رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إننا مخلوقات إنسانية صممت وأنشئت وصنعت بهذا القدر من الإتقان.. هذا الإتقان الذي وضحه الله سبحانه وتعالى بقوله " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تفعلون.. الآية 88 سورة النمل.. انظر وتأمل التعبير القرآني في كلمة " صنع الله الذي أتقن كل شيء.. هذا الإتقان الذي يمس كل ما يتعلق بأجسادنا البشرية في حركتها وسكونها.. في صحوتها ونومها.. في تقلباتها بالليل والنهار.. في عملياتها المعقدة من المشاعر.. والخواطر.. والشهوات.. والرغبات.. والآمال والأحلام والتطلعات..في عملياتها المعقدة من عمليات الأكل والهضم.. والعملية الجنسية في الكائنات الحية.. والأرحام وما بداخلها من أجنة.. والنطف والبويضات.. والمسيرة والطريق نحو الحياة.. إنها منظومة خارقة مبدعة تغلفها وتحيط بها تجليات هذا الإتقان وبأبهى صوره وأشكاله وأحواله ومراحله بل إن هذا الإتقان شامل ومتكامل فيما حولنا ليس فحسب في ماهية خلقنا وكينونتنا البشرية بل يشمل هذا الإتقان كل ما يدور حولنا في هذا الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه من أشجار وثمار.. وغذاء وطعام وهذا ما أشار إليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله " فلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)..الاية ( 24 – 32 ) سورة عبس.
إنها تجليات الخالق سبحانه وتعالى في هذا الإتقان المنظم في حصول الإنسانية على مقومات الحياة وأعظم هذه المقومات الغذاء الذي هو أساس استمرارية الحياة للإنسانية، وضحه الخالق سبحانه وتعالى في هذه الآيات بالصورة المتقنة المتكاملة من منشأه وأصله ووصوله إلى الإنسانية وبمختلف أنواعه وأشكاله من المزارع والثمار والحدائق والغابات وبكل فصول الأرض الأربعة صيفاً وشتاء وربيعاً وخريفاً، وعبره وصلت الإنسانية إلى استغلال ذكائها في التطور والإبداع في عالم الصناعات الغذائية وبمختلف أشكالها وأنواعها ونكهاتها مما نراه اليوم في مراكز التسوق الغذائية التي نرتادها صباحاً ومساء.
إنه الإتقان الذي أحاط به الله الخالق سبحانه وتعالى بالقدرة والتقدير ليكون في صورة من التوازن والإبداع والتنظيم، وهو ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في قوله " وخلق كل شيء فقدره تقديرا".. الآية 94 ( سورة الفرقان ) وقوله في آية أخرى " {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} " الآية ( 7 ) سورة السجدة.
وهذا الإتقان أيضاً يشمل هذا الكون العظيم بأرضه وسمائه.. وكواكبه ونجومه.. فالشمس التي تشرق علينا.. وتغرب عنا.. ليدور حولنا الليل والنهار ولتدور معه مجريات تطورنا وابداعنا وعوالم ذكائنا الفطري. وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله " وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " الآيات 37 – 39 سورة يس.
حيث ترى في هذه الآية الكريمة عمق هذا الإتقان البديع المنظم في حركة الليل والنهار وحركة الشمس ودورانها حول الأرض.. والذي يقول عنه علماء الفلك إن دوران الشمس ومعها نظامنا الشمسي كاملاً حول مركز مجرتنا الذي يبعد عن الشمس 28000 سنة ضوئية، وحيث يستغرق الأمر حوالي 230 مليون سنة ليقوم نظامنا الشمسي بدورة كاملة حول مركز المجرة.. ويقول الدكتور كارل ساغان وهو مؤلف كتاب اسمه ( الكون ) وهذا الكتاب من أكثر الكتب العلمية مبيعاً في العالم، يقول إن أبعاد الكون هي من الإتساع بحيث لا تجدي معها وحدات قياس المسافة العادية كالمتر والكيلو متر والتي تستخدم عادة في كرتنا الأرضية وعوضاً عن ذلك فإننا نقيس المسافة بسرعة الضوء ففي ثانية واحدة يقطع شعاع الضوء 186 ألف ميل أو 300000 كيلو متر المسافة بين الشمس والأرض.
