رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

2566

د. أحمد القديدي

مجلة الفكر: أسسها الاستقلال وقتلها الاستبداد !

11 ديسمبر 2020 , 01:00ص

المجلات الثقافية والأدبية فخر الأمم، وأحيي بهذه المناسبة قطر، على استمرار صدور مجلة (الدوحة)، والكويت على تواصل صدور مجلة (العربي)، فهي منارات تعلم منها ملايين شباب العرب ولكن أم هذه المجلات العربية بعد (الهلال المصرية) هي مجلة (الفكر) التونسية التي نحتفل اليوم بذكرى ميلادها الرابعة والستين وهي المجلة الرائدة التي أوقفها نظام الاستبداد و الجهلوت يوم انتصابه في تونس في نوفمبر 1987 كأنما شعر أن الفكر عموما يهدد الطغيان!

لم ينس بعض المثقفين التوانسة هذا الشهر مجلة مجاهدة في ذكرى بعثها عام (1956) وهي مجلة (الفكر) التي أسسها و أدارها الوزير المثقف محمد مزالي -رحمة الله عليه- على مدى ثلاثين عاما ونفس هذه الذكرى هي أيضا -و يا لبؤس الثقافة- ذكرى موت المجلة سنة 1987 حين وصل زين العابدين الى السلطة فتوقف إصدارها وإلى الأبد. وكنت أنا صحبة الصديق محمد مزالي في منفانا الباريسي بإرادة الحكام الجدد الذين أبعدونا و قتلوا المجلة، شعرنا في منفانا آنذاك أن صفحة نيرة من الفكر التونسي والعربي طويت بأيدي الذين أعطوا بعد نفينا للثقافة معاني أخرى اقتصرت على الرقص والغناء ودق الطبول وهز البطون حتى سمعنا عن الدكتورة فلانة في فنون الرقص والدكتور فلان في النوتة الموسيقية، وقلنا في منفانا أن زمننا نحن انقضى ومضى، ورحم الله امرؤاً عرف قدر نفسه وانسحب (أو سحبوه) خارج الوطن و خارج ثقافته الجديدة المبشر بها في عهد التحول.

كانت مجلة (الفكر) منارة بشهادة عدد كبير من الباحثين احتضنت إنتاج الكتاب التوانسة والمغاربيين والعرب، وقامت بأداء رسالة تاريخية وهي تعريف المغاربيين بقضية فلسطين وبالكتاب المشارقة وتعريف أشقائنا المشارقة بالفكر المغاربي وبقضية تحرير الجزائر، ولم تكن الجزائر استقلت بعد، بل دشن المجاهدون فيها عهد المقاومة المسلحة المباركة، كما أن تونس والمغرب لم يستكملا بعد مقومات استقلالهما، فكانت (الفكر) رسالة شهرية جريئة في الوطنية والكفاح إلى جانب دفاعها المستميت عن اللغة العربية وأصالة شعوبنا وأداة التعريف بأمجادنا والتبشير بتحررنا الكامل ثقافيا وحضاريا رغم تصادمها مع توجهات التغريبة البورقيبية السائدة رسميا. ثم إن (الفكر) لم تتردد في نشر النصوص الأدبية الأكثر طلائعية وإبداعا رغم تصادمها مع التوجهات التقليدية السائدة أدبيا، فكسرت (الفكر) بعض أصنام القديم الموروث المتداول لتساند نصوص كتاب مجددين ثبت مع الزمن أنهم يعبرون بصدق عن روح العصر وضمير أمتهم أمثال البشير خريف، وعز الدين المدني، والحبيب الزناد، و فضيلة الشابي، والطاهر الهمامي، و فريد غازي، وغيرهم كثيرين ممن لا أستطيع ذكرهم و تعدادهم. و هؤلاء هم آباء الطليعة الأدبية الراهنة التي ما تزال تبدع و لا بد من القول أننا عندما فتحنا عيوننا نحن جيل ما بعد الاستقلال أدركنا بأن خطر الذوبان في الثقافة الغربية الطاغية يهدد كيان لغتنا وحضارتنا، فوعينا بهذا الخطر المحدق منذ فجر الاستقلال فأسسنا تيارا تأصيليا ينادي بالتعريب، ويرفض التغريب داخل الحزب الدستوري، إذ لم يكن متاحا تأسيس أحزاب أخرى، وكان زعيم هذا التيار هو المناضل الوطني محمد مزالي -رحمة الله عليه- وقد اجتمعنا حوله في مجلة الفكر التي ظلت تصدر لواحد وثلاثين عاما من 1956 إلى 1987، اغتنمنا شخصية محمد مزالي وهو المولود في مدينة المنستير مسقط رأس بورقيبة و تاريخه حافل بالإنجازات وخدمة الدولة في عهد بورقيبة بوزارة التربية ثم الدفاع الوطني ثم الصحة، فبادرنا على مدى خمسة أعوام إلى ما سميناه تعريب التعليم، حيث أعلينا من شأن اللغة العربية، وأثرينا برامج التعليم في كل المراحل بعباقرة الإسلام في العلوم والآداب والفنون والفلسفة والسياسة، بينما لم يتعلم جيلنا نحن سوى جون جاك روسو و فولتير وفيكتور هيغو، إمعانا في تغريبنا و تقليص معرفتنا لتاريخنا، وبالتالي نشأ جيلنا وهو جاهل تقريبا بكل ما ومن صنع هويته، وأسس حضارته، فقد غادر الاستعمار أرضنا و ظل مستعبدا أرواحنا ووجداننا. و شاء الله أن يعين محمد مزالي رئيسا للحكومة سنة 1980 فبدأت السيوف الاستعمارية الجديدة تشحذ لذبحنا بإعانة أعوان الاستعمار الثقافي والاقتصادي في الداخل، فنالنا ما نال كل صاحب مشروع تحريري من الاضطهاد والملاحقات والمنافي والسجون، غفر الله لمن شردنا وأجهض رسالة التغيير والتأصيل.

وفي الحقيقة حين نقرأ الواقع الراهن في بلادي نعتقد اعتقاد المؤمنين بأن هذه الرسالة لم تجهض، حيث عادت مشكلة الحضارة تطفو على سطح الخطاب السياسي. وهذه اللحظة التاريخية من حياة الشعوب وصفها محمد عابد الجابري بأنها فرصة التقاء الماضي بالمستقبل حين نوظف تراكم التجارب القومية لصناعة المستقبل على ضوئها لا بمعزل عنها ولا ضدها وهو الخيار الأخطر. ليس من الأمانة العلمية أن نعلن انفرادنا نحن العرب باستعادة الوعي بقضية الحضارة وملف الهوية، فالعالم من حولنا شرقا وغربا أصبح طارحا لهذه المعضلات الإنسانية مع اختلاف المنطلقات وتباين الأهداف. فالغرب المنتصر عسكريا وسياسيا تقوده الولايات المتحدة الأمريكية طرح قضية الحضارة من زاوية حماية مصالحه الإستراتيجية والاقتصادية وضمان مناطق نفوذه السياسي وتوسيع تأثيره الثقافي أي الحضاري في النهاية، وذلك بالترويج لنظرية تفوق الحضارة الغربية الليبيرالية العلمانية على ما سواها و دعوة الأمم الأخرى للاستسلام الحضاري والتسليم بأن حضارة الغرب هي الأعلى.

كاتب تونسي

  [email protected]

مساحة إعلانية