رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

محمد جابر سلطان الجابر

مساحة إعلانية

مقالات

1627

محمد جابر سلطان الجابر

الإنسانية بين الذكاء الاصطناعي والفطري (12)

23 مارس 2021 , 02:00ص

لقد كان خلق هذه المخلوقات مع امتداد المسيرة الإنسانية دافعاً للإنسانية لتستخدم ذكاءها الفطري في الوصول إلى الاختراع والابتكار، هذه المخلوقات بمثابة الروبوتات التي خلقها الله سبحانه وتعالى سبيلاً نحو كل ما يحقق للإنسانية المنافع والمصالح في الغاية من خلقها وتواجدها وتعايشها مع الانسان، وهو مصداق قوله "وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ* وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" الآية (7-8) سورة النحل.

هذه الفصيلة الحيوانية المذكورة خلقت من أجل ان تكون وسيلة التنقل والمواصلات عبر كل العصور، قبل اختراع الآلة البخارية، حيث ظلت هذه المخلوقات متلازمة مع الإنسانية عبر عصورها الغابرة والطويلة، وكانت وسيلة النقل والمواصلات الوحيدة التي تنقل الناس عبرها في المدن والامصار حتى استخدامها في حروبهم وغزواتهم وصراعهم من اجل البقاء والسيطرة، كما عبرت عنها الآيات الكريمة.

ومع بداية ظهور النضج العلمي والفكري في المسيرة الإنسانية، وبداية اختراع الآلة البخارية، وبدايات الثورة الصناعية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفي إنجلترا بالتحديد والى دول غرب أوروبا ثم الى جميع انحاء العالم، حيث تم صناعة واختراع اول سيارة حقيقية تعمل بالبنزين من قبل المخترع كارل بنز من ألمانيا ما بين 1885 - 1886.

وهكذا توالت الاختراعات في وسائل النقل والمواصلات من عالم صناعة السيارات، وعالم صناعة القطارات، وعالم صناعة السفن والبواخر العملاقة، وغيرها وغيرها، وهو مصداق قوله تعالى "وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"، في نهاية الآية الكريمة إشارة إلى الإنسانية التي استفادت من خلق هذه المخلوقات والأنعام لتطور ذكاءها الفطري في الوصول إلى عوالم الاختراع والإبداع والتطور في هذه الوسيلة الهامة، وهي وسيلة النقل والمواصلات وإلى ما اشرت اليه وذكرته سابقاً.

وكذلك أيضاً عندما نتأمل كيف استطاعت الإنسانية اكتشاف الطائرة وحب الطيران، وهذا التطور الهائل في علم الطيران واختراع الطائرات وكيف استطاعت الإنسانية الوصول إلى هذه المرحلة، هذه الطائرات العملاقة التي تقطع آلاف الأميال والمسافات يومياً، وتحمل البشر من المسافرين والأمتعة، وهذه الطائرات الحربية النفاثة التي تطير بأضعاف سرعة الصوت وتقوم بمهامها القتالية الحاسمة. وآخرها الطائرات المسيرة بدون طيار التي تطير وفق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لتقوم بمهامها في التجسس والقيام بخدمات الاستطلاع والاستكشاف وأحياناً بمهمات القصف والقتل والتدمير وغيرها. فإن اساسها في الأصل هذه الطيور التي تطير في السماء والتي عن طريقها استخدم الإنسان ذكاءه الفطري في التأمل والتفكر في كيفية هذا الطيران لهذه الطيور في انسيابية حركتها أثناء الطيران، وكيف أنها لا تسقط على الأرض.

انها الطيور، هذه المخلوقات أو قل الروبوتات المرسلة من قبل خالق الكون سبحانه وتعالى، روبوتات حية تطير حول الإنسان فوق رأسه وتشاركه مسكنه ودروبه ومزارعه وبره وبحره وجوه، مسخرة بنظام ديناميكي تطير برشاقة وتهبط بسلام، وتسعى في طلب رزقها وتغرد بأصواتها في منظومة بديعة، وذلك ما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله مخاطباً الإنسانية "أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَٰٓفَّٰتٍۢ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ" الآية 19 سورة الملك، وبقوله أيضاً سبحانه وتعالى في الآية الأخرى "وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم" الآية 38 سورة الأنعام، وبقوله سبحانه وتعالى أيضاً "أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" الآية 79 سورة النحل.

وبالنظر أيضاً إلى ذكر كلمة الطير أو الطيور فإنها ذكرت في القرآن الكريم في كثير من المواقع والآيات عبر مسيرة الإنسانية، وكانت رمزاً مرادفاً لكثير من أنبياء الله الذين أرسلهم الله للبشرية عبر مسيرتها كنبينا إبراهيم عليه السلام في مسألة إحياء الموتى بذبح أربعة أنواع من الطير، ثم إعجاز احيائهن أمام عينيه، ونبينا عيسى ابن مريم في مسألة خلق هيئة طير من الطين فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكذلك نبينا داود عليه السلام وتسخير الطير من بعده لابنه نبينا سليمان عليه السلام، والذي علمه الله سبحانه وتعالى منطق الطير وأشهرها قصة الهدهد مع نبينا سليمان عليه السلام، وهو الطائر المرسل إلى ملكة سبأ في القصة القرآنية المشهورة. وآخرها قصة أصحاب الفيل والذين أرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، وهي القصة المشهورة في قرآننا الكريم من سورة الفيل نحن المسلمين والتي هي أشبه اليوم بالطائرات المسيرة بدون طيار، حيث كانت مهمة هذه الطيور المرسلة من قبل الله منع جيش الحبشة وقائدهم أبرهة الأشرم من الوصول إلى بيت الله الكعبة المشرفة لهدمها وتدميرها، وكيف استطاعت هذه الطيور دحر ومنع أصحاب الفيل من الوصول، وذلك عبر معجزة إلهية سخرها خالقها سبحانه وتعالى وحكمة الهية أودعها فيها لكي توقف أصحاب الفيل عن أهدافهم ومبتغاهم، وذلك السر في اعتقادي هو تجليات المعجزة الإلهية في التطور والإبداع للذكاء الفطري لهذه الطيور للقيام بمهمتها وفق الإرادة الالهية والتي لا نعرف سرها حتى الآن.

وللمقال بقية الأسبوع المقبل

[email protected]

مساحة إعلانية