ويمكننا القول إن الشمس تبعد عنا مسافة ثماني دقائق ضوئية وفي سنة واحدة يقطع الضوء نحو 10 تريليونات وهو 1000 مليار كيلو متر أو زهاء ستة تريليونات ميل في الفضاء... انتهى كلامه.
ولذلك جاء قول الله تعالى " وكل في فلك يسبحون " هذا التعبير الشامل والكامل لمفهوم كواكب المجموعة الشمسية والتي وصلنا إلى معرفتها حتى الآن وهي هذه الثمانية كواكب في مجموعتنا الشمسية وترتيبها حسب الأقرب إلى الأبعد عن الشمس التي نعرفها وهي عطارد ثم الزهرة ثم الأرض ( كوكبنا الأرضي ) ثم المريخ ثم المشترى ثم زحل ثم أورانوس وأخيراً نبتون.. ومنه انطلق ذكاؤنا الإنساني نحو علوم الفضاء واستطعنا حتى الآن الوصول إلى سطح القمر. وسطح المريخ عبر هذا التطور والإبداع في صناعة المركبات الفضائية وتركيب محطات الأقمار الصناعية التي بفضلها أصبح العالم اليوم بقاراته الخمس كقرية واحدة.. ويوماً بعد يوم تزيد هذه الاكتشافات لآفاق الفضاء وعلومه حتى تكون الإنسانية قادرة على معالجة الكثير من المشاكل البيئية مثل التلوث البيئي وتنبؤات الطقس والحرارة.. ومشكلات الاحتباس الحراري.. والتنبؤات بوقوع الكوارث مثل الزلازل والأعاصير التي تعصف بكوكبنا الأرضي من حين إلى حين.. وتلك هي وثيقة التصريح الإلهي الذي منحه لنا الخالق سبحانه وتعالى بقوله في الآية الكريمة " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان." الآية ( 33 ) سورة الرحمن.. وهذا السلطان الذي أشار إليه الحق سبحانه وتعالى هو هذا الذكاء الإنساني في تقدم وتطور وإبداع الإنسانية في علوم الفضاء وآفاقه ووسائله مما أشرت إليه.
أما الحديث عن أحجام وأبعاد ومسافات وقوة الجاذبية في هذه الكواكب الشمسية وتأثيراتها على هذا الكون الواسع الشاسع، فذلك ما لا يمكن أن نوضحه ونشرحه هنا.
وللمقال بقية الأسبوع المقبل
سأبقى ممتنة دائما لكل من كتب كلمة جميلة وحدث أنني قرأتها في حياتي.. أشعر أنني بمعنى ما مصنوعة... اقرأ المزيد
219
| 06 مايو 2024
قيل الكثير من الكلام عن الضمير البشري، ودوره في تماسك العلاقات، والترابط الإنساني، والتمسك بالقيم والمبادئ. والضمير هو... اقرأ المزيد
150
| 06 مايو 2024
ترجع قضية حظر تطبيق «التيك توك» إلى نهاية ولاية ترامب، الذى أصدر قراراً تنفيذياً بحظره لكنه تم إبطاله... اقرأ المزيد
336
| 06 مايو 2024
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من فيتنام وأمريكا تنقض غزلها، بعد حرب أمريكا على العراق اتضح أن أمريكا ناقضة الغزل، فقد بنت غزلها منذ الحرب العالمية الثانية، فنسجت منظمات الأمم المتحدة وقوانينها الليبرالية، من حقوق الإنسان والديمقراطية وحق التعبير وحق الرأي، وعدم شرعية التعذيب والوصاية على الحقوق المدنية، ومحاربة العنصرية وتجريم جرائم الحرب ووضع التشريعات لمعاقبة الإبادة الجماعية وإنشاء المحاكم الدولية والأممية، وبدا أن أمريكا تهيمن من خلال أعلى المبادئ الإنسانية وثمرة التجربة الإنسانية، فرضخ العالم لهذا القادم الجديد وذي الروح الإنسانية والسلوك الراقي، والعلم الوفير والإدارة الحكيمة والتقدم العلمي والتقني، وقدم