رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الثامن من شهر نوفمبر الحالي، ورد خبر في الصحف المحلية والعالمية من أن ثلاثة من متسلقي الجبال فقدوا خلال محاولتهم تسلق "كي 2" ثاني أعلى قمة في العالم بعد فشل جهود البحث في تحديد موقعهم على ما أعلنه النادي الباكستاني لتسلق الجبال.
و"كي 2" هي أعلى قمة من القمم البالغ علوها أكثر من 8000 متر، وترتادها بعثات التسلق الشتوية الراغبة في الاعتلاء والوصول إلى هذه القمة، ويقول الخبر إنه خلال الصيف الماضي نجح حوالي 450 شخصاً فقط في بلوغ القمة في حين لقى أكثر من ثمانين شخصاً آخرين حتفهم.
وفي هذه القمة أيضاً تهب الرياح شتاء بسرعة تفوق مائتي كيلو متر في الساعة، كما تصل الحرارة إلى 60 درجة مئوية تحت الصفر، ففي اعتقادي أن مثل هذه المغامرات البشرية لا تسمن ولا تغني من جوع، فما فائدة هؤلاء المغامرين من تسلق قمم جبلية بهذه الارتفاعات العالية الشاهقة وسط هذه الأجواء الصعبة من تدني درجات الحرارة إلى ما يعادل 60 درجة مئوية تحت الصفر.. وهذا هو التساؤل؟، هل هي مغامرات استكشاف فماذا يكتشفون؟، هل هي مغامرات الوصول إلى مناجم ذهب وفضة وآفاق ثراء به يحلمون؟، أو هي بحث عن هياكل عظمية لديناصور منقرض استوطن هذه القمة منذ حقبة الديناصورات الأحفورية لعلهم يجدون؟، إنها ببساطة شديدة إلقاء النفس إلى التهلكة، وإن من الحب ما قتل إن صح التعبير.
هذه المغامرات التي يحلم أصحابها بالدخول إلى ما يسمونه اليوم في عالمنا بموسوعة غينيس للأرقام القياسية، هذه الموسوعة التي جعلت الكثير من المغامرين في حالة من حالات الهوس والجنون والشغف في سبيل تحقيق مغامرات فاشلة، وتحديات قاتلة، وخاتمة مهلكة، مثل أن ينام هؤلاء المغامرون مع الثعابين السامة لمدة كذا يوم، ومنها أن يلتهم الطعام بكميات كبيرة في وقت كذا وزمن قياسي كذا وهكذا، ومنها أن يمشي المغامر على سلك حديدي موصول من برج شاهق إلى برج شاهق آخر وهذه المغامرات نهايتها معروفة. إن ديننا الإسلامي وتعاليم الله سبحانه وتعالى تنهي وتحذر الإنسان من إلقاء نفسه إلى التهلكة فمثل هذه المغامرات هي قتل الإنسان لنفسه قال تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} الآية (195) سورة البقرة.. وقال تعالى في آية أخرى " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " الآية ( 29 ) سورة النساء، إن مثل هذه المغامرات التي تؤدي بصاحبها إلى مواقع الموت والتهلكة مغامرات محرمة، ومغامرات أشبه بالانتحار، ومغامرات تؤدي إلى الضرر والضرار في كيان الأفراد والمجتمعات، بل هي بلا أهداف ولا غايات ولا مصلحة، فقد ابتلينا زمناً في مجتمعاتنا الخليجية بفئة من الشباب الذين وقعوا فريسة هذه المغامرات، وذلك بالتباهي بسياراتهم في الصعود إلى التلال الرملية والطعوس كما تسمى في لهجتنا المحلية الدارجة واللف والدوران فوق هذه الرمال التي هي سمة من سمات بيئتنا الصحراوية، فكم كلفت مثل هذه المغامرات فقدان الكثير من أرواح شبابنا الذين رحلوا عن هذه الحياة وهم في عز الصبا والشباب وزرعوا الحسرة والندم والآلام في نفوس أهاليهم ووالديهم وأسرهم، وحرموا الوطن من خدماتهم وعطائهم وإبداعهم والذي كان أولى بالاستفادة من طاقاتهم وشبابهم لخدمة أهدافه ومسيرته وطموحه وأحلامه.
