رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

جابر محمد المري

مساحة إعلانية

مقالات

1983

جابر محمد المري

فتن وهوان وذل يتكرر.. فهل من مدكر؟!

22 ديسمبر 2020 , 01:00ص

على مر التاريخ مرّت أمتنا بالكثير من العواصف والمحن، وتتكرر مشاهد مآسي تفرقها وتشتتها؛ بتكالب أعدائها عليها وانسياقها خلفهم؛ وتبعيتها لمن يمتهن في إهانتها وذلها غلاً وكراهية لمن كان لتاريخهم من أمجاد وعزة، سادت على الأمم وقهرت كفارها وعبدة صلبانها، ونشرت العدل والأمان والسلام في كافة الأراضي الشاسعة التي فتحوها بنور الإسلام وسماحته.

من أبرز صفحات التاريخ الإسلامي التي شهدت فرقة وتشتت المسلمين تلك التي حدثت في عهد دولة الأندلس، عندما كان يحكمها ملوك الطوائف الذين مهدوا لزوال ملكهم وطي صفحات فتوحات ظلت لقرون، ونشرت حضارة وعلماً ما زال أثره باقيا حتى وقتنا الحاضر، من ضمن من كانوا شاهدين على اضمحلال مجد الأندلس العالم الفقيه الأندلسي أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي القرطبي، أكبر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً بعد الطبري، متكلم وأديب وشاعر ونسّابة، وعالم برجال الحديث، وناقد محلل، ووصفه البعض بالفيلسوف، كما كان من أوائل من قال بكروية الأرض، وكان وزيرا سياسيا لبني أمية، سلك طريق نبذ التقليد وتحرير الأتباع، وشهد له شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "مجموع الفتاوى" بأن "له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر، ويوجد في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره"، كما نعته الذهبي بأوصاف عديدة من بينها أنه "الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف، الفقيه، الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير، كان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن، وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والمِلل والنّحل ن والعربية والآداب والمنطق والشعر".

يستهزئ ابن حزم بأمراء الطوائف المتصارعين على شرعية وهمية، فيتحدث – حسب الذهبي في "السِّير" - عن فضيحة وجود أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام يسمون "أمير المؤمنين" في وقت واحد، فهذه أخلوقة لم يُسمع بمثلها! ثم يعلن لنا يأسه القاطع من صلاح هؤلاء الانتهازيين المتغلبين على أمور المسلمين فيقول: "والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حُرُم المسلمين وأبنائهم ورجالهم يحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعا فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفاً من سيوفه.

وفي إحدى رسائله يخاطب ابن حزم مستمعيه قائلاً: "فلا تغالطوا أنفسكم ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم الناصرون لهم على فسقهم"، ثم يحرضهم على مقاطعة الفريقين ومقاومتهم، مشدداً على أن المخلص لهم من هذه الفتنة الإمساك للألسنة جملة واحدة إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذم جميعهم، ويقول: "فمن عجز منا عن ذلك رجوت أن تكون التقية تسعة، وما أدري كيف هذا؟ فلو اجتمع كل من ينكر هذا بقلبه لما غلبوا عن اصلاح الأحوال"، ويعزو ابن حزم سبب انكفائه على العلم ومجابهة السياسة بقوله عن انحلال الدولة الأموية: فهذا أمر امتحنا به نسأل الله السلامة، وهي فتنة سوء أهلكت الأديان – إلا من وقى الله تعالى – من وجوه كثيرة يطول لها الخطاب، وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة أو حصن - في شيء من أندلسنا- محارِبٌ لله ورسوله وساعٍ في الأرض بفساد، للذي ترونه عيانًا من شنهم الغارات على أموال المسلمين، ضاربين للمكوس والجزية على رقاب المسلمين، مسلطين لليهود على قوارع طرق المسلمين في أخذ الجزية والضريبة من أهل الإسلام!.

وكأن ابن حزم في وصفه لملوك الطوائف يصف أحوال المسلمين في عصرنا الحالي البئيس، وبالأخص عندما نرى تهافت بعض دولنا العربية والإسلامية على التطبيع المجاني مع كيان اغتصب أراضينا ومقدساتنا، وما زالت مشاريعه التوسعيه "قائمة وتتمدد"، بفضل خيانة وخنوع بعض العرب والمسلمين وموالاتهم للغرب الداعم للكيان الصهيوني.

[email protected]

مساحة إعلانية