للإنسانية المعارف والتقنيات من أجهزة التكييف إلى السيارات والطائرات والفاكس والإنترنت والشبكات الاجتماعية وكذلك الممارسات الحديثة، والمؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، لكن في حربه على العراق بدون مبرر إلا من مطامع النفوذ والهيمنة الامبراطورية، نقضت أمريكا الغزل فكذبت على الأمم المتحدة من أجل الحصول على إذن لمهاجمة العراق، فلما تم الرفض، نقضت العهود وعزمت على مخالفة أمر الأمم المتحدة والقانون الدولي فكان بداية النقض لما تم نسجه، نقضت العهود أمام العالم ففقدت المصداقية وتتالت تجاوزاتها من قتل للمدنيين والتعذيب في أبو غريب وغوانتانامو بيي وبقرام، واستمرت سلوكيات النقض، حتى جاءت حرب أوكرانيا وتدابيرها في استفزاز روسيا من أجل إدخال الناتو في حرب معها لضمان استمرار أوروبا حليفا وداعما لأمن أمريكا، فقطعت إمدادات الطاقة عن أوروبا وحشّدتها لمواجهة روسيا، فجاء طوفان الأقصى ليقلب كل المعايير والمصفوفة الذهنية التي اعتمدت على النظام العالمي المشيّد والمقبول عالميا، بدّد طوفان الأقصى الصور الذهنية المبنية في المخيلة العالمية، من صورة أجهزة المخابرات الفذة الناجحة والجيوش التي لا تهزم إلى من هم أصحاب النفوذ والهيمنة العالمية، تهاوت الهياكل والبنى من حولنا، فتضاءلت القوى العظمى أمام باب المندب، وتساقطت أصنام الماضي من الموساد وشين بيت وأمان وسي آي أي و د آي أي ومثيلاتها أمام غزة المقاومة، وتفككت السردية الغربية الاستعمارية أمام الواقع وانتشار تقنيات الحاضر، فتهاوت المؤسسات الإعلامية الكبرى من سي إن إن إلى وول ستريت إلى الواشنطن بوست، بدا غزل أمريكا في حالة تناقض تداعت لها المؤسسات وبلغ الأمر ذروته بدخول الجامعات على خط المظاهرات حماية لأسس الغزل حق التعبير وحق التظاهر خاصة في حرم الجامعات، بدت أن أمريكا أصبحت دولة دكتاتورية، وكذلك أوروبا في منع التظاهر، وتحولت المواجهة من وقف لحرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار على القطاع، إلى موضوع يمس الذات ويمس كل ما هو أمريكي من دفع ضرائب تسرب لإسرائيل وتنعم بها إسرائيل إلى استخدام تلك الأموال في حرب الإبادة، فخرج الأمريكان للتعبير عن رأيهم فتم قمعهم كما تم قمع الشعوب الأوروبية، هنا لم يعد الأمر مجرد حرب إبادة باسم أمريكا والغرب بل هو هجوم على كل ما غزل في الثقافة الأمريكية والأوروبية والغرب والثقافة الغربية، التي كان باسمها شنت حروب وتكونت أحلاف لحماية تلك الثقافة من ديمقراطية وحرية، لقد نقضت أمريكا غزلها، واستحقت ناقضة الغزل أن تكون تلك نهاية عصر الهيمنة الأمريكية والغربية، فلم تعد هناك ثقافة يدافع عنها أو مواقف أخلاقية يمكن البناء عليها، لقد حان الوقت للعالم لإعادة بناء النظام العالمي، فلم تعد أمريكا ولا أوروبا حامية للإرث الإنساني والنظام العالمي، فلا بد من تدخل العالم وشعوب العالم كما نرى أمامنا على الشاشات والشبكات الاجتماعية، هناك قناعة من المجتمعات الغربية أنها لم تعد قادرة على حمل الأمانة ولابد من الشروع في ترتيبات إقامة نظام عالمي يحظى بدعم العالم.
