رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ولنقف ونتأمل هذه الآية أيضاً من قوله تعالى " ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) سورة الإنفطار إنها آية خطاب لكل المنكرين والجاحدين والمتشككين والملحدين والماديين الذين يعترفون ويقرون بقدرة الإنسن على الاختراع والوصول إلى مجال عالم الذكاء الاصطناعي وعالم الروبوتات وهذه الثورة العلمية، وينكرون ويتناسون أصل مخترع هذه الروبوتات البشرية التي هي نحن الإنسانية وبني البشر ولكل ما نراه اليوم ونسمعه ونشاهده، فما غرنا بربنا الكريم الذي خلقنا فسوانا فعدلنا في أي صورة ما شاء ركبنا. عبر هذا التركيب المتقن في الأجساد والصور.. في المدارك والأفكار في آفاق السمع والبصر وفي آفاق النفس والفؤاد، وهو أيضاً سبحانه وتعالى يوضح لنا هذه الحقيقة بقوله سبحانه وتعالى في آية أخرى ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى ) الآيات 44، 45 سورة النجم.. وأكدها بحقيقة كبرى وأشار بها مخاطباً إيانا بقوله " ( أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون... ) الآية 58 سورة الواقعة.. إشارة الى ما نعرفه وتعرفه الإنسانية جميعاً منذ أن وجدت الخليقة إلى طبيعة هذا المصدر.
وعبر هذه الحقيقة بدأت الإنسانية بالانتشار والتوالد والتكاثر وهو ما أكدته الآية الكريمة من قوله سبحانه وتعالى " ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ " الآية 20 من سورة الروم. وهذه الآية العظيمة تؤكد أننا فعلاً روبوتات بشرية أبدعها الخالق سبحانه وتعالى وتشير إليها كلمة " إذا أنتم بشر تنتشرون " والانتشار هنا دلالة على كينونتنا البشرية في أصلها البشري الذي تغلب عليه صفة التكاثر والتوالد والتي أدت إلى قيام الحضارات الإنسانية والمجتمعات البشرية منذ ملايين السنين ومنذ الخليقة الأولى وهذا المد البشري بتكاثره وتوالده يتواصل في عمارة الأرض... وبناء الحضارات.. وتسخير ما فيها لخدمة الإنسان وهو أيضاً ما أكدته الآية الكريمة الأخرى من قوله سبحانه وتعالى " وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ " الآية 22 سورة الروم.
تأكيد على أننا نحن الإنسانية في أصلها واحد ولكنها في خلق الله وصناعته تخضع لمقومات الزمان والمكان والبيئة والأعراف، فهي أجناس بشرية مختلفة في الألوان والأشكال.. الأبيض منها والأسود، والأصفر منها والأحمر، وفي البيئة والأجواء المختلفة الحارة منها والباردة والشديدة الحرارة والبرودة، وعبر القارات الخمس وفي الألسن واللغات على امتداد المسيرة الإنسانية وبكل لغاتها ولهجاتها نحو آفاق الفصاحة والبلاغة والبيان والعلوم في مؤلفاتها وكتبها والتي مرت على الإنسانية عبر القرون والحضارات وإلى ما لانهاية.
وللمقال بقية الأسبوع المقبل.
آخر الكلمات:
في زيارتي الأخيرة لمركزنا الصحي التابع لمنطقتنا السكنية في موعد طبي تم ترتيبه مسبقاً لأخذ الجرعة الأولى من لقاح ( كوفيد – 19 ) ضد فيروس كورونا.. وقد تفاجأت بالأعداد الكبيرة والكثيرة من الرجال والنساء من المواطنين والمقيمين والذين ينتظرون دورهم في أخذ لقاح ( فايزر- بيونتك ) وفي الحقيقة كنت أعتقد ولم أتصور أن تكون كل هذه الجموع جاءت لتلقي جرعة اللقاح، بالرغم من الكثير من الشائعات والمخاوف التي كانت تثيرها وتنشرها وسائل التواصل الاجتماعي من هنا وهناك عن جدوى هذا اللقاح من الشكوك والمخاوف.. وكلام عن المؤامرة.. ومستقبل الاقتصاد العالمي الجديد و و وغيرها وغيرها.. لكن الجهود التي بذلتها وزارة الصحة العامة بدولتنا العزيزة منذ إعلانها حملة تطعيم وطنية ضد فيروس كورونا كوفيد - 19 في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي قد أتت كلها في وصول المواطنين والمقيمين إلى هذه المرحلة من النضج الصحي والتوعية الصحية بخصوص أخذ اللقاح ضد هذا الفيروس القاتل الذي اتعبنا قلقاً وألماً وموتاً لكثير من أحبائنا الذين فقدناهم بسببه، وأملاً في أن يتوصل العالم إلى لقاح شافٍ، يكون سبيلاً للقضاء على هذا الفيروس وتخفيف آثاره على الأفراد والجماعات..
