رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

1549

د. أحمد القديدي

الشطرنج الإيراني والغولف الأمريكي...في لعبة الأمم!

22 فبراير 2021 , 02:00ص

أهم خبر يؤكد إنفراج الأزمة بين واشنطن وطهران جاءنا أمس الأحد بزيارة السيد (غروسي) مدير الوكالة الذرية الدولية إلى إيران والسماح له بتفقد المنشآت النووية والتأكد من غاياتها السلمية، بينما نحن نعيش منعرجا حاسما في مسار العلاقات الدولية وعلينا ألا ننسى أن لعبة الشطرنج الشهيرة هي من أصل فارسي ابتكرها قدماء الإيرانيين منذ 5000 سنة في عهد قورش الأكبر وتوارثها أحفاد كسرى أنو شروان وهي لعبة الحرب والسلام والمناورة والكر والفر، وتعلم أجيال العالم كيف يدافعون عن حصونهم ويحمون "شاههم" وكيف في نفس الوقت يهاجمون أعداءهم ويستولون على قلاعهم وفرسانهم و"بيادقهم"! إنها اللعبة الاجتماعية الأكثر رواجا في المجالس والمؤسسات التربوية والرياضية والمباريات الأولمبية الفكرية، لأنها الوحيدة المعتمدة على العقل والحكمة والتخطيط والحذر والمراوغة والتقية والدهاء أي أنها كما لخصها بطلها العالمي الروسي (كاسباروف) صورة مصغرة عن الحرب والأداة التعليمية المثلى لما نسميه الإستراتيجية العسكرية!.

أما لعبة (الغولف) فهي من أصول أمريكية، لأن السكوتلنديين الأوائل الذين استوطنوا القارة الأمريكية جلبوها معهم واشتهرت بينهم وطورها أحفادهم الذين أصبحوا مواطنين أمريكان، وهي لعبة تعتمد كرة خشبية صغيرة على اللاعبين أن يضربوها بعصا خاصة معقفة حتى تدخل حفرة بحجمها على أرض معشبة ولتنفيذ الضربات التالية والقصيرة وعالية الدقة اللازمة لتجاوز العوائق على اللاعب عند ضرب الكرة ان لم يتمكن من ادخالها في الحفرة من الضربة الأولى أن ينتقل إلى النقطة التي وصلت إليها الكرة ويضرب ضربة ثانية وثالثة حتى ايصال الكرة إلى البقعة الخضراء التي تتوسطها الحفرة! فاللعبة إذن هي ممارسة اللاعب لما نسميه في العلاقات الدولية اليوم "سياسة الخطوة خطوة" أي تكرار المحاولة دون يأس أو تغيير الطريقة حتى يبلغ اللاعب هدفه ويحقق فوزه فيها!

كان الرئيس التونسي بورقيبة رحمه الله معروفا بما سماه هو"سياسة المراحل" أو سياسة "خذ وطالب" وفي الحقيقة كان بورقيبة أخذ هذه العبارة من الرئيس الأمريكي (فرنكلين روزفلت) وهي السياسة التي عرف بها قبل بورقيبة ودخل بها الحرب العالمية الثانية وانتصر فيها هو وحلفاؤه ضد تحالف المحور الألماني الإيطالي الياباني عام 1945! لعل القراء الكرام يتساءلون عن إطالة حديثي حول تاريخ وقواعد لعبتين من أشهر الألعاب في العالم وسبب ذلك أن أهم حدث في الشرق الأوسط وربما في العالم اليوم هو الحوار المرتقب بين واشنطن وطهران حتى يعود السلام وتنحسر المخاطر كما كان الوضع منذ أبريل 2015 حين تم التوقيع على وثيقة النووي الإيراني وتنفس العالم الصعداء لكن الذي حدث وفاجأ الأمريكان والإيرانيين أنفسهم هو ما اختاره الرئيس ترامب من سياسات انعزالية وانفرادية لمعالجة جميع الملفات المتعلقة بالسياسات الخارجية الأمريكية إلى درجة أنه غير كبار المسؤولين عنها وعن الأمن القومي مرات عديدة وبعض هؤلاء اختار الإعلان عن غضبه بل ونشر الكتب للتنديد بالممارسات الترامبية (مثلما فعل جون بولتون بكتابه الشهير) وبلغت القضية منذ شهر يونيو 2020 درجة الخطر حيث انحاز البيت الأبيض الى الرؤية الإسرائيلية اليمينية (كما حللت مجلة فورين بوليسي في عدد أغسطس 2020) قائلة على لسان مديرها "بأنه من الخطأ أن يراعي الرئيس مصالح اليمين الإسرائيلي (لا مصالح إسرائيل!) ويعتبرها ذات أولوية يسبقها على مصالح الولايات المتحدة؟" ثم لم يدم (السيسبنس) طويلا حتى تم انتخاب خلفه الرئيس جو بايدن في الظروف الدرامية التي نعرفها وتغيرت معه خيارات السياسة الخارجية الأمريكية بالسعي أولا إلى الإمساك بعصا الدبلوماسية من وسطها فلم يجع الذئب الإسرائيلي ولم يشتك الراعي الأمريكي، ثم تم تدشين مسار مختلف أيدته وزكته الدول الأوروبية وروسيا في مؤتمر الأمن الاخير في ميونيخ، لأنه مسار يفتح أبواب الحوار، ويوصد أبواب المواجهة وبهذا السبب قلنا إن طهران لعبت لعبتها التاريخية المفضلة الشطرنج وبايدن أتقن لعبة الغولف ذات الخطوة خطوة (ستاب باي ستاب). والتقى اللاعبان على خط معقول يجمع بين إرادتين صريحتين للسلام والأمن وهو مسار يخشاه اليمين الإسرائيلي ويعمل بكل الوسائل على إفشاله وهدمه من الأسس! ولا ننسى هنا ما قامت به الدبلوماسية القطرية بدون إعلانات ولا ضجيج من جهود توفيقية بفضل ما تتمتع به الدوحة من علاقات جيدة مع واشنطن وطهران وهي المواقف المشرفة التي تحرص قطر على التمسك بها.

كاتب تونسي

[email protected]

مساحة إعلانية