رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

1713

د. أحمد القديدي

حذار من الصدام بين الإسلام والغرب

12 مارس 2021 , 01:35ص

شهد هذا الأسبوع قرار الرئيس ماكرون فتح الأرشيف الفرنسي المتعلق بمرحلة استعمار بلاده للجزائر تبعا للتقرير الأولي الذي سلمه له المورخ (بنجامان ستورا) حول أسرار تلك المرحلة التي دامت 130 عاما من 1830 إلى 1961، وبذلك قام الرئيس بخطوة تتناسب مع ما كان صرح به في مايو2017 أثناء حملته الانتخابية من أنه يعتبر أن عقود استعمار فرنسا للجزائر لم تخل من جرائم ضد الإنسانية. وهذا القرار لا يكفي لأن الدولة الجزائرية ما فتئت تطالب باعتذار رسمي للجزائر عن تلك الجرائم وتوثيقها وتعويض الأضرار الناتجة عنها كما فعلت ألمانيا إزاء أوروبا وإزاء إسرائيل إلى اليوم.

 ثم جاءت زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق في وقتها المناسب لترمز كما قال قداسته إلى حتمية السلام بين الأديان السماوية في بلاد ما بين النهرين التي عانت أكثر من سواها حدة الصدام وتنازع البقاء لكل طرف بالقضاء على الآخر وفي العالم يطلق أغلب المراقبين للعلاقات المعقدة بين جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط هذه الأيام صرخات فزع وتحذيرات لأهل الضفتين حتى لا يستيقظ تنين التاريخ التصادمي بين الإسلام والغرب المسيحي، فالحروب الصليبية وحملاتها التسع مثلا وعصور الاستعمار الفرنسي للجزائر خلفت بعدها أساطير وأشباحا ورواسب في المخيال الشعبي هنا وهناك كما خلفت جراحا لم تندمل وظلت تنزف إلى اليوم! وأسباب هذا الفزع هو العودة المخيفة ليمين أوروبي عنصري شعبوي يحشر كل المسلمين في سلة واحدة من شبهة التطرف لأنه بعد جرائم إرهابية ارتكبها أشخاص منفلتون ومنحرفون في فرنسا لا يمتون للدين بأي علاقة هزت الرأي العام تمحورت كل الحياة السياسية في فرنسا حول ما سمي في سرديات السياسة والاعلام بالانفصالية الإسلامية عن قيم الجمهورية وأصبح الحزب الحاكم يتنافس مع الحزب اليميني المتطرف في كسب الأنصار استعدادا لانتخابات عام 2022، وقد برهن الحوار الثنائي منذ أسبوعين على القنوات الفضائية بين وزير الداخلية (دارماران) وبين زعيمة اليمين العنصري (مارين لوبان) على مزايدات بين هذا وتلك حين تسابقا لإطلاق الشعارات من أجل إقناع المخزون الانتخابي اليميني بأن حكومة الرئيس ماكرون تقوم بما يجب لمقاومة التطرف الإسلاموي وبأن السيدة (لوبان) لم تبلغ بعد درجة هذه المقاومة الرسمية الناجعة لمظاهر العنف والدعوة إليه في خطب بعض المساجد التي تم غلقها وطرد أئمتها ثم أعلن وزير الداخلية بأن المدارس وروضات الأطفال أصبحت تحت رقابة السلطة لتسهيل إدماج المواطنين من أصول مسلمة في المجتمع الفرنسي بقرار منع التعليم الديني الحر المستقل عن المدارس الحكومية نهائيا (المسلمة حصريا لا اليهودية أو الكاثوليكية)! الأزمة الأخيرة بين الضفتين بدأت مع مطالبة الحكومة الجزائرية الملحة للحكومة الفرنسية أن تصحح الذاكرة الوطنية الفرنسية بقول الحقائق حول جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر منذ حلول فرنسا في الجزائر عام 1830 إلى تاريخ جلائها عنها خاسرة مدحورة عام 1962 وهو ما استجاب له الرئيس ماكرون جزئيا وباحتشام حين كلف رسميا المؤرخ الفرنسي (بنجامان ستورا) بإعادة كتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، وحين قال إن المجاهد الجزائري المحامي بومنجل تم اغتياله تحت التعذيب في أوكار الجيش الاستعماري الفرنسي ولم ينتحر كما أعلن الجيش إبان الثورة الجزائرية وهكذا فإن الدول العربية المسلمة جنوب المتوسط تحتاج اليوم وعيا جديدا لتصحيح علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ودوله من أجل مقاربة اشمل لمعالجة قضايا الساعة التي في مقدمتها تصحيح التعاون الاقتصادي وعدم ربطه بالهيمنة الفرنسية الثقافية واللغوية ثم معالجة ملف الهجرة غير النظامية بأكثر عدلا، لأن اغلب الاتفاقيات التي وقعتها الدول المغاربية مع الاتحاد الأوروبي كرست عدم التكافؤ في الحقوق وعدم المساواة في حرية التنقل كما أنها لا تستجيب للتطلعات الشرعية لمواطنات ومواطني المغرب العربي في عدالة المعاملة، وتستوجب مراجعة المعايير المزدوجة للحقوق مراجعة شاملة تخرجنا من موقع “الحارس الأمين” و”المتعاون المثالي” و"التلميذ النجيب" إلى موقع الشريك على قاعدة تكريس الحقوق والحريات واحترام سيادة هذه الدول وكرامة مواطنيها.