وها هو اللقاح قد خرج من المختبرات الطبية والعلمية ودور البحث العلمي بفضل جهود الباحثين والعلماء في كافة دول العالم المتقدمة والذين بذلوا أنفسهم وعلمهم في التوصل إلى هذه اللقاحات ضد هذا الفيروس الذي دمر كل قطاعات الحياة الإنسانية المدنية، نفسياً.. واجتماعياً.. واقتصادياً.. وصحياً وأرهقنا بأزماته.. وآلامه.. وهواجسه.. لقد كانت بشائر وصول تطعيمات اللقاح إلى دولتنا وهو ما أكده الشيخ الدكتور محمد بن حمد آل ثاني مدير الصحة العامة بوزارة الصحة العامة بقوله على حساب موقع الوزارة بتويتر " الحمد لله التطعيمات بدأت إلى قطر بكميات أكبر، وسيكون هناك تطعيم موسع للجميع... " وهو أيضاً ما أوضحته الدكتورة / سهى البيات مدير قسم التطعيمات بوزارة الصحة العامة بقولها " إن هناك تجاوبا عاليا، ونتلقى اتصالات من الناس لطلب التطعيم، وأضافت أننا نطمئن الناس أنه إلى الآن لا توجد أي شكوى من مضاعفات خطيرة أو شديدة حدثت لأي أحد من الذين تلقوا اللقاح، ولكنها شددت في الوقت نفسه على أن اللقاح لا يعني القضاء على الوباء في نفس الوقت وأنه مراحل وأنه لا بد أن يتم تطعيم 75 % من الناس على الأقل في قطر وأيضاً عالمياً ولكي نصل إلى هذه النسب نتوقع انه سيكون في صيف عام 2021 ومن خلال هذه المرحلة يجب على الجميع مواصلة الالتزام بجميع الخطوات الاحترازية مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمام وعدم المصافحة واستخدام المعقمات، واضافت انه يوماً بعد يوم سوف تتوافر لدينا معلومات علمية أكثر فتتضح الرؤية أكثر.
وأريد أن أوضح هنا أنه خصوصاً بعد توارد الأنباء مؤخراً عن ظهور سلالة جديدة من فيروس كوفيد – 19 والتي أطلق عليها رئيس الوزراء البريطاني بالسلالة الجديدة المتحورة من فيروس كورونا والتي ظهرت في المملكة المتحدة مؤخراً وقد تكون أكثر فتكاً وهو ما دعا عدد من الدول الى فرض حظر السفر ووضع سياسة مشتركة للتعامل مع الموقف الحالي وذلك بعد اكتشاف هذه السلالة الجديدة من فيروس كورونا في استراليا وإيطاليا وهولندا وجنوب افريقيا والبرازيل بالإضافة الى الدنمارك.. وانه وفق ما أفادت به منظمة الصحة العالمية فإن النسخة البريطانية المتحورة من فيروس كورونا رصدت في 60 دولة ومنطقة على الأقل حتى الآن وهو ما دعا البروفيسور (( غوبتا )) الباحث العلمي لدى شركة الأدوية غلاسكو سميث كلاين بقوله إنه في هذه المرحلة يفترض أن تكون جميع اللقاحات فعالة، ولكن ما يقلقنا هو احتمال حدوث طفرات مستقبلية.. داعياً إلى التلقيح بأسرع وقت ممكن في كل مكان في العالم..
