رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

إبراهيم فلامرزي

 كاتِـبٌ وَإِعْـلاميٌّ قَـطَـرِيٌّ

مساحة إعلانية

مقالات

7141

إبراهيم فلامرزي

الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

27 أبريل 2021 , 04:00ص

عند قراءة التاريخ، تكون فيه شخصيات لا حدود لتواجدها الزمني؛ إذ تُذكَرُ في كل العصور مُحاطةً بالإجلال والمحبة، كالفاروق، رضي الله عنه. والسؤال هو: لماذا يذكر المسلمون الفاروق؟ وما سر محبتهم له؟، وتكون الإجابة صحيحةً إن قيل إنه من الصحابة، أو إنه من الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم، لكنها ليست كافيةً؛ لأن ذِكْرَهُ طاغٍ، والاستدلالَ به كثيرٌ، فكأنه حاضرٌ بين الناس، أو كأنهم ينتظرون قدومه وهم يتحدثون عنه. وهذا الأمر ليس غريباً، فمعظم شعوبنا تحلم بالعدالة السياسية والاجتماعية، وبكرامة الإسلام ونُبل العروبة، وسواها من أمور تفتقدها في ظلال الاستبداد والقمع والتهميش والمتاجرة بقضايانا العادلة في سوق النخاسة السياسية، مما يجعلها تلتف حول قامةٍ تاريخيةٍ قباديةٍ شامخةٍ حققت ذلك، كلَّه، كالخليفة العادل عمر، رضي الله عنه.

لننظر بعيون قلوبنا إلى السنة السادسة للبعثة النبوية، حين كان المسلمون مستضعفين في مكة المكرمة، يحيط بهم المشركون، ويؤذونهم أذى عظيماً، ونرى الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، يدعو الله تعالى قائلاً: (اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّاب)، فكانت إجابةُ الدعاء هي إسلامُ عمر، الذي كان بداية لإعلان المسلمين إيمانهم، والجَهْرِ به دون خوفٍ من المشركين، فسماه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالفاروق، لأن إسلامه فرَّقَ بين الحق والباطل، وأعزَّ الله به دينه الحنيف.

ولننتقل إلى المدينة المنورة، في عهد خلافة عمر، ونتابع الرجل الكهل، طويل القامة، الذي كانت الدولة الوليدة التي يقودها تدك حصون طغيان أعظم إمبراطوريتين في زمانه: الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية، ونراه يمشي في شوارع المدينة ليلاً، وإذ به يسمع بكاء صِبْيَةٍ جياعٍ تغلي لهم أمهم الماء لتُوهمهم بأنه طعام، فيتصدَّعُ قلبه خوفاً من الله، وحناناً بهؤلاء المساكين، شفقةً عليهم، فيهرع إلى بيت المال ليُحضر لهم طعاماً، ويطبخه لهم. ثم تكون هذه الحادثة بدايةً لأمرٍ عظيمٍ هو بمفاهيم عصرنا، حق الشعب كلِّهِ في أن ينال نصيبه من المال العام للدولة، وأن الحاكم مؤتمنٌ على هذا المال، وليس مالكاً له.

وننظر، الآن، إلى القدس الشريف في السنة السادسة عشرة للهجرة، وقد اجتمع قساوستها ورُهبانها والنصارى من أهلها ينتظرون دخول خليفة المسلمين إليها، وهم مطمئنون إلى عدالته. ثم نرى الفاروق، رضي الله عنه، يدخلها وكأنه واحدٌ من عامة المسلمين، رغم أن اسمه، وحده، كان يُزلزل قلوب قادة أعظم دول الاستبداد في عصره، فيعطي النصارى الضمانات على حريتهم المدنية والدينية، فيما عُرفَ تاريخياً بالعُهدة العُمرية التي لو قرأناها بدقةٍ فستبكي قلوبنا على القدس وقد سيطر عليها واستباحها الذين نصَّت العُهدة على أن لا يدخلوها.

أما المنظر الأخير الذي سنراه بعيون قلوبنا، فهو اجتماع المسلمين في المسجد النبوي لصلاة الفجر، في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة من السنة الثالثة والعشرين للهجرة، يؤمُّهم الفاروق الذي لم يكد يُكبِّرُ للصلاة حتى عاجله أبو لؤلؤة المجوسي بطعنتين من خنجرٍ ذي نَصلين، إحداهما في عنقه، والأخرى في خاصرته، فقال {وَكَانَ أَمرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقدُوراً}. ومرت أيامٌ على الجريمة قبل وفاة الفاروق، وهو مستبشر بشهادته، وقُرب لقائه بالمصطفى، صلى الله عليه وسلم، ثم يتذكر مسؤولياته الجسام في خلافته، فيضع وجهه على التراب، وتتحدر دموعه من خشية الله، ويقول: "ويلٌ لعمرَ، ويلٌ لعمرَ، إنْ لم يغفرْ له ربُّه غداً".

عند الاطلاع على تاريخنا، فسنجد أن معجزة الإسراء والمعراج كانت إلى ومن المسجد الأقصى في القدس، في شهر رجب من السنة العاشرة قبل الهجرة، وفتح المسلمون القدس ودخلوها، بقيادة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في شهر رجب من السنة السادسة عشرة للهجرة، وحررها صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله، من الصليبيين في شهر رجب من سنة 583 للهجرة، فكأننا، دائماً، على موعد مع حَدَثٍ عظيمٍ في هذا الشهر. أما الأمر اللافت للنظر في الهجمات التي يقوم بها بعض المحسوبين على أمتنا، فهو ارتكازها على إنكار معجزة الإسراء والمعراج، وتشويه سيرة عمر وصلاح الدين، مما يجعلنا نزداد يقيناً بأن استهداف عقيدتنا وقادتنا العظام لا هدف من ورائه إلا محو القدس وفلسطين من التاريخ.

كاتِـب وَإِعْـلامي قَـطَـرِى

[email protected]

مساحة إعلانية