رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

جعفر عباس

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

1841

جعفر عباس

بشر قلوبهم من حجر

19 يناير 2021 , 01:00ص

رزق صديق لي بثلاث بنات "ورا بعض"، الواحدة تلو الأخرى، فأحزنه ذلك كثيراً، لأنه - اسم الله عليه - يريد أولادا يحملون اسم "العيلة"، مع أنه من المشمولين بقول الشاعر طويل اللسان جرير بن عطية في هجائه للفرزدق: فغضّ الطرف إنك من نُمير / فلا كعبا بلغت ولا كلابا (كلابا هنا نسبة لقبيلة وليس للكلاب التي تنبح)، وفي الحمل الرابع أبلغوه بأن زوجته رزقت بنتاً، فقال إن زوجته "نحس وما فيها خير"، ثم جاء الطفل الخامس، وكان.... بالضبط، بنتاً سوداء كالأبنوس، فاعتزل صاحبي الناس كي لا "يهنئه" أحد بالمولودة، وجلس يردد: اللهم لا اعتراض على حكمك، وكان يقولها كمن أصابته مصيبة، وأخال أنه كان يقول في سره: شدة وتزول، ولهذا واصل التناسل حتى رزقه الله بسبع بنات، مما تسبب في إصابته بالبكم والخرس والصمم والانفصام والانطواء أي اعتزال الناس.

ولم أره مبتسماً إلا بعد أن جاء المولودان الثامن والتاسع، ولدان، فانفشخت أساريره وصار يمشي في الأرض مرحاً متبخترا، ولسان حاله يقول: صبرت ونلت! أي أنه أحس بأنه صبر على سبع بنات (وكان يعتبر ذاك محنة وابتلاء) ثم أكرمه الله بولدين، ودارت الأيام وكبر العيال، فإذا بي أسمعه ذات يوم يقول: مش عارف كنت أعمل أيه بدون البنات هؤلاء. صرن بنات ناجحات وعلى قدر كبير من المسؤولية، نجحن في الدراسة وصرن ربات بيوت ماهرات، بل ان تلك الأبنوسية احتلت الترتيب الخامس بين بناته والتي جعلته يعتزل الناس صارت سائقه الخصوصي، توصله من مكان إلى آخر وتساعده في تصريف شؤون بيته، وكان له نشاط تجاري محدود، ولكن تلك البنت شقلبت أوضاعه ووسعت تجارته فازدادت موارده المالية، واستطاع ان يكفل العيش الكريم لأسرة تتألف من أحد عشر فردا.

تذكرت صديقي وبناته وأنا أقرأ للمرة ال345 بعد المائة حكاية ذلك الوحش العربي الذي يفترض أنه مسلم، والذي رزقه الله بسبع بنات، ورأى في ذلك مصيبة وفضيحة، فذبح خمساً منهن وهن نائمات ونجت اثنتان من الموت بأعجوبة، وبرر جريمته بأنه أراد الانتقام من زوجته لأنها لا تنجب سوى البنات. والغريب في الأمر أن هذا الرجل الذي – إذا وصفته بالحيوان كان من حق الحيوانات أن تحتج على الإساءة، دافع عن حقه في الحياة أمام المحكمة مدعياً أنه يعاني نوبات جنون، وأنه بالتالي لا يستحق الحكم بالإعدام، ولكن جيرانه شهدوا بأنه كان دائماً في كامل قواه العقلية، بل أثبت الأطباء النفسانيون أنه مدرك لما فعله عامداً ويعي عاقبة الأمر، و"أجمل" ما في الحكاية هو أنه تم إعدامه شنقا حتى الموت.

ولكن المؤسف أن إنساناً يقتل خمسة أرواح يعدم مرة واحدة فقط. (صدر قبل عامين حكم من قاض سوداني مثل أمامه متهم بجرائم عديدة والقتل العمد، بسجنه عشر سنوات ثم تنفيذ حكم الإعدام فيه بعد انقضاء فترة السجن، وقرأت عن الجريمة والعقوبة وهتفت للقاضي: ينصر دينك).

مررت في مسيرة حياتي بالكثير من الرجال الذين يعتبر وصفهم بالبهائم انتقاصاً من قدر البهائم: طلقت المَرَة لأنها جابت بنتين! لا ينفع مع شخص كهذا أن تقول له إن الله يعطي ويأخذ، ولا إن العلم يقول إن ماء الرجل هو الذي يحدد جنس المولود، أو إن تلك الزوجة وغيرها من الزوجات لسن مسؤولات عن تحديد جنس الجنين، أو أنه ليس هناك ما يضمن له أن الزوجة/ الزوجات الجديدات لن ينجبن طابوراً من البنات! طبعاً لا تحاول أن تسأله السؤال البسيط: مالهن البنات؟ ولكن إذا وجهت السؤال إليَّ فإنني أقول إن الله أكرمني ببنتين، وولدين، وجميعهم مصدر سعادتي، وهمي الوحيد في الحياة هو أن أسعدهم، ولكنني أعلنها على رؤوس الأشهاد: أنا منحاز للبنتين وكرست وما زلت أكرس لهما معظم وقتي، إن كان لجهة الإرشاد أو المساعدة الأكاديمية أو لجهة الأنس والفرفشة. فلأنني أعرف أنهما ستواجهان مجتمعاً ظالماً فيه الكثيرون الذين يعتبرون المرأة "مشروع كارثة"، فقد عاهدت نفسي على أن أسلحهما كي تكونا مشروع آدميتين صالحتين وناجحتين وفالحتين وقويتي الشخصية، ولو تعرضت إحداهما لشكة دبوس، ينزف قلبي دما، ومن ثم فإنني اعتبر من يقتل أحد عياله لأي سبب من الطبقة الدنيا في عالم الحشرات أي الصراصير.

[email protected]

مساحة إعلانية