رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

1680

د. أحمد القديدي

تونس والتحديات

04 ديسمبر 2020 , 01:00ص

لا ينكر أي تونسي وطني أمين أن تونس تعيش أزمة اعترف بها كل من يحكم ومن يعارض، وتجلياتها اقتصادية واجتماعية ونقدية وثقافية، وطبعا صحية لأن الكورونا دخلت على الخط كما في العالم أجمع. ويناقش المجلس التشريعي هذه الأيام ميزانية الدولة، لكن النقاش يتحول دائما إلى حوار عميق حول خيارات أساسية وتوجهات سياسية لبلادنا لمدة طويلة قادمة لأن الدستور الذي ضبط هذه الخيارات هوالذي غذى معركة التحرر من الاستعمار، وهوالذي ضمن بناء الدولة في مراحلها الأولى وهومحور أي تغيير نطمح إليه بعد ثورة 17-14 المجيدة لأنه هوالذي يهندس الحياة المدنية ويحدد الحقوق والواجبات ومن الطبيعي أن تثار حوله جدالات مطولة وعسيرة. أما قراءتي للدستور الراهن فأعتقد أن النص المتوفر لدينا يشكل قاعدة انطلاق لعملية إعادة كتابته على أسس مختلفة وعقلانية يضمن وفاقا أوسع وأشمل وتفاعلا أنجع مع المتغيرات والتجارب والطموحات. وأنصح السيد الرئيس قيس سعيد أن يبادر بعملية تصحيح الدستور وعرضه على الاستفتاء حتى يكون مرآة صادقة أمينة لإجماع المواطنين بالنظر إلى صبغة هذا النص التأسيسية المصيرية مع العلم أن الخلافات والاختلافات حول الدستور وفصوله تعكس بالطبع تيارات أيديولوجية متباينة وأحيانا متعارضة، لكن المهم اليوم أن نتوافق على منطلقات موحدة نحومجتمع عادل وسطي ودولة مدنية قوية تحترم الدستور وتطبق القانون وإذا ما توصلنا إلى هذا الاتفاق على القيم المشتركة المعروفة فإن الاختلافات سوف تنزل درجة إلى ما هو دون الثوابت المشتركة أي إلى مستوى القوانين المنظمة للحياة العامة والعلاقات بين المؤسسات والمواطنين، وهذا الصنف من الاختلاف أقل ضررا وخطرا من الخلافات حول منظومة القيم التي يؤسس عليها المجتمع التونسي في كنف دولة قوية عادلة. وأذكر الرأي العام الوطني أنني دون أن يكون لي منصب أوحزب كنت مهندس أول لقاء مباشر بين الصديقين المحترمين راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي منذ مارس 2011، فقد تدخلت بين الرجلين بالحسنى بعد سوء تفاهم لمعرفتي الخالصة بمعدن الرجلين وحسهما الوطني وسعدت باللقاء الذي جمع بينهما بعد ساعات من مسعاي، فكان اللقاء فرصة تاريخية لإثبات النية لخدمة الوطن وربما التشاور حول الخطوات السياسية التي مهدت للانتخابات وإنشاء المؤسسات الدستورية المؤقتة التي رغم بعض التحفظات فقد جنبت البلاد ما وقعت فيه بعض بلاد الربيع العربي من مزالق وهزات. أبرز ما يميز هذه المرحلة هوما نلاحظه من تخبط الأحزاب الكبرى وانشقاقاتها وحلول تنسيقيات شعبية تلقائية محلها في محاورة الحكومة. ففي النهضة اليوم حراك وفي المعجم السياسي لا يمكن الحديث عن ضعف أوعن قوة، بل الأصح تحليل ظاهرة النهضة بين مرحلة المعارضة والاضطهاد والملاحقة والتنكيل ومرحلة الحكم وقد كتب الله لي أن أعيش قريبا من حركة النهضة ومناضليها في المرحلتين دون أن أنضم لحزبها، حيث تقاسمت معهم بين باريس ولندن على مدى عقدين محنة الكفاح السياسي والتصدي للاستبداد وكانت أحلامنا مشتركة حينما كانت تجمعنا لقاءات نضالية في التسعينيات في بيت المرحوم محمد مزالي في شارع فرساي بباريس أنا والشيخ راشد وصالح كركر رحمه الله، مع كوكبة من رفاقهما وطيب الذكر أحمد بن صالح رحمه الله، ولكن ممارسة الحكم أمر مختلف لأن الحاكم -أي حاكم- مطالب بتحقيق المطالب والاستجابة للطموحات، وورثت النهضة وحليفاها في السلطة المؤقتة تركة من فوضى ما بعد الثورة وانحباس الاستثمارات وتعطل السياحة والتصدير، وأيضا جانبا من المعوقات الخارجية؛ كل هذا مضاف لنقص الكفاءة في تسيير شؤون الدولة وهذه العوامل تهرئ أي حزب يتولى مقاليد السلطة ولومؤقتا، ولكن المشهد السياسي القادم لم تتحدد معالمه بعد ويبقى رهين قدرة النخبة والجماهير على التعاطي مع ضمير الشعب بالاشتراك في إعداد مشروع حضاري، وليس سياسيا أو اقتصاديا فقط، فتونس مهددة بمخاطر الإرهاب ومسلسل ظاهرة الإرهاب المسلح سيستمر إذا ما اكتفت السلطة بالحل الأمني. فالحل الحقيقي والدائم لمشكلة الإرهاب هوتعديل ميزان المجتمع نحوالإقرار بالهوية وتحقيق الحداثة الأصيلة لا الحداثة الدخيلة فتونس بسبب التوجهات البورقيبية الشخصية وسياسات بن علي فقدت ارتباطها بجذورها أي بقيمها التاريخية الإسلامية، وفقدت التكلم بلغتها العربية واستوردت مثلا من أمم غربية مسيحية قوانين الأسرة لا من باب الاستلهام بل من باب التبعية وإرضاء الرعاة الغربيين لحكامنا، فحدث تطرف إنسلاخي فكري وقانوني إنجر عنه تطرف إنغراسي وتأصيلي، فأصبحنا شهودا على صراع تطرفين متضادين: ديني وعلماني وكلاهما انحراف وأعتقد أن مهمة الدولة القادمة طرح هذه المسائل الجوهرية على الرأي العام ومناقشتها بين علماء وخبراء حتى نعيد التوازن المفقود للمجتمع التونسي بمنوال تنمية يلغي التبعية وهوما قامت به الدول الأوروبية حين ظهرت في السبعينيات منظمات الألوية الحمراء وكتائب اليسار والمنظمات الانفصالية المعروفة، بينما اقتصرنا نحن خلال نصف قرن على تخوين ذوي المراجع الإسلامية واقتصر الأصوليون منهم على تكفير الأنظمة الحاكمة. وهذا هوالمشهد الراهن وما يجري هنا وهناك ما هي إلا أعراض مرض فكري وسياسي ما يزال ينخر الجسد التونسي.

كاتب تونسي

[email protected]

 

مساحة إعلانية