إن من مصلحتنا جميعاً أن نحث أبناءنا وشبابنا على مغامرات وأهداف مشروعة لخدمة أهداف المجتمع والمساهمة في علو شأنه ورفعته وتقدمه مثل الهوايات النافعة مثل السباحة، والرماية، وركوب الخيل، ومثل الرياضات الكروية الممتعة بشتى أنواعها، ومثل الانخراط في أداء الواجب الوطني العسكري (الخدمة العسكرية الوطنية)، وتشجيعهم على الانخراط في دراسة علوم الطيران والمدفعية والفنون القتالية، فتلك مغامرات مشروعة للدفاع عن الوطن والذود عن حماه وشرفه، وتلك هي مغامرات الأبطال الحقيقيين الذين يضعون نصب أعينهم كيف يخدمون أوطانهم، وكيف يحافظون على حياتهم، ليقدموا الخير والنفع والمصلحة سبيلا نحو تحقيق كل الأهداف والغايات التي يمليها عليهم خالقهم ودينهم وقوام عيشهم وحياتهم عبر هذه الحياة.
إن المسؤولية مشتركة علينا جميعاً أفراداً وأسراً وهيئات وحكومات، ودعاة ومثقفين، ومرشدين أن نتخذ من النصائح والتوجيهات والإرشادات سبيلاً نحو توعية المجتمع وخصوصاً أبنائنا الشباب، ثروتنا الحقيقية للمستقبل وجيلنا القادم المنشود عن مثل هذه المغامرات التي يحكمها الطيش والتهور، وتكون نهايتها الحسرة والندم والموت والتهلكة.. ولات ساعة مندم.
آخر الكلمات:
اعتذر للقارئ الكريم عن عدم استكمال سلسلة مقالات "الإنسانية بين الذكاء الاصطناعي والفطري" مقال رقم (11) لهذا الأسبوع، وذلك لكتابة المقال أعلاه والأسبوع القادم إن شاء الله نستكمل ما بدأنا به.
(1) في العشرين من الشهر الثاني لعام 1910، وفي قلب العاصمة المكسيكية، تعلن الانتخابات الرئاسية في بلد مثقل... اقرأ المزيد
147
| 29 أبريل 2024
حتى والمظاهرات تنطلق من رحاب واحدة من أرقى وأعرق جامعات العالم وجدنا من المتصهينين العرب من يشكك بها... اقرأ المزيد
213
| 29 أبريل 2024
لابد وأن يكون لأي طموح إستراتيجي لأي دولة من دول «الهامش» الدولي، أبعد من الارتباط بروسيا أو الولايات... اقرأ المزيد
105
| 29 أبريل 2024
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المعضلة الإستراتيجية التي ألمت بالكيان الصهيوني أطبقت على الذهنية الإسرائيلية ولفتها بغموض مطبق، جعلت من قدرات أجهزته الاستخبارية في ظلمة وغموض محيرين، عدم قدرة الكيان على تقدير طبيعة الرد الإيراني في حال توجيه ضربة لإيران أدخل إسرائيل في مأزق إستراتيجي جعل مرور الوقت في صالح تنامي جدار الردع الإيراني، فكلما ازدادت حيرة الكيان وتأخره في الرد على الاستجابة للضربة الإيرانية خاصة بعد وعده بالرد تعني عدم القدرة، وهذا يضيف لجدار الردع الإيراني قوة على قوة، وفي حال أخذ الكيان محور المقاومة في الحسبان يزداد التعقيد ويصعب التقدير، كل هذا أدخل الكيان وداعميه في دوامة لا تنتهي من حساب الحسابات وإعادة التقدير وتقييم المواقف وتكرار النظر وإعادة النظر، مما يرسم صورة عجز للكيان لا يستطيع تحملها، خاصة أن صورة الكيان المهيمن والمنتقم وسريع الرد بدأت تتبدد لحظة بلحظة، وهذا يزيد من المخاطر بعد ستة أشهر على فقدان الفاعلية العسكرية في غزة وفي شمال فلسطين، مظاهر عجز أمريكا والغرب عن ردع إسرائيل وتتفاقم معه بشكل