إن هذه البشائر التي نسمعها ونراها وهذه الأعداد الكبيرة من المواطنين والمقيمين الذين يبادرون يومياً لأخذ جرعات اللقاح تدل على نجاح الجهود التي بذلت والمتمثلة في قيادتنا الحكيمة، والجهود المباركة التي بذلتها وزارة الصحة العامة وكذلك لجنة إدارة الأزمات والتي بذلت جهودها الجبارة في مكافحة هذا الفيروس من بداية ظهوره وحتى وصول اللقاح.. إن المطلوب منا جميعاً الان وخلال هذه المرحلة الحالية أن نتعامل مع هذا الفيروس بمنطق السبب والأسباب.. وأن نتخذ الخطوات الصحيحة في التعامل معه بالحيطة والحذر ووفق التوجيهات والإرشادات الصحية والطبية التي تقدمها الينا وزارة الصحة العامة ولجنة إدارة الأزمات، وعلينا أن نضع الصحة على سلم أولويتنا ضماناً لوصولنا لمجتمع صحي نفخر به جميعاً على تراب هذا الوطن العزيز.. فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.. وسلامتكم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من فيتنام وأمريكا تنقض غزلها، بعد حرب أمريكا على العراق اتضح أن أمريكا ناقضة الغزل، فقد بنت غزلها منذ الحرب العالمية الثانية، فنسجت منظمات الأمم المتحدة وقوانينها الليبرالية، من حقوق الإنسان والديمقراطية وحق التعبير وحق الرأي، وعدم شرعية التعذيب والوصاية على الحقوق المدنية، ومحاربة العنصرية وتجريم جرائم الحرب ووضع التشريعات لمعاقبة الإبادة الجماعية وإنشاء المحاكم الدولية والأممية، وبدا أن أمريكا تهيمن من خلال أعلى المبادئ الإنسانية وثمرة التجربة الإنسانية، فرضخ العالم لهذا القادم الجديد وذي الروح الإنسانية والسلوك الراقي، والعلم الوفير والإدارة الحكيمة والتقدم العلمي والتقني، وقدم للإنسانية المعارف والتقنيات من أجهزة التكييف إلى السيارات والطائرات والفاكس والإنترنت والشبكات الاجتماعية وكذلك الممارسات الحديثة، والمؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، لكن في حربه على العراق بدون مبرر إلا من مطامع النفوذ والهيمنة الامبراطورية، نقضت أمريكا الغزل فكذبت على الأمم المتحدة من أجل الحصول على إذن لمهاجمة العراق، فلما تم الرفض، نقضت العهود وعزمت على مخالفة أمر الأمم المتحدة والقانون الدولي فكان بداية النقض لما تم نسجه، نقضت العهود أمام العالم ففقدت المصداقية وتتالت تجاوزاتها من قتل للمدنيين والتعذيب في أبو غريب وغوانتانامو بيي وبقرام، واستمرت سلوكيات النقض، حتى جاءت حرب أوكرانيا وتدابيرها في استفزاز روسيا من أجل إدخال الناتو في حرب معها لضمان استمرار أوروبا حليفا وداعما لأمن أمريكا، فقطعت إمدادات الطاقة عن أوروبا وحشّدتها لمواجهة روسيا، فجاء طوفان الأقصى ليقلب كل المعايير والمصفوفة الذهنية التي اعتمدت على النظام العالمي المشيّد والمقبول عالميا، بدّد طوفان الأقصى الصور الذهنية المبنية في المخيلة العالمية، من صورة أجهزة المخابرات الفذة الناجحة والجيوش التي لا تهزم إلى من هم أصحاب النفوذ والهيمنة العالمية، تهاوت الهياكل والبنى من حولنا، فتضاءلت القوى العظمى أمام باب المندب، وتساقطت أصنام الماضي من الموساد وشين بيت وأمان وسي آي أي و د آي أي ومثيلاتها أمام غزة المقاومة، وتفككت السردية الغربية الاستعمارية أمام الواقع وانتشار تقنيات الحاضر، فتهاوت المؤسسات الإعلامية الكبرى من سي إن إن إلى وول ستريت إلى الواشنطن بوست، بدا غزل أمريكا في حالة تناقض تداعت لها المؤسسات وبلغ الأمر ذروته بدخول الجامعات على خط المظاهرات حماية لأسس الغزل حق التعبير وحق التظاهر خاصة في حرم الجامعات، بدت أن أمريكا أصبحت دولة دكتاتورية، وكذلك أوروبا في منع التظاهر، وتحولت المواجهة من وقف لحرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار على القطاع، إلى موضوع يمس الذات ويمس كل ما هو أمريكي من دفع ضرائب تسرب لإسرائيل وتنعم بها إسرائيل إلى استخدام تلك الأموال في حرب الإبادة، فخرج الأمريكان للتعبير عن رأيهم فتم قمعهم كما تم قمع الشعوب الأوروبية، هنا لم يعد الأمر مجرد حرب إبادة باسم أمريكا والغرب بل هو هجوم على كل ما غزل في الثقافة الأمريكية والأوروبية والغرب والثقافة الغربية، التي كان باسمها شنت حروب وتكونت أحلاف لحماية تلك الثقافة من ديمقراطية وحرية، لقد نقضت أمريكا غزلها، واستحقت ناقضة الغزل أن تكون تلك نهاية عصر الهيمنة الأمريكية والغربية، فلم تعد هناك ثقافة يدافع عنها أو مواقف أخلاقية يمكن البناء عليها، لقد حان الوقت للعالم لإعادة بناء النظام العالمي، فلم تعد أمريكا ولا أوروبا حامية للإرث الإنساني والنظام العالمي، فلا بد من تدخل العالم وشعوب العالم كما نرى أمامنا على الشاشات والشبكات الاجتماعية، هناك قناعة من المجتمعات الغربية أنها لم تعد قادرة على حمل الأمانة ولابد من الشروع في ترتيبات إقامة نظام عالمي يحظى بدعم العالم.