 جاء هذا البيان على لسان منظمات حقوقية مغاربية ومن جهة أخرى تابعت حكما صادرا من قبل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ضد الدولة الإيطالية يدين ممارسات الشرطة ضد مواطنيها ومقيميها الذين لهم وجوه مغاربية أو أفريقية لمجرد لون بشرتهم المختلف وهو قرار محكمة يؤشر إلى العنف العنصري الاجتماعي الذي استقر في أوروبا كما أني أتفاعل مع وسائل الاتصال والصحف والفضائيات واكتشف أن صداما قادما بين الغرب والإسلام تمهد له بأجندات رهيبة لوبيات يمينية وصهيونية وهي التي توظف بعض عمليات إرهابية معزولة على خلفية دينية لتدفع الطبقة السياسية الأوروبية إلى استغلال معضلة الهجرة السرية من الجنوب للشمال لتحولها إلى ملف سياسوي وشعبوي توظفه كل الأحزاب الأوروبية في مرحلة الانتخابات الراهنة لكسب الأصوات وبالطبع فإن السبب الرئيس هو إستراتيجية الأحزاب التقليدية لقطع الطريق أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة والتي رفعت منذ نصف قرن شعارات وقف الهجرة وحسب تعبير بعضها “تطهير المجتمعات الأوروبية المسيحية من المسلمين” فالإسلام الذي هو الديانة الثانية عددا في أوروبا بعد المسيحية يعتبر في المخيال الشعبي البسيط في بلدان الاتحاد الأوروبي دخيلا بل وغازيا، لأن التاريخ المعقد بين أوروبا والعالم الإسلامي ترك في وجدان الأمة المسيحية آثارا من الأوهام والأساطير، استغلها الصليبيون الجدد للتلاعب بعقول الجماهير محدودة المعرفة وأوهموها بأن القارة الأوروبية مهددة بالغزو الإسلامي وهي اليوم شعارات حزب فرنسي يسمى (حركة الهوية) تعلن أن الإسلام هو رديف الإرهاب وصنو العنف وأن الهجرة السرية وحتى الجاليات المسلمة في أوروبا ما هي سوى حصان طروادة لغزو القارة الأوروبية وأسلمتها مع مرور الزمن! وهي مجرد سخافات ونوع من البعبع الوهمي لجلب الأصوات.

كاتب تونسي

[email protected]

مساحة إعلانية