متسارع وتتهالك معه قدرات الردع لحدود دنيا، تقلع من جذوره ثقة الفرد بحماية دولته، فتنهار البنى والهياكل التنظيمية للكيان ولن تسعف الانقسامات المجتمعية والفوارق العرقية والدينية والصعوبات في سن القوانين وإدراج المتدينين في الوحدات العسكرية من التدهور المجتمعي، ويشمل ذلك قدرة الداعمين على الدفاع عن الكيان وجرائمه أمام العالم، كلفة الكيان وإمكانية استدامته أصبحت في شك من الجميع داخل الكيان وخارجه وفي أروقة الأمم المتحدة، في الإعلام لم يعد داعموه قادرين على لجم المجتمع الدولي ومؤسساته من انتقاد الكيان ووصفه بالكيان المارق وتآكل الحماية لكل ما له علاقة بالكيان تحت مسمى المساس بالسامية أو عدم الاعتراف بالمحرقة النازية أو كونه ضحية العرب والمسلمين، بل هو مدعوم من العرب والمسلمين لم يعد هناك دثار يتدثر به تعرت بقدرة قادر طبيعته ولا يملك أي دفاعات كما كان يملكها من قبل، شاهد العالم بشكل مباشر ما يقوم به وفضح نفسه عندما اعتمد الانتقام عذرا للإبادة الجماعية، وفقد العالم وفقد أي تظاهر أخلاقي بديمقراطيته وحماية حقوق الإنسان وفقد معه داعميه عندما سنوا قوانين تجرم حرية التظاهر وحرية التعبير وحرية الوصول للمعلومة وبدا الغرب خاويا أمام العالم أجمع وخاصة مواطنيه الذين فجأه تكون إحساس لديهم بأنهم كانوا يعيشون في فقاعة ذهنية شيدت من أجل استعبادهم، في هذه الأجواء من ثورة الإرادة في العالم أجمع تفقد إسرائيل مكانتها وصورتها وسمعتها وتجرم وتدخل قفص الاتهام بشر فعلة وهي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب، ثم ترتكب الاعتداء على سيادة دول دون تقدير لتبعات تلك الاعتداءات كما اعتادت على فعله فيبرر الغرب أفعالها كما حدث في ما اكترث من مظالم في غزة، فأتى الرد غير المتوقع من إيران لتدخل إسرائيل في غموض إستراتيجي لا خروج منه، فلابد أن يرد وقد وعد بالرد لكن في حال الرد ماذا سيكون الرد المقابل وهنا عجز الكيان عن تقييم وتقدير الرد بارتباك ودخل الحيرة ودخل معه مجتمعه وداعموه، وما زال في حيرة ومع الزمن تتحول إلى حيرة بنيوية فلا يعود يقوى على الاعتداء ولا يعود ينفلت دون عقال، لقد ردع وهو ينظر لحائط الردع لا يعلم ما وراءه ولا تبعات اعتداءاته، في تردد وفي غموض يلفه ويسبب له العجز ويقيم جدار فصل بينه وبين العالم يحمي من شروره. واقع إستراتيجي جديد معقد تشكل بعد أيام على الرد الإيراني وينطوي على مخاطر للأمن القومي الإسرائيلي لا يستهان بها، إسرائيل تجد صعوبة بالغة في تقدير الرد الإيراني الذي أدخلها غموضا استراتيجيا إقليميا، في حال عدم الرد سيترسخ جدار الردع في الذهنية الإسرائيلية ليصبح عجزا في تخطي الخطوط المرسومة من المقاومة ويؤدي للتقيد في حال كان هناك خط أحمر لعدم الدخول لرفح وأي رد ضعيف أو هزيل سيفاقم حالة الحيرة الاستراتيجية وتبنى عليها هياكل الردع في المنطقة، من الواضح أن أمريكا تخلق هامشا بين ما تقوم به إسرائيل ونوايا أمريكا وتصرفاتها بمواصلة الإعلان عن عدم علمها او مشاركتها في أي حدث تقوم به إسرائيل، هذه مرحلة متقدمة بالنأي بالنفس عن إسرائيل.
