الفريق الخصم (بالمناسبة لا أعرف ماذا يفعل معي حكم مباراة كرة لو – مثلا – ضربت لاعبا من فريقي: هل يقول زيتكم في طحينكم ويتركني أم يعطيني الكرت الأحمر ويطردني).. ورغم أنني قررت تطبيع العلاقات مع كرة القدم إلا أنني سأظل معارضا للهوس الكروي الذي يقود للتشابك بالأيدي والسلاح، قبل سنوات تعرض اللاعب الكولمبي أندريه أسكوبار للاغتيال بعد أن سجل هدفا في مرمى فريقه عن طريق الخطأ.

وما فعله الغوغائيون خلال لقائي فريقي مصر والجزائر في 2010 في سياق منافسات كأس الأمم الأفريقية في الخرطوم يجعلني أقول: إلى أي مدى كانت تلك الفئة ستتمادى في ممارساتها الجاهلية لو كان أي من الفريقين يملك متطلبات الصمود في الجولة الأولى من البطولة؟!!!

المهم يا عزيزي إذا رأيت ولدك يكثر من ركل علبة البيبسي الفارغة داخل البيت، بادر بشراء كرة مطاطية واسمح له بجعل غرفة الجلوس ملعبا.. وإذا كبر وأهمل دروسه بسبب حبه للكرة لا تشتمه أو تضربه فقد يأتي يوم يصير فيه راتبه في شهر أكثر من راتبك في ثلاثين سنة وتندم على العمر الذي ضيعته أنت في الفيزياء والمفعول به وخط الاستواء.. لاعب البرتغال كرستيانو رونالدو يكسب في شهر واحد ما يكسبه عشرة استشاريين طبيين في مائة سنة. بلا طب بلا هندسة بلا بطيخ.

[email protected]

مساحة إعلانية