12483
| 02 مايو 2024
بعد ساعات قليلة من نشر بودكاست الحوار مع الإعلامي «فيصل القاسم» وصلت المشاهدات إلى ما يفوق أربعة ملايين مشاهدة، والسبب في اعتقادي ليس لأنّه إعلامي مشهور في قناة كبيرة هيّ قناة «الجزيرة « ملأت الدنيا وشدّت أعين الناس عبر العالم ولا زالت.. وليس لأنّ برنامجه « الاتجاه المعاكس» تربع على قمّة البرامج الحوارية الجريئة والمثيرة للنقاش في العشرين سنة الماضية، وليس لأنّ الرجل كان محل جدل في حواراته وطريقة إدارته لبرنامجه أو قناعاته أو ميولاته واستفزازاته، وإنما السرّ الكبير هو ذلك الاكتشاف الجديد في شخصية الرجل وماضيه وعائلته وطفولته الفقيرة، البائسة والمعدمة، وتجاربه من الجوع والحرمان إلى العمل وفي سن مبكرة في مختلف الحرف والأعمال الصعبة والقاسية. فوراء «فيصل القاسم» الإعلامي الكبير ذلك الطفل الفقير المحروم المقموع، الطفل الضعيف الفقير في القرية المعزولة وما يحيط به من عوّز وحرمان وآفات ومعاناة ومكابدة ومن ظلم اجتماعي واحتقار وعزلة وحيف. اكتشف الجمهور في شخصية «فيصل القاسم» ذلك الطفل الصغير الذي مرّ بتجربة طفولية مؤلمة وقاسية جدا لم تخطر على بال أحد، فصنع نفسه بنفسه من العدم وخرج من حفرة القهر والفقر إلى المغامرة والهجرة وريادة الإعلام والنجاح والبروز والإبداع. لم يتوقع الكثير أن يتحلى «فيصل القاسم» بكل تلك الصراحة والمكاشفة فلم يخجل بضعفه وقلة حال أسرته، ولم يخجل من ماضيه وحجم معاناته قبل أن يصل إلى تلك المراتب والمنزلة الإعلامية الكبيرة.، ثم إلى ذلك المحاور الشرس الصعب والعنيد والمثير للاختلاف والجدل. هيّ ببساطة بعض أسرار التفاعل الكبير للجمهور مع تلك الحلقة المميزة عن مسيرة وحياة الإعلامي «فيصل القاسم».
