رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أعتقد ان معظم الناس في عالمنا المعاصر باتوا مدركين إلى أن أهم خدمتين في حياتهم هما التعليم والصحة، وأن التعليم مقدَّم، فلا صحة بدون تعليم جيد، وأعني بالتعليم اكتساب المعارف التي تفتح الذهن والأفق، فالتعليم في تقديري هو مفتاح الصحة النفسية والجسدية والعقلية وهو الذي يفتح مغارة علي بابا، أي الطريق الى المستقبل، وعندما تتكلم الحكومات عن التنمية البشرية فإنها تعني في الأساس توفير تعليم عالي الجودة للأجيال الصاعدة، واستحضر على الدوام واقعة بطلها البروفيسور البريطاني لورد روبرت ونستون الذي أعلن أنه لا يختار خريجي الجامعات من حاملي مرتبة الشرف العليا للعمل في المختبر الطبي الذي يديره، بل يفضل عليهم من يحملون درجات جامعية بتقديرات دون «ممتاز»، وبرر ذلك بأن هذه الفئة من الخريجين (حاملة تقدير ممتاز) تقضي سنوات الجامعة معزولة عن المجتمع الجامعي والخارجي، ومنكبة فقط على الكتب والموارد الأكاديمية الأخرى، وبالتالي تكون عاجزة عن التأقلم في بيئات العمل التي تتطلب قدرا من «اللحلحة» والروح الاجتماعية الضرورية للعمل ضمن فريق متكامل يسند فيه كل عضو بقية الأفراد، وكتبت مرارا مستندا الى تجربتي كمعلم سابق وأب، مشيرا إلى أن الضغط العائلي على الطلاب ليحرزوا نتائج أكاديمية عالية، قد يعود في غالب الأحوال بنتائج عكسية، فالإنسان حتى نهاية المرحلة الابتدائية طفل/ صبي، أي في سن يكون فيها ميّالا للعب والمرح، ومن الطبيعي أن يؤدي حرمانه من الممارسات الطفولية المعتادة إلى نفوره من الكتب والدفاتر، ومن ثم فإن مناهج التعليم في الدول الغربية تجعل اللعب أداة أساسية في العملية التعليمية، وفي المرحلتين المتوسطة والثانوية يكون الإنسان مراهقا، وهي سن الاستكشاف واثبات الذات والتمرد بدرجة أو أخرى على قواعد السلوك المتعارف عليها في المجتمع، وبالتالي فالإرغام على الدراسة والمذاكرة بأسلوب الصراخ والأوامر السلطانية، لن يأتي بالنتيجة المرجوة، لأنه من السهل على الطالب استهبال أولياء الأمر وتصنع الامتثال للزجر: سأغلق باب الغرفة لأذاكر من الساعة الرابعة حتى العاشرة.. أرجو عدم الإزعاج... ويفرح لذلك السلطان والسلطانة المنزليان (الوالدان)، وبعد نحو ساعة: ممكن ثلاثة سندويتشات وشاي وقهوة وعصير.. بكل سرور يا ولد يا شطور.. ويكون الولد جالسا في الغرفة وعلى يمينه كتاب الفيزياء وعلى يساره أطلس، وبينهما اللابتوب وهو منهمك لتحسين أحوال «المزرعة» الافتراضية (المزرعة هذه لعلم أولياء الأمور الذين لم يدخلوا بعد شبكة القرن الحادي والعشرين كانت وربما لا تزال لعبة واسعة الرواج على الإنترنت، وهي في منتهى البراءة يمارسها الملايين ولكنها تؤدي الى الإدمان، وبالمناسبة فإنني وكلما تلقيت دعوة من أحد أصدقائي الفيسبوكيين بالمشاركة في المزرعة أقوم بشطبه ووقف التواصل معه، ليس لأنني ضد فكرة اللعب ولكن لأن مجرد صدور الدعوة تعني أن من أرسلها يعتقد أنني فائق ورائق وما وراي شي، بينما أحس في واقع الأمر أنني تورطت بإنشاء حساب في فيسبوك لأنني مطالب بالتواصل المنتظم مع القراء الأصدقاء، ولا تسمح ظروفي بذلك كثيرا فيعتبرونني متعاليا عليهم). المهم ان الطالب المستهبل يقضي الساعات الطوال ليضمن نجاح مشروعه الزراعي بينما أهله يحسبون أنه يعمل على النجاح الأكاديمي، وقد طلب سندويتشات ثلاثة ليضمن لنفسه خلوة طويلة وزادا يكفيه لرحلات يعرج فيها على فيسبوك وتويتر ويمارس الشتشتة (الشات/الدردشة) مع الأصحاب.
وأقول للمرة الألف بعد المائة إن من أهم القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته: ماذا أدرس في الجامعة وبمن أتزوج، فالشهادة الجامعية (البكالوريوس) هي أفضل جواز مرور لدخول الحياة العملية، ولكن وفي السنوات الأخيرة صارت معظم البكالوريوسات عديمة الفائدة مثل الكلينكس المستعمل، ففرص العمل تضيق سنة بعد أخرى، ويصبح صاحب الماجستير أعلى قيمة من حامل البكالوريوس وحامل الدكتوراه أعلى قيمة من أبو ماجستير في سوق العمل، ومع هذا فإنني أقول إن البكالريوس ليس فرضا أو سُنّة بمقاييس الأمور الدنيوية بل «مستحب». معظم قادة الجيوش والشرطة في العالم لم يتلقوا تعليما جامعيا، ومع هذا فإن المعارف الأكاديمية والمهارات المهنية التي يكتسبها الضابط خلال تدرجه في العمل في القوات النظامية لا تتوفر في معظم التخصصات الجامعية، ففي الجامعة تخرج متخصصا في مادة معينة ولكنك لن تكون ضابطا ناجحا ما لم تكن متعدد المعارف، ومعلوم ان رواتب ومزايا خدمة القوات النظامية ضخمة، لأن الترقي العسكري يأتي بعد «تلتلة وبهدلة».
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من فيتنام وأمريكا تنقض غزلها، بعد حرب أمريكا على العراق اتضح أن أمريكا ناقضة الغزل، فقد بنت غزلها منذ الحرب العالمية الثانية، فنسجت منظمات الأمم المتحدة وقوانينها الليبرالية، من حقوق الإنسان والديمقراطية وحق التعبير وحق الرأي، وعدم شرعية التعذيب والوصاية على الحقوق المدنية، ومحاربة العنصرية وتجريم جرائم الحرب ووضع التشريعات لمعاقبة الإبادة الجماعية وإنشاء المحاكم الدولية والأممية، وبدا أن أمريكا تهيمن من خلال أعلى المبادئ الإنسانية وثمرة التجربة الإنسانية، فرضخ العالم لهذا القادم الجديد وذي الروح الإنسانية والسلوك الراقي، والعلم الوفير والإدارة الحكيمة والتقدم العلمي والتقني، وقدم للإنسانية المعارف والتقنيات من أجهزة التكييف إلى السيارات والطائرات والفاكس والإنترنت والشبكات الاجتماعية وكذلك الممارسات الحديثة، والمؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، لكن في حربه على العراق بدون مبرر إلا من مطامع النفوذ والهيمنة الامبراطورية، نقضت أمريكا الغزل فكذبت على الأمم المتحدة من أجل الحصول على إذن لمهاجمة العراق، فلما تم الرفض، نقضت العهود وعزمت على مخالفة أمر