رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

5191

د. أحمد القديدي

دروس مانديلا للعرب ليتهم عملوا بها

27 أغسطس 2021 , 01:30ص

عندما نرى مظاهر التخبط في بعض بلدان العرب التي اعتقدت شعوبها أنها تخلصت من الفوضى والاستبداد وأنها دخلت نادي الحريات والديمقراطية نتذكر -بعد فوات الأوان- نصائح زعيم إفريقي كبير أسداها للعرب في حينها (سنة 2011) ولم يعملوا بها. فمنذ عشرة أعوام بالضبط وتحديدا يوم الثلاثاء 09 أغسطس 2011 أخذ الزعيم نيلسون مانديلا قلمه وأهدى للعرب باقة من الحكم والنصائح رغم سنه المتقدمة ومشاغله العديدة. فقد كان يستجيب لنداء وجداني هتف به ضميره عندما وردت عليه أنباء ما يسمى الربيع العربي وتيقن بحدسه القوي أن هذه الانتفاضات العربية مهددة بالإجهاض، لأنه أدرك مدى انحراف قادتها الذين عوضوا الأنظمة المخلوعة ومستوى الأخطاء التي وقعوا فيها حين فتحوا أبواب الانتقام واعتقدوا أن التاريخ يبدأ من يوم تنصيبهم، وأن ما كان قبلهم لم يكن سوى خراب ويباب. تكلم الزعيم مانديلا بلسان التجربة والحنكة والنجاح في منهجه، حيث اختار طريق الوفاق والمصالحة حين عين رجل الكنيسة الأب (ديسموند توتو) على رأس لجنة (العدالة والحقيقة) غايتها طي الصفحة وتدشين عهد جديد لا يلغي مواطنيه البيض ولا يعلي عليهم السود، إنما أقر أن لكل مواطن كرامة وحقوقا وصوتا في الانتخابات. ونعلم بعد ذلك أن جنوب إفريقيا استعادت منزلتها المتقدمة في المحافل الدولية وعاشت فترات طويلة من الأمن الأهلي والسلام المدني. وأراد مانديلا ألا يقع الحكام العرب الذين أتت بهم هذه الثورات في مطبات الإقصاء والتفكير في بناء دولة على لا شيء، ولكن لا حياة لمن تنادي حتى بلغت أغلبية من شعوب العرب درجة الترحم على الطغاة، والكفر بالتغيير، وربما الاستعداد لهزات أخرى تقوض الباقي من المكاسب مثلما رأينا تفكك مؤسسات الدولة في أغلب بلدان الربيع، فيكاد يقنط من حلها أكثرنا تفاؤلا.

وللتذكير نعيد للأذهان بعض فقرات من نصائح الرجل الحكيم كتب مانديلا للعرب فقال: "أعتذر أولاً عن الخوض في شؤونكم الخاصة وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما لا ينبغي أن يقحم فيه، لكني أحسست أن واجب النصح أولاً والوفاء ثانيًا لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع التمييز العنصري يحتمان علي رد الجميل، وإن بإبداء رأي محّصته التجارب وعجنتْه الأيامُ وأنضجته السجون". ثم يعيد الزعيم الكبير التذكير بالمنعرج الحاسم والمفصلي الذي دفعه في طريق الوفاق الوطني فيكتب: "أحبتي ثوار العرب مازلت أذكر ذلك اليوم بوضوح كان يومًا مشمسًا من أيام كيب تاون خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه 27 سنة من العمرخرجت إلى الدنيا بعدما وُورِيتُ عنها سبعة وعشرين عامًا، لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد، ورغم أن اللحظة أمام سجن (فكتور فستر) كانت كثيفة على المستوى الشخصي إذ سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها كان هو: "كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلاً؟ هكذا تساءل مانديلا في أواخر الثمانينيات، وهنا لابد أن نسجل أن هذا السؤال الجوهري هو الذي طرحته الأحداث الجسام التي عاشتها بلدان الربيع العربي سنة 2011.

ويواصل مانديلا نصيحته بوعي شديد باللحظة التاريخية العربية فيقول: "أكاد أحس أن هذا السؤال هوما يقلقكم اليوم لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عنه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم، لأن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم، فالهدم فعل سهل لأن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل". ويضيف مانديلا: "أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في وسائل إعلامكم تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع الأنظمة السابقة وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء. كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلى استثناء كل من كانت له صلة قريبة أوبعيدة بالأنظمة السابقة. أنا أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة، فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج، فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن إنها سياسة تجرع المر لكنها ناجحة". هكذا أنهى الزعيم الراحل نصائحه الحكيمة للعرب، ولكن العرب يبدو أنهم لم يعملوا بها، بل أدهى وأمر، لم يقرأوها في دوامة فتنة السلطة، فهل بينهم رجل رشيد يتدارك المراكب العربية قبل الغرق؟

مساحة إعلانية