رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

محمد جابر سلطان الجابر

مساحة إعلانية

مقالات

1557

محمد جابر سلطان الجابر

ظاهرة الهيكيكوموري من اليابان.. إلى العالم ( 2 )

16 مارس 2021 , 02:00ص

وهذه السمة أيضاً غالبة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي يعيش فيها الأبناء مع أسرهم في مرحلة شبابهم أو أكثر من ذلك، لكن الأمر مختلف عندنا هنا في الغالب بحكم الترابط الاجتماعي والأسري الذي تدعمه وتحيط بها عوامل العقيدة الإسلامية وتعاليمها السمحة من كون الأسرة رباطاً مقدساً وكياناً تحيط به روابط القربى وبر الوالدين، وصلة الرحم، والحب المتبادل بين الأبناء والآباء، وحيث ما تزال هذه الأخلاقيات حتى الآن صمام أمان وبر سلامة بعيدة عن مثل هذه الظاهرة التي تعصف بمجتمع كالمجتمع الياباني وغيره، لكن هذا لا يمنع من وجود بعض مثل هذه الحالات من حالات الهيكيكوموري في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وذلك أحياناً بسبب ضعف الوازع الديني، وأحياناً بالتربية المفرطة بالدلال الزائد للأبناء وأحياناً بالانفصال الأسري بين الزوجين كما في حالات الطلاق وانعكاساته على حياة الأبناء، وأحياناً أخرى باستعمال القسوة الزائدة والتدخل في حياة الأبناء بكل صغيرة وكبيرة بعيداً عن النصائح والإرشادات الأسرية الصحيحة، وأحياناً أيضاً بغياب الوعي الأسري، والتعاطي للمخدرات والمسكرات أحياناً أخرى.

إن الطبيب النفسي سايتوتاماكي أشار إلى أن الحل الأمثل حالياً لمثل هذه الظاهرة هو أن تقوم العائلة وأفراد الأسرة بصفتها خط الدعم والدفاع الأول للفرد المصاب بالتشاور وتلقي المشورة من طبيب نفسي وضرب مثلاً بقضية شاب يبلغ من العمر 21 سنة انعزل عن المجتمع لمدة خمس سنوات وبعد حضوره جلسات الإرشاد توقف والداه عن إعطائه النصائح أو التدخل على الإطلاق في توجيهه وإرشاده، بدأ هذا الشاب بالتحسن التدريجي في علاقاته الأسرية وبعد أربعة أشهر أصبح هذا الشاب ودوداً مع رفقائه، وبدأ في تلقي الدورات في مدرسة ثانوية بالمراسلة، كما حضر جميع دورات الفصول الدراسية وكانت علاقاته جيدة وحالته مستقرة الآن، مشدداً في نهاية المطاف على أهمية تطوير نقاط الاتصال مع مراكز التشاور الاجتماعي، ومراكز الصحة العقلية، والرعاية الاجتماعية أو مجموعات الدعم الخاص في حالة تعرض أبنائهم إلى مثل هذه الظاهرة، وعدم ترك هذه المشكلة تتفاقم طويلاً حتى تصل بهم الحال إلى الاكتئاب والخوف من الناس، والنوم نهاراً والسهر ليلاً وغيرها من الأسباب التي تتعلق بالصحة النفسية وحالاتها الأخرى.

وأخيراً يبقى في اعتقادي أن ظاهرة الهيكيكوموري هي إحدى الظواهر الاجتماعية القادمة ليست في اليابان وحدها فحسب بل إنها نتاج الانفتاح العالمي لجميع سكان الكرة الأرضية، بما أنه أصبح العالم اليوم بمختلف شعوبه وأممه كقرية واحدة بفضل التقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي وثورة عالم الاتصالات والسوشيال ميديا والتقدم الاجتماعي والصحي وغيره، وإلا كيف عرفنا الآن هذه الظاهرة وآفاق هذه المشكلة التي تعصف حالياً بالمجتمع الياباني الذي ما زلت أرفع له القبعة فيما وصل إليه من إبداعاته ومعجزاته الصناعية والتكنولوجية والتي نعرفها ويعرفها العالم جميعاً.

إن المشكلات والأزمات والظواهر التي تواجهها البشرية اليوم وآخرها كما نعلم جميعاً جائحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) والتي أصابت مجتمعاتنا وحضارتنا الإنسانية وعصفت فيها بالأزمات والمشكلات الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية وذلك لما فرضته علينا هذه الجائحة من تلك القيود الصارمة في مسألة العزلة الإجبارية، والحجر المنزلي، والانزواء بين جدران المنازل الأربعة، وما خلقته هذه الجائحة أيضاً من الأموات والوفيات في الأفراد والأسر، وحيث تشير التقديرات الحالية إلى ارتفاع حصيلة ضحايا فيروس كورونا (كوفيد – 19) حول العالم إلى أكثر من مليونين وثلاثمائة وأربعين ألف حالة وفاة فيما بلغ إجمالي المصابين منذ بدء تفشي الوباء إلى (106) ملايين (688) ألف إصابة حول العالم.

إن هذه الأرقام والإحصائيات التي خلقتها هذه الجائحة ستكون في اعتقادي واحدة من أكبر ما ستفجره في تفاقم ظاهرة الاكتئاب والمشكلات النفسية والعاطفية والاضطرابات العقلية والعزلة الاجتماعية وغيرها وستكون من أسباب بروز مثل هذه الظواهر كمثل ظاهرة (الهيكيكوموري) في داخل المجتمعات البشرية وعبر قاراته الخمس، وعلى العالم أن يستعد لها في المستقبل القريب القادم، فالجيل القادم هو جيل كورونا، وما بعد كورونا حتماً سيكون غير غير.

آخر الكلمات:

عزيزي القارئ سنكمل الأسبوع القادم سلسلة مقالات "الإنسانية بين الذكاء الاصطناعي والفطري" مقال رقم (12).

[email protected]

مساحة إعلانية