13494
| 02 مايو 2024
بعد ساعات قليلة من نشر بودكاست الحوار مع الإعلامي «فيصل القاسم» وصلت المشاهدات إلى ما يفوق أربعة ملايين مشاهدة، والسبب في اعتقادي ليس لأنّه إعلامي مشهور في قناة كبيرة هيّ قناة «الجزيرة « ملأت الدنيا وشدّت أعين الناس عبر العالم ولا زالت.. وليس لأنّ برنامجه « الاتجاه المعاكس» تربع على قمّة البرامج الحوارية الجريئة والمثيرة للنقاش في العشرين سنة الماضية، وليس لأنّ الرجل كان محل جدل في حواراته وطريقة إدارته لبرنامجه أو قناعاته أو ميولاته واستفزازاته، وإنما السرّ الكبير هو ذلك الاكتشاف الجديد في شخصية الرجل وماضيه وعائلته وطفولته الفقيرة، البائسة والمعدمة، وتجاربه من الجوع والحرمان إلى العمل وفي سن مبكرة في مختلف الحرف والأعمال الصعبة والقاسية. فوراء «فيصل القاسم» الإعلامي الكبير ذلك الطفل الفقير المحروم المقموع، الطفل الضعيف الفقير في القرية المعزولة وما يحيط به من عوّز وحرمان وآفات ومعاناة ومكابدة ومن ظلم اجتماعي واحتقار وعزلة وحيف. اكتشف الجمهور في شخصية «فيصل القاسم» ذلك الطفل الصغير الذي مرّ بتجربة طفولية مؤلمة وقاسية جدا لم تخطر على بال أحد، فصنع نفسه بنفسه من العدم وخرج من حفرة القهر والفقر إلى المغامرة والهجرة وريادة الإعلام والنجاح والبروز والإبداع. لم يتوقع الكثير أن يتحلى «فيصل القاسم» بكل تلك الصراحة والمكاشفة فلم يخجل بضعفه وقلة حال أسرته، ولم يخجل من ماضيه وحجم معاناته قبل أن يصل إلى تلك المراتب والمنزلة الإعلامية الكبيرة.، ثم إلى ذلك المحاور الشرس الصعب والعنيد والمثير للاختلاف والجدل. هيّ ببساطة بعض أسرار التفاعل الكبير للجمهور مع تلك الحلقة المميزة عن مسيرة وحياة الإعلامي «فيصل القاسم».
5409
| 03 مايو 2024
اعتمد المشرع القطري معيار المضاربة كمعيار عام لبيان مدنية العمل أو تجاريته، وهو ما استهله وسلم به في القانون التجاري، وذلك في نص المادة (3) منه، والتي تنص على أن «الأعمال التجارية بصفة عامة هي الأعمال التي يقوم بها الشخص بقصد المضاربة ولو كان غير تاجر. والمضاربة هى تَوَخي الربح بطريقة تداول المعاملات». ومن أوائل من نادى بهذا المعيار الفقيه الفرنسي باردسو وتبعه الأستاذ ليون كان والأستاذ رينو، كما عوّل القضاء في بعضٍ من أحكامه على هذا المعيار للتمييز بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية. ويقصد بالمضاربة بصفة عامة السعي والقصد إلى تحقيق الربح. ووفقًا لهذا المعيار يعد العمل تجاريًا إذا كان التصرف الذي يبتغيه الشخص يهدف إلى تحقيق الربح، أما إذا كان العمل الذي يقوم به الشخص خاليًا من هذا القصد، فلا يعد عملًا تجاريًا. وأبرز مثال لمعيار المضاربة، عملية الشراء من أجل البيع بغية تحقيق الربح، كالأشخاص المضاربين في البورصة وتجار الجملة والتجزئة. ولتوضيح ذلك، فإن فكرة المضاربة تقوم على أساس السبب أو الباعث وراء العمل