رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

جعفر عباس

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

7273

جعفر عباس

البكالوريوس ليس فرض عين

09 نوفمبر 2021 , 03:00ص

أعتقد ان معظم الناس في عالمنا المعاصر باتوا مدركين إلى أن أهم خدمتين في حياتهم هما التعليم والصحة، وأن التعليم مقدَّم، فلا صحة بدون تعليم جيد، وأعني بالتعليم اكتساب المعارف التي تفتح الذهن والأفق، فالتعليم في تقديري هو مفتاح الصحة النفسية والجسدية والعقلية وهو الذي يفتح مغارة علي بابا، أي الطريق الى المستقبل، وعندما تتكلم الحكومات عن التنمية البشرية فإنها تعني في الأساس توفير تعليم عالي الجودة للأجيال الصاعدة، واستحضر على الدوام واقعة بطلها البروفيسور البريطاني لورد روبرت ونستون الذي أعلن أنه لا يختار خريجي الجامعات من حاملي مرتبة الشرف العليا للعمل في المختبر الطبي الذي يديره، بل يفضل عليهم من يحملون درجات جامعية بتقديرات دون «ممتاز»، وبرر ذلك بأن هذه الفئة من الخريجين (حاملة تقدير ممتاز) تقضي سنوات الجامعة معزولة عن المجتمع الجامعي والخارجي، ومنكبة فقط على الكتب والموارد الأكاديمية الأخرى، وبالتالي تكون عاجزة عن التأقلم في بيئات العمل التي تتطلب قدرا من «اللحلحة» والروح الاجتماعية الضرورية للعمل ضمن فريق متكامل يسند فيه كل عضو بقية الأفراد، وكتبت مرارا مستندا الى تجربتي كمعلم سابق وأب، مشيرا إلى أن الضغط العائلي على الطلاب ليحرزوا نتائج أكاديمية عالية، قد يعود في غالب الأحوال بنتائج عكسية، فالإنسان حتى نهاية المرحلة الابتدائية طفل/ صبي، أي في سن يكون فيها ميّالا للعب والمرح، ومن الطبيعي أن يؤدي حرمانه من الممارسات الطفولية المعتادة إلى نفوره من الكتب والدفاتر، ومن ثم فإن مناهج التعليم في الدول الغربية تجعل اللعب أداة أساسية في العملية التعليمية، وفي المرحلتين المتوسطة والثانوية يكون الإنسان مراهقا، وهي سن الاستكشاف واثبات الذات والتمرد بدرجة أو أخرى على قواعد السلوك المتعارف عليها في المجتمع، وبالتالي فالإرغام على الدراسة والمذاكرة بأسلوب الصراخ والأوامر السلطانية، لن يأتي بالنتيجة المرجوة، لأنه من السهل على الطالب استهبال أولياء الأمر وتصنع الامتثال للزجر: سأغلق باب الغرفة لأذاكر من الساعة الرابعة حتى العاشرة.. أرجو عدم الإزعاج... ويفرح لذلك السلطان والسلطانة المنزليان (الوالدان)، وبعد نحو ساعة: ممكن ثلاثة سندويتشات وشاي وقهوة وعصير.. بكل سرور يا ولد يا شطور.. ويكون الولد جالسا في الغرفة وعلى يمينه كتاب الفيزياء وعلى يساره أطلس، وبينهما اللابتوب وهو منهمك لتحسين أحوال «المزرعة» الافتراضية (المزرعة هذه لعلم أولياء الأمور الذين لم يدخلوا بعد شبكة القرن الحادي والعشرين كانت وربما لا تزال لعبة واسعة الرواج على الإنترنت، وهي في منتهى البراءة يمارسها الملايين ولكنها تؤدي الى الإدمان، وبالمناسبة فإنني وكلما تلقيت دعوة من أحد أصدقائي الفيسبوكيين بالمشاركة في المزرعة أقوم بشطبه ووقف التواصل معه، ليس لأنني ضد فكرة اللعب ولكن لأن مجرد صدور الدعوة تعني أن من أرسلها يعتقد أنني فائق ورائق وما وراي شي، بينما أحس في واقع الأمر أنني تورطت بإنشاء حساب في فيسبوك لأنني مطالب بالتواصل المنتظم مع القراء الأصدقاء، ولا تسمح ظروفي بذلك كثيرا فيعتبرونني متعاليا عليهم). المهم ان الطالب المستهبل يقضي الساعات الطوال ليضمن نجاح مشروعه الزراعي بينما أهله يحسبون أنه يعمل على النجاح الأكاديمي، وقد طلب سندويتشات ثلاثة ليضمن لنفسه خلوة طويلة وزادا يكفيه لرحلات يعرج فيها على فيسبوك وتويتر ويمارس الشتشتة (الشات/الدردشة) مع الأصحاب.

وأقول للمرة الألف بعد المائة إن من أهم القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته: ماذا أدرس في الجامعة وبمن أتزوج، فالشهادة الجامعية (البكالوريوس) هي أفضل جواز مرور لدخول الحياة العملية، ولكن وفي السنوات الأخيرة صارت معظم البكالوريوسات عديمة الفائدة مثل الكلينكس المستعمل، ففرص العمل تضيق سنة بعد أخرى، ويصبح صاحب الماجستير أعلى قيمة من حامل البكالوريوس وحامل الدكتوراه أعلى قيمة من أبو ماجستير في سوق العمل، ومع هذا فإنني أقول إن البكالريوس ليس فرضا أو سُنّة بمقاييس الأمور الدنيوية بل «مستحب». معظم قادة الجيوش والشرطة في العالم لم يتلقوا تعليما جامعيا، ومع هذا فإن المعارف الأكاديمية والمهارات المهنية التي يكتسبها الضابط خلال تدرجه في العمل في القوات النظامية لا تتوفر في معظم التخصصات الجامعية، ففي الجامعة تخرج متخصصا في مادة معينة ولكنك لن تكون ضابطا ناجحا ما لم تكن متعدد المعارف، ومعلوم ان رواتب ومزايا خدمة القوات النظامية ضخمة، لأن الترقي العسكري يأتي بعد «تلتلة وبهدلة».

[email protected]

مساحة إعلانية