43680
| 22 أبريل 2024
لم تحظ بودكاست عربية - على ما أعتقد - في الآونة الأخيرة، بالاهتمام والثقة والمتابعة كما حصل لبودكاست فيصل القاسم. كان الكل ينتظرها منذ الإعلان عنها على منصات أثير، لكن ربما لم يعتقد كثير - كحالي - أنها ستكون بهذه المُتعة، وبهذه الصراحة، والمكاشفة والشفافية. لم يكن الزميل فيصل بحاجة إلى أن يجلس على كرسي اعتراف، فقد أدلى بكل ما لديه وعلى سجيته، وكأنه ليس فيصل القاسم الذي عرفناه، وظننا أنه بحاجة إلى محاور شرس كشراسة حواراته، ليستخرج منه ما تكنه الصدور، وتخفيه، ولكنه آثر بنفسه على أن يلقي بلآلئه في أحراج المشاهدين والمستمعين، مما زاده بذلك محبة الناس، وثقتهم به، وبما قاله، وبما يقوله، وسيقوله ربما، إن كان حديثه بهذه الصراحة والشفافية، متحدثاً عن نفسه المهزوزة أمام رفاقه، أو أمام أساتذته وأهل قريته، فكيف ستكون أحاديثه عن غيره، بالتأكيد ستكون أشد صدقاً.. لا تحقرن شخصيتك، ولا تتكلف في حياتك وعملك وقولك، كُن أنت، ولا تخجل من الصورة التي أرادها الله لك. حينها فقط سيستمتع الآخرون بما تقوله، ما دام نابعاً من قلب صادق، لا يعرف التلوّن والتصنع، ولعل في هذه البودكاست رسالة تدحض كل من يسعى إلى تقليد الآخرين أملاً في جذب الناس واستمالتهم، فشخصيتك الحقيقية هي ما يريده الآخرون، وما يريدون أن يسمعوه منك، إنهم يريدون الأصل لا النسخة. حين نزلت الحلقة ورأيت أن مدتها ثلاث ساعات، ظننت للوهلة الأولى أنها ستكون طويلة ومملة، على الرغم من زمالتي للدكتور العزيز، ومعرفتي به، فقد أتت دليلاً إضافياً على صدق النظرية النسبية وصحتها، وحين بدأت بمشاهدتها لم أتمالك أن أدعها لثانية حتى أتيت عليها كاملة في جلسة واحدة، وقد حصل هذا للكثيرين كما سمعت، وربما للغالبية، خصوصاً السوريين منهم، حيث رأى كل واحد فيهم أنه إنما يروي قصته وحكايته، ومعاناته. فينتقم لهم جميعاً، بكل حركة وسكنة وحرف ينطق به. يسرد قصة وطن ظلم أبناءه، طردهم، نبذهم من مدارسه ومصانعه ومؤسساته، ليذهبوا بعيداً إلى أوروبا وأمريكا وغيرها، ليكونوا شامة في جبين الدهر. كل ما رواه الزميل كان يحرص من خلاله - كما عبر في البودكاست غير مرة - أن يكون قصة ملهمة للشباب والأجيال، فالفقر والحاجة والفاقة، والظروف الاجتماعية الصعبة ليست حواجز أمامكم أيها الشباب، فإن جار عليكم المعلم، أو الحي، أو الساحة التي انتقم منها شباب السويداء لعيون فيصل، فإن الإصرار والمثابرة، واقتناص الفرص، كحاله في التوجه إلى بي بي سي ثم أم بي سي، وبعدهما إلى الجزيرة، هو الأهم في حياة الشباب، مع التأكيد على أهمية العلاقات العامة، يوم أخذه صديقه إلى حفلة البي بي سي، ففتحت له دنيا الإعلام أبوابها. هي نفسها العلاقات العامة التي قال عنها يوماً بيل جيتس لو كان معي عشرة دولارات، لأكلت بواحد وأنفقت تسعة منها على العلاقات العامة. الرسالة التي استوقفتني كثيراً، وأحزنتني جداً بعيداً عن الرسائل الكثيرة لحياة الفقر