التجاري، والذي يتمثل في تحقيق الربح؛ وهو ما يضفي الصفة التجارية على العمل، ومعنى ذلك أنه إذا كان السبب أو الباعث هو تحقيق الربح عد العمل تجاريًا، أما إذا كان السبب أو الباعث مدنيًا خاليا منه عد العمل مدنيًا، ومثاله الجمعيات التعاونية؛ إذ تقوم بشراء البضائع لبيعها على أعضائها وغيرهم بسعر التكلفة، وهي بذلك لا تستهدف الربح، إلا إذا خرجت عن هدفها الأساسي وهو ما يحدث في بعض الدول، بأن تحيد عن هدفها وتلهث وراء تحقيق الربح. إلا أن هذا المعيار يشوبه بعض المثالب، فهو واسع من جهة وضيق من جهة أخرى؛ فهو واسع لأنه يبسط نطاقه على أعمال يسبغ عليها المشرع الصفة التجارية على الرغم من أن القانون لا يثبت لها تلك الصفة ويصنفها من الأعمال المدنية، مثل عمل المحاسبين والمحامين والمهندسين والأطباء والمهن الحرة عمومًا؛ حيث يسعون جميعهم من جراء أعمالهم إلى تحقيق الربح، أو بالأحرى الحصول على أجر أو أتعاب، كذلك المزارع الذي يقوم باستئجار الأرض الزراعية ويضارب بين أجرة الأرض وثمن بيع المحاصيل. بناء على ما سبق، إذ طبق هذا المعيار بشكل مطلق لأدخلنا في القانون التجاري أعمالًا مدنية صريحة. بينما يعد هذا المعيار ضيقًا، لأنه يقصر النظر عن أعمالٍ ومن ثم يستبعدها، ولا شك في أنها تجارية، كتحرير الأوراق التجارية، أو التاجر الذي يتعمد الخسارة وذلك من أجل القضاء على منافسيه أو من أجل الدعاية والإعلان، وكذلك التاجر الذي يبيع بضاعته بسعر التكلفة، فجميع ما سبق أعمال لا تهدف إلى تحقيق الربح، وبالتالي تخرج من نطاق الأعمال التجارية، وذلك وفقًا لمعيار المضاربة، على الرغم من أنها أعمال تجارية وفقًا لصريح نصوص القانون. إضافة إلى ما سبق يتعارض هذا المعيار مع المفهوم الحديث للقانون التجاري؛ إذ إنه لا يفسر تجارية أعمال المشروعات الاقتصادية العامة التي تقوم بها الدولة عن طريق شركات المساهمة العامة؛ لأن أغلبها تسعى وراء تحقيق المصلحة العامة، سواء كانت تقصد إلى تحقيق الربح أم لا. ولابد أن ننوه أنه لا يمكن أن نعوّل فقط على معيار المضاربة الذي يقوم على قصد تحقيق الربح؛ حيث إنه يعد أمرًا نفسيًا يصعب تبينه. ولذا؛ بدأ الاتجاه الحديث يعول على مجرد توفر النية في الربح ولو لم يتحقق فعلاً، ولكن ما زالت الإشكالية في معرفة القصد من العمل، وعليه من الممكن أن يبين ذلك من خلال الكمية المشتراة، أو مدى توفر وصف التاجر من عدمه، افتتاحه محلاً تجاريا، إلى غير ذلك مما تساعد على وضوح القصد من العمل. ختامًا، لا يمكن أن ينفرد معيار المضاربة كضابط للتفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، وذلك لما يحتويه من مثالب. ومع ذلك يجب أن نبين أن هذا المعيار يمثل جزءًا من الحقيقة؛ لأن العمل التجاري يقوم على فكرة تحقيق الربح، «فإذا لم تكن المضاربة وحدها ضابطًا للعمل التجاري، فما من شك في أنها أحد عناصره الجوهرية».
2028
| 03 مايو 2024