5166
| 03 مايو 2024
اعتمد المشرع القطري معيار المضاربة كمعيار عام لبيان مدنية العمل أو تجاريته، وهو ما استهله وسلم به في القانون التجاري، وذلك في نص المادة (3) منه، والتي تنص على أن «الأعمال التجارية بصفة عامة هي الأعمال التي يقوم بها الشخص بقصد المضاربة ولو كان غير تاجر. والمضاربة هى تَوَخي الربح بطريقة تداول المعاملات». ومن أوائل من نادى بهذا المعيار الفقيه الفرنسي باردسو وتبعه الأستاذ ليون كان والأستاذ رينو، كما عوّل القضاء في بعضٍ من أحكامه على هذا المعيار للتمييز بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية. ويقصد بالمضاربة بصفة عامة السعي والقصد إلى تحقيق الربح. ووفقًا لهذا المعيار يعد العمل تجاريًا إذا كان التصرف الذي يبتغيه الشخص يهدف إلى تحقيق الربح، أما إذا كان العمل الذي يقوم به الشخص خاليًا من هذا القصد، فلا يعد عملًا تجاريًا. وأبرز مثال لمعيار المضاربة، عملية الشراء من أجل البيع بغية تحقيق الربح، كالأشخاص المضاربين في البورصة وتجار الجملة والتجزئة. ولتوضيح ذلك، فإن فكرة المضاربة تقوم على أساس السبب أو الباعث وراء العمل التجاري، والذي يتمثل في تحقيق الربح؛ وهو ما يضفي الصفة التجارية على العمل، ومعنى ذلك أنه إذا كان السبب أو الباعث هو تحقيق الربح عد العمل تجاريًا، أما إذا كان السبب أو الباعث مدنيًا خاليا منه عد العمل مدنيًا، ومثاله الجمعيات التعاونية؛ إذ تقوم بشراء البضائع لبيعها على أعضائها وغيرهم بسعر التكلفة، وهي بذلك لا تستهدف الربح، إلا إذا خرجت عن هدفها الأساسي وهو ما يحدث في بعض الدول، بأن تحيد عن هدفها وتلهث وراء تحقيق الربح. إلا أن هذا المعيار يشوبه بعض المثالب، فهو واسع من جهة وضيق من جهة أخرى؛ فهو واسع لأنه يبسط نطاقه على أعمال يسبغ عليها المشرع الصفة التجارية على الرغم من أن القانون لا يثبت لها تلك الصفة ويصنفها من الأعمال المدنية، مثل عمل المحاسبين والمحامين والمهندسين والأطباء والمهن الحرة عمومًا؛ حيث يسعون جميعهم من جراء أعمالهم إلى تحقيق الربح، أو بالأحرى الحصول على أجر أو أتعاب، كذلك المزارع الذي يقوم باستئجار الأرض الزراعية ويضارب بين أجرة الأرض وثمن بيع المحاصيل. بناء على ما سبق، إذ طبق هذا المعيار بشكل مطلق لأدخلنا في القانون التجاري أعمالًا مدنية صريحة. بينما يعد هذا المعيار ضيقًا، لأنه يقصر النظر عن أعمالٍ ومن ثم يستبعدها، ولا شك في أنها تجارية، كتحرير الأوراق التجارية، أو التاجر الذي يتعمد الخسارة وذلك من أجل القضاء على منافسيه أو من أجل الدعاية والإعلان، وكذلك التاجر الذي يبيع بضاعته بسعر التكلفة، فجميع ما سبق أعمال لا تهدف إلى تحقيق الربح، وبالتالي تخرج من نطاق الأعمال التجارية، وذلك وفقًا لمعيار المضاربة، على الرغم من أنها أعمال تجارية وفقًا لصريح نصوص القانون. إضافة إلى ما سبق يتعارض هذا المعيار مع المفهوم الحديث للقانون التجاري؛ إذ إنه لا يفسر تجارية أعمال المشروعات الاقتصادية العامة التي تقوم بها الدولة عن طريق شركات المساهمة العامة؛ لأن أغلبها تسعى وراء تحقيق المصلحة العامة، سواء كانت تقصد إلى تحقيق الربح أم لا. ولابد أن ننوه أنه لا يمكن أن نعوّل فقط على معيار المضاربة الذي يقوم على قصد تحقيق الربح؛ حيث إنه يعد أمرًا نفسيًا يصعب تبينه. ولذا؛ بدأ الاتجاه الحديث يعول على مجرد توفر النية في الربح ولو لم يتحقق فعلاً، ولكن ما زالت الإشكالية في معرفة القصد من العمل، وعليه من الممكن أن يبين ذلك من خلال الكمية المشتراة، أو مدى توفر وصف التاجر من عدمه، افتتاحه محلاً تجاريا، إلى غير ذلك مما تساعد على وضوح القصد من العمل. ختامًا، لا يمكن أن ينفرد معيار المضاربة كضابط للتفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، وذلك لما يحتويه من مثالب. ومع ذلك يجب أن نبين أن هذا المعيار يمثل جزءًا من الحقيقة؛ لأن العمل التجاري يقوم على فكرة تحقيق الربح، «فإذا لم تكن المضاربة وحدها ضابطًا للعمل التجاري، فما من شك في أنها أحد عناصره الجوهرية».
2010
| 03 مايو 2024