والمكابدة، قضية خروجه من سوريا، ولا يتقن قواعد اللغة العربية، ليتقنها على كتاب إنجليزي يُعلم اللغة العربية، وقواعدها للجمهور الإنجليزي.. فينكب صاحبنا على الكتاب لأسابيع، ثم يتمكن من اجتياز امتحان القبول في البي بي سي، وهي الجائزة الكبرى التي لطالما كان يحلم بها، كما قال، بل كان حلمه لا يتعدى أن يكون مذيعاً في نشرة جوية، ليتربع بعدها ربما على أهم برنامج توك شو عربي، إنه الإصرار، ومن هذه القصة نخلص إلى أمرين مهمين، الأول: مدى صعوبة وعدم مواءمة تعليم قواعد النحو العربي لطلبة المدارس والجامعات في بلادنا، إذ صاغوه بأسلوب ينفر منه أبناؤه، والأشد أسفاً أن يكون سهلاً حين يكتبه الأعاجم، إذن المشكلة في الأسلوب وطرق التوصيل، والله القائل: (ولقد وصلنا لهم القول)، ينكب الدكتور على كتاب القواعد باللغة الإنجليزية، ليجتاز امتحانه بعد أسابيع، وينضم إلى البي بي سي، كمنتج. هي رسالة إذن، بقدر ما إن النحو سهلٌ، حتى يمكن تعلمه عبر لغة غير عربية، بقدر ما هو صعب حين يعدُّه أساتذة النحو المعاصرون بأساليب لا تستهوي الطلبة، مما يترتب على واضعي المناهج مسؤولية كبيرة في تطوير الأسلوب، بما يسهل على الطلبة تعلمه. اللمسات الإنسانية التي أشار إليها الزميل العزيز لرفاقه وأساتذته وقريته والأماكن التي كان يرتادها، كلها عكست فيصل القاسم الشخص الآخر، الذي لطالما أحب ورغب كل من يتابعه أن يتعرف عليه، ولكن في النهاية الانتقام الحقيقي لكل شباب سوريا من هذا الواقع المرير، ليس بالانتقام من المكان الذي صنعه أشخاص، ورجال، إنما يكمن بالعلم والثقافة، ويكمن في تحدي هذه الظروف الصعبة، فنظرية التحدي عند توينبي يمكن أن تكون أصدق ما تكون في الواقع السوري. سينتقم السوريون من ساحة السويداء التي فعلت ما فعلت بالقاسم، لكن بشكل آخر، فالساحة جامدة لا ذنب لها، إنما المشكلة فيمن أوجد تلك الظروف الصعبة، فحوّلت ساحة السويداء، ومن قبلها تدمر، وحماة وغيرها إلى وطن كبير بحجم سوريا، قهر وظلم وقتل وتشريد، ولكن الله غالب كما يقول إخواننا في المغرب.
12087
| 23 أبريل 2024
الكل يشتكي من القرص؟؟ حتّى أصبح حديث المجتمع!! بل قد يعتذر البعض عن التزامات ضرورية نظرا لانتفاخات تسببت في التهابات جسيمة وأخذ مضادات حيّوية!! منذ متى والمجتمع يشتكي بهذه الصورة؟ ولماذا استشرت ظاهرة انتشار البعوض لدينا فجأة؟ وما أو من الذي نقله إلى بلاد ليست بزراعية ولا فيها أنهار ولا مستنقعات؟ قد يقول قائل إنه انتشر بعد معرض إكسبو للبستنة! أو بسبب مستنقع معيّن! ولكن انتشاره بهذه الكثافة ليس في قطر فحسب بل في معظم دول الخليج؟ قد سمعتم عن البعوض المطوّر والمعدّل جينيا.. لن ننساق وراء نظريّة المؤامرة ولكن هل يجوز للعالم المتطور الذي يجري بحوثه لتعديل البعوض وراثيا أن يعرّض البشر لمخاطر أخرى مضاعفة من نشره وقرصه ومرضه وتداعيات تطوراته وطفراته بموجب تجارب يبدو أننا بدأنا نخضع لنشرها في دولنا والدول الأفريقية دون علمنا وإرادتنا؟ يزعم من يطبق التجارب أنها طبقت أيضا في مناطقهم، ولكن ما نراه في دول الخليج في الآونة الأخيرة لا نراه في الدول التي رعت هذه التجارب، وزيارة واحدة لدول المصنّعين تكفي للحكم. ومن ثمّ لماذا تتزعم منظمة الصحة العالمية كل بلاء ووباء تحت غطاء إجراء البحوث صحّت أم لم تصحّ؟ وقد تتساءلون وما شأن منظمة الصحة؟ الإجابة أجابتها رويترز لا نحن.. فالمنظمة شجعت على الابتكار من أجل مكافحة زيكا، وهو فيروس ينتشر في الأمريكتين وينتقل من بعوض من جنس الزاعجة المصرية «إيديس إيجبتاي». نثمن للمنظمة دورها الصحي، فالابتكار وإيجاد الحلّ الوقائي أو العلاجي الناجع مهمّ جدّا، خصوصا وأن هذه الفيروسات الفتّاكة مميتة وتكافح باللقاحات المعروفة منذ سنين طويلة. ولكن في السنوات الأخيرة نصحت المنظّمة بالتفكير في أساليب مبتكرة، جاء منها إطلاق بكتيريا لوقف فقس بيض البعوض لمكافحة حمّى الضنك، وهو أهونها، ثمّ جاء الابتكار الأدهى وهو التدخل في الجينات بإطلاق بعوض معدل وراثيا وذكور عقيمة بتقنيات معالجة بالإشعاع كالأسلوب الكيميائي العلاجي الذي استخدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمكافحة الآفات الحشرية في قطاع الزراعة. نعم إشعاع!! من إنتاج الوكالة الدولية للطاقة الذرّية التابعة للأمم المتحدة.... دهى الله الأمم المتحدة ومنظماتها بداهية أكبر مما دهتنا به في حياتنا الإنسانيّة حربا وسلما! وللتدخل الجيني وإقناع العالم لا بد من حملة ضخمة فصرحت المنظمة بأن بعوض الزاعجة المصرية «خطر انتهازي شديد» لارتباطه بتزايد حالات صغر حجم رأس لدى المواليد المعروف بـ (الصعل) ومتلازمة (جيلان-باريه) العصبية وأمراض الحمّى الصفراء والضنك والتشيكونجونيا. وأضافت: «إنه إذا ثبتت هذه العلاقة فستكون العواقب الإنسانية والاجتماعية على أكثر من 30 دولة رصدت بها حالات زيكا مدمرة». انظروا إلى الجملة الشرطية والجواب الشرطي هنا هو في اللغة امتناع لامتناع... وليس امتناع لوجوب ولتسهيل الجملة لكم أي لم يحدث وإنما هو افتراض فـ (إذا ثبتت)... ستكون عواقبه.. إلخ؟؟؟؟ ولأنّه لم يثبت... لا بد من منهجيّة الدعاية الترويعيّة للبشر، حتّى يتمّ تعميم التطبيق على البعوض وهو حشرات طائرة لا يمكن احتواؤها في بيئة واحدة مغلقة أي قد تعمّ العالم كلّه بعد أن كانت محدودة في بيئاتها. فجاءت التجارب تباعا، فكانت خطوة رئيسة في مشروع مكافحة الملاريا الممول من مؤسسة بيل وميليندا غيتس. وما أدراك ما مشروعه؟ خصوصا وأننا جرّبنا مشاريعه في جائحة كورونا وغيرها مما ألجمت الأفواه عنه. كما تولّت شركة أوكسيتيك الفرع البريطاني لأنتريسكون الأمريكية للبيولوجيا التخليقية إنتاج سلالة تم تحويرها وراثيا لتهلك ذكور «أيديس إيجبتاي» قبل وقت التكاثر. ومنذ سنوات أعلنت الولايات المتحدة إطلاق أكثر من 2 مليار ذكر بعوض معدّل وراثياً في كاليفورنيا، وفي فلوريدا تم إطلاق 750 مليوناً منه بهدف تقليل اللادغ الناقل للأمراض. في هذا الصدد أيضا، إذا ثبت النجاح فسيجري إطلاق البعوض المعدّل في قرى أفريقية منكوبة بالملاريا. أعان الله أفريقيا على ناشري الأمراض فيها منذ الأزل؟ الشركات المعنية بالمشروع تقول إنه لن تكون هناك مخاطر على الإنسان أو البيئة!! كيف وتجربة مدينة تيرني في إيطاليا تفنّد أقوالهم؟ فتم فيها إطلاق بعوض لنشر طفرة جينية قاتلة لأبناء جنسه ليس عشوائيا بل في مختبر مغلق عالي الأمان بُني خصيصا لتقييمها في أقرب بيئة طبيعية لضمان عدم انتشاره والمخاطرة بالبيئة. منظّمة الصحّة أوصت بإجراء المزيد من التجارب الميدانية لهذه التقنية بعد تحقيق نتائج ناجحة. أين النتائج؟ وإذا سلّمنا أن معظم التجارب الغربية مدعومة حكوميا! فأي ثقة لدينا في الحكومات الغربية ومستثمري اللقاحات ومموليها وهي وهم شركاء في تلويث الكون لتحقيق الربحيّة؟ ولكي نحسن تحليل القضية بمنطقيّة يجب ألا نغفل أمرين: الأول: الموقف الشعبي الغربي حيث اعترضت جماعات البيئة من التعديل الوراثي للبعوض وحذّرت من عواقب غير مقصودة يمكنها تدمير البيئة والإنسان، تلك الوقفة التي أدّت إلى تعطيل المشروع وأخذه سنوات من النقاش. الثاني: ما هو معروف سياسيّا حيث تأتي النواقل المُعدّلة وراثياً أسلحة بيولوجيّة عابرة للحدود، وفيروس كورونا لا يزال أحد اتهامات الحرب البيولوجيّة بين أمريكا والصين. هذا والغرب قد استخدم هذه الأسلحة في الحروب فنشر أوبئة كالطاعون والجدري والكوليرا والجمرة الخبيثة وهي موثقة تاريخيا. وما زالت الاتهامات قائمة على أمريكا من روسيا حول معاملها البيولوجية في أوكرانيا كآلية لنشر أمراض في دول بعينها وانتشارها في العالم. الشعوب الغربية استنكرت سكوت الاتحاد الأوروبي على المستوى الرسمي عن معامل الأخيرة في أوكرانيا وصدح به النشطاء الغربيون، فهل نسكت نحن؟ ولنفكّر قليلا... أين وصل البعوض القارص؟ وما نوع المنتشر بيننا الآن وابتلينا به دون أن تؤثر فيه أكبر المبيدات ولا حتّى الأجهزة الفائقة التطور التي تمّ الترويج لها في قطر فاشتريناها بثمن باهظ ووضعناها في فناء منازلنا دون جدوى بل أثبتت فشلها.. فهل البعوض المنتشر المقاوم هو المعدّل وراثيا وجينيا؟ وكيف يدّعي المجرّبون أن التجارب على البعوض نجحت في تقليله ونحن نشهد ولأول مرّة في بلدنا انتشاره الكبير مع زيادة تداعياته على الصحّة بطفرة لم نشهدها في قطر من قبل والتي تجاوزت الحساسيّة إلى أعراض تستدعي لزوم المستشفى؟ فلم انتشرت طفرته وأمراضه التي لم تكن من قبل؟ وما ومن وراء هذا النشر وليس الانتشار في دول مدنيّة غنيّة ليست مائية أو زراعية؟ وما دور وزارة البيئة في قطر ومراكز البحوث البيئيّة؟ أين علماؤنا من هذه الظاهرة؟ وأين مراكز بحوثنا من البحوث المعمليّة البيئيّة والصحيّة على أنواع البعوض المنتشر طفرته، حجمه، لونه، مقاومته للمبيدات؟ والأعراض والأمراض الجديدة التي بدأ ينشرها؟ فهل شعوبهم واعون وباحثوهم مسخرون… وشعوبنا وباحثونا نائمون في العسل؟
10707
| 24 أبريل 2024