رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

جعفر عباس

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

1352

جعفر عباس

الصديق ليس حبة بطيخ

29 ديسمبر 2020 , 01:00ص

يقال إن شخصاً يدمن المخدرات كان بصدد مغادرة البيت فدعت أمه بصوت مرتفع: الله يبعد عنك أولاد وبنات الحرام، فما كان من صاحبنا، إلا أن صرف النظر عن المغادرة، ولما سألته أمه لماذا عدل عن الخروج، قال لها: طالما أنت لا تريدين لي مقابلة أصحابي، فلا جدوى من الخروج. هذه الطرفة تفيد بأن المسطول هذا على الأقل يدرك أنه يخالط رفاق السوء، وبالتالي يعترف بأنه هو أيضا سيء.

واتخذتُ من حكاية مدمن المخدرات هذا مدخلا لأخوض مجدداً في أمر اعتقد أنه مهم، ألا وهو اختيار واصطفاء الأصدقاء، فالأقارب مفروضون عليك، وليس لك حق اختيار أبناء العمومة والخؤولة، ولكنك تختار أصدقاءك وزوجتك ومن ثم أنسباءك وأصهارك، وجميعنا نكون أطفالاً، ثم نمر بمراحل الصبا والشباب ثم الكهولة، ويفترض أن الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى يكون مصحوباً باكتساب خبرات جديدة، وقياساً على ذلك يفترض أنني شخص "حكيم"، ولكن كثيراً ما أجد نفسي أتخذ قرارات غبية وأقوم بأفعال نتائجها وخيمة، وذلك يجعلني أتشكك في الكثير من المفاهيم التي نشأت عليها، فأبناء وبنات جيلي نشؤوا على الاحترام المطلق لكل من يكبرهم سناً باعتبار أنهم عقلاء، لا نفرق بين غريب وقريب، فاحترام كبار السن كان واجبا حتى لو لم نكن نعرفهم، وقبول توجيهاتهم واجب، وحتى لو ضَربَنا غريب يكبرنا سناً، لأنه رأى أنّا على خطأ، فإننا لم نكن نصيح في وجهه بأنّ أمرَنا "لا يخصه".

ولكنني أستطيع أن أزعم أن تجارب الحياة علمتني شيئاً مهماً، وهو أن لدي العديد من المعارف عملاً بقول الشاعر: وما أكثر الإخوان حين تعدّهم/ ولكنهم في النائبات قليل!

نعم فطالما أمورك ماشية وأحوالك طيبة وأنت قادر على مساعدة الآخرين، فإنك تجد نفسك محاصراً بعدد كبير من الإخوان/ الأصدقاء، ثم تعطيك الدنيا ظهرها فتكتشف أنهم (فص ملح وداب). قلة منهم تتسم بالأصالة تبقى حولك تشد من أزرك، مما يؤكد أنهم لم يصاحبوك ويصادقوك لـ "مصلحة"، وربما كان الأمر كذلك في بداية الأمر، ولكنك دخلت قلوبهم وحللت فيها أهلا ونزلت سهلا. ومثل الكثيرين قد تكون أيها القارئ قد مررت بتجربة الصديق الذي يستدين منك مبلغاً تافهاً ثم "يقاطعك" تهرباً من سداد الدين، مع أنك ربما كنت ستستحي وترفض قيامه بالسداد، وهناك الصديق الذي لا ترى وجهه أبداً بعد أن تبدي أسفك لعدم قدرتك على تسليفه مبلغاً معيناً.

عندما دخلت الحياة العملية لم أكن ولم يكن من هم حولي مهووسين بالادخار، وحتى عندما أتيت إلى منطقة الخليج في ثمانينات القرن الماضي، لم يكن الناس في حالة هلع بسبب المال. لم نكن نتبادل الهدايا الباذخة، ولكننا كنا نقدم لبعضنا البعض كل أشكال العون لوجه الله، ثم انقلبت الموازين؛ والله أعرف شخصاً طلب من صديق له في حضوري مبلغاً كبيراً زاعماً أنه في ضائقة مالية، ولسوء حظه كنت قد سمعته قبل أيام يتحدث عن أن لديه كذا ألف دولار وأنه بحاجة إلى بضع آلاف من الدولارات ليشترك في محفظة بنكية لخمس سنوات بفوائد ضخمة "مضمونة"، ولسوء حظه فإن أبا الجعافر لا يحاور ولا يداور في مثل هذه المواقف، فقد كنت أعرف أن هذا النذل يدرك أن صاحبه ذاك شهم ومعروف عنه الجود بالموجود، وبدون تردد قلت له: يعني أنت تريد تشغيل نقود صاحبك لتربح من المحفظة البنكية ثم تسدد له المبلغ "على راحتك"، وحاول الرد علي بادئاً بكلمة "والله"، ولكنني قاطعته: لديك كذا ألف دولار وهي ما لا يحلم به من طلبت منه الدين، وتريد أن تستولي على القليل الذي عنده. أنت رقيع وصفيق. وصعق صديقه لـ "وقاحتي" فسردت عليه تفاصيل ما سمعته من طالب السلفة عن استكمال المبلغ المحدد للمحفظة البنكية، وأقنعته بأن خسارة مثل هذا الصديق "مكسب".

الصديق ليس بطيخة و"أنت وحظك"، بل ينبغي فحص الناس جيدا قبل ترفيعهم لمرتبة صديق.

[email protected]

 

مساحة إعلانية