رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. أحمد الفرجابي

داعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية

مساحة إعلانية

مقالات

3321

د. أحمد الفرجابي

الهديفي (رحمه الله) كما عرفته (2 – 5)

19 أكتوبر 2021 , 03:00ص

رجال الأمن الناجحون لهم علامات تميزهم، مثل سرعة البديهة والشجاعة والانضباط والقوة والنشاط والالتزام بالمهمة وغيرها من الصفات، وأحسب أن تلك الملكات توفرت في فقيدنا الهديفي - رحمه الله - وكل من عاصروه سوف يشهدون له بذلك.

وقد زاد الهديفي على ذلك بما وهبه الله من هيبة وقوة شخصية وروح عملية، فكثيراً ما كان يصلي الفجر باللباس العسكري، ثم ينطلق ليتفقد الوحدات العسكرية هنا أو هناك، وربما يفاجأ به رجال المطافئ وقد سبقهم إلى مكان الحريق، وكان سريع البديهة ذكياً في تقييم الأحداث والأشخاص مع ذاكرة حديدية تحفظ ما حصل منذ سنوات، وكثيراً ما جادل مرؤوسيه في شأن بعض ما حصل قبل سنوات وتحصل المفاجأة بأن ما ذكره هو الصواب في دقة متناهية وحفظ للأرقام والتواريخ.

وجمع إلى كل ذلك الشجاعة في اتخاذ القرارات، ونال ثقة القيادة الرشيدة في كل المراحل والمناصب التي تولاها، حتى وجد التكريم الذي توجه سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل أولو الفضل.

والقائد الناجح يؤثر على من حوله ويخرج قيادات للمستقبل، وهذا ما حرص عليه الهديفي – رحمه الله - الذي كان يراقب جنوده لدرجة أنه كان يختار الصعود بالدرج بدلاً من المصعد حتى ينظر في نظافة الدرج وربما فاجأ الهاربين من الحصص والمحاضرات.

وتميز الهديفي – رحمه الله - كقائد برعايته للجوانب الاجتماعية مشاركاً لأبناء وطنه في أفراحهم وأتراحهم، مقدراً للحظات الضعف التي تحصل لهم.

ورغم ما كان يبدو عليه من الشدة فإنها كانت تخفي رحمةً شعر بها كل من تعامل معه، وكان إذا اشتد على شخص لا يبيت ليلة دون أن يمازحه أو يلاطفه، بل كان يقول "ليش تجعلني افعل معك كذا وكذا"، بل ربما عالج تلك القسوة بحلوى أو فواكه يرسلها لمن شعر أنه قسا عليه.

وأزعم أن جدية الرجل خرَّجت رجالاً أشداء قمةً في الانضباط والكفاءة، وقد كان حريصاً على التأهيل العلمي والعملي، وقد جلب لأجل ذلك مختصين أفذاذاً من بلاد شتى، وكان العنصر الجامع لكل تلك الكوادر هو الحرص على الصلاة، فكان الجميع يشاركنا في الصلاة والخير.

ومن طرائف ما حصل معي أنني قلت مرةً لبعض العاملين في مكتبه: الذي يعمل مع الوالد ويصبر على ضغوط العمل معه وجديَّة الوالد رحمه الله يمكنه بعد ذلك أن يكون رئيساً لأي بلد، وذلك لكثرة التكاليف وحرصه على الجودة مع السرعة، وقد بلغوه كلماتي فضحك وقال: أنت قلت كذا.

فرحم الله فقيد قطر والأمة وجزاه الله خيراً على ما قدم، وأرجو أن يدرس هذا النموذج لكل منسوبي وزارة الداخلية، ولكل الراغبين في النجاح والتطوير، فمسؤولية الأمن كبيرة، وهي بحاجة لقدوات تتكلم عندهم الأفعال قبل الأقوال ويتحقق فيهم الولاء لقيادتهم والانتماء لأوطانهم والوفاء لأهلهم.

لقد كانت تلك السنوات مفيدة لي ولكل من عاشوا تلك الفترة، وأعتبر نفسي شاهداً على عصر التميز الذي شكل قاعدة لنجاحات تتابعت بتوفيق الله ثم بحرص القيادة الرشيدة على تقدير الجهود والجنود والموظفين وفتح الأبواب لرواد الإبداع.

وبعد سنتين ونصف السنة تم نقلي بتوجيهٍ منه إلى معهد تدريب الشرطة، ومكثت هناك فترةً في صحبة أجيال تتابع في خدمة الوطن، وتتابع على قيادة المعهد رجال أكفاء منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال يواصل القيام بدوره في البناء، وأهل قطر يَأْلفون وَيُؤلفون والخير في من يَألف ويُؤلف.

رحم الله والدنا الهديفي ورحم كل من أخلص في خدمة وطنه وأمنه.

 

مساحة إعلانية