رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

1830

د. أحمد القديدي

القبائل الأمريكية المتحدة

29 يناير 2021 , 01:00ص

أيقظ اكتساح الكابيتول يوم 6 يناير 2021 أشباحا نائمة نومة أهل الكهف: أشباح الأعراق العديدة والمتباينة التي تتشكل منها (الأمة الأمريكية) حين عنونت (الواشنطن بوست) أحد تحليلاتها بـ (من الولايات إلى القبائل) FROM .STATES TO TRIBES

هذه العبارة ليست من عندي ولا من عند الواشنطن بوست بل قرأتها في بداية التسعينات في مقال لعالم الألسنيات والحضارة الأمريكي الشهير (ناحوم شومسكي) مترجما للفرنسية في مجلة (لكسبريس) الباريسية التي أسسها في الستينات أحد أشهر المفكرين الفرنسيين (جون جاك سرفان شرايبر) صاحب الكتاب الأكثر مبيعا آنذاك بعنوان (التحدي الأمريكي (LE DEFI AMERICAIN)، وأتذكر أن هذين العالمين بالشؤون الأمريكية وهما أستاذاي في الفكر الحضاري كانا متفقين على أن الولايات المتحدة بالرغم من هيمنتها السياسية والثقافية والعسكرية والاستراتيجية على القارات الخمس، فإنها تبقى جديرة بأن تسمى (القبائل الأمريكية المتحدة)، وبصراحة أعجبت آنذاك بالمصطلح، لأني كنت أعتقد أن العقلية القبلية هي حصريا حية لدينا نحن العرب ولدى الأفارقة، لأن القارة الأمريكية منذ تأسيس الدولة الموحدة في القرن الثامن عشر الى اليوم هي مثال الدولة الفيدرالية الناجحة ذات الراية الواحدة الجامعة التي توفقت أمتها إلى صهر كل الأعراق والأديان صلبها بفضل ما كنا نسميه (MELTING POT) أي الطنجرة العملاقة التي توضع فيها الخضار المختلفة وتستوي بخلطتها جميعا الشربة الأمريكية الزكية حينما تحرك بالمغرف الخشبي الكبير! فإذا بالخبيرين الأمريكي شومسكي والفرنسي سرفان شرايبر يوقظان الضمائر المحبة للثقافة الأمريكية مثلي أنا إلى حقيقة أن القبيلة حية لم تنصهر في الطنجرة وأن التقاليد المؤسسة للأعراق المختلفة تظل حية كالنار تحت الرماد، فإنك إلى عهد الألفلين وواحد تجد قبيلة المايا لدى اللاتينوس وقبيلة الماو ماو لدى الأفارقة وقبيلة البيض البروتستانت لدى البيض وقبيلة الأباتشي لدى من يسمونهم هناك الهنود الحمر، وهم طبعا لا هنود و لا حمر!.

العجيب أيضا أن أكبر عالم أمريكي في استشراف المستقبل (المستقبليات) (ألفين توفلر) الذي تنبأ منذ كتابه الأول في الخمسينات بانفجار الاتحاد السوفييتي الى دول مستقلة هو ذاته الذي تنبأ في آخر كتبه (الجيل الثالث THIRD GENERATION) في أواسط التسعينات بأن الولايات المتحدة سوف تفقد اتحادها السياسي مع يقظة الأعراق على أجراس الحركات العنصرية والانفصالية، وها نحن إذن اليوم في يناير 2021 نجد تجسيدا حيا لنظريات شومسكي وشرايبر وتوفلر، وهو ما سيحاكم عنه رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في الكونغرس، لأنه أيقظ تنين القبلية من نومه وأعطى الأوامر لقبيلته السياسية اليمينية المتعصبة بأن تقوم بغزوة تستهدف الكونغرس وتعطل عملية إعلان المشرعين لفوز بايدن!.

آخر كتاب صدر في الولايات المتحدة حول نفس الموضوع للمفكر الأمريكي (دانيال غانسان) بعنوان (القوة العالمية بدون أخلاق) على إثر صدور كتاب الأكاديمي الكندي (دونيس أركند) بعنوان (انهيار الإمبراطورية الأمريكية) كأنهما يزكيان ما جاء في كتاب شهير صدر عام 1970 للكاتب الفرنسي (كلود جوليان) بعنوان (الإمبراطورية الأمريكية) وهو يقدم البراهين على أن نظرية العلامة العربي عبدالرحمن بن خلدون القائلة بأن الدول كالبشر تنشأ وتقوى وتترعرع ثم تهرم وتشيخ إلى أن تموت!.

يقول الصحفي الأمريكي اللامع (كولن وودارد) عن هذه الفنتازيا السياسية: "لا توجد أمريكا الثقافة الواحدة وإنما أمريكا متعددة المراجع الثقافية، لأنها لم تنشأ أصلا كمؤسسة واحدة بل مجموعات منفصلة كليا عن بعضها البعض كونت عناقيد من مستعمرات منفصلة لها مثل عليا وأهداف مختلفة وأحفاد مؤسسون لهذه الأقاليم على امتداد أجيالهم لا يستوعبون ثقافة أمريكية محددة واحدة بقدر ما يستوعبون ثقافة هذه الأقاليم، وهي التي تقود روح شعبها والسمات العامة المستمرة لهذه الأمم والمميزة لها إلى اليوم!".

إن هذه الحقائق الأنتروبولوجية (الإثنية) هي التي تنام عقودا ثم تطفو على السطح من خلال أحداث صادمة مثل اقتحام حرم الكونغرس يوم 6 يناير أو انتفاضة السود بعد مقتل أحد مواطنيهم (بويلد) تحت ركبة شرطي أبيض، وفي السبعينات وقع انقطاع الكهرباء عن كل مدينة نيويورك فانطلقت أعمال سرقة ونهب واغتصاب كانت كلها مخفية بالنور وانكشفت عورة القبيلة حينما اختفى النور!.

كاتب تونسي

[email protected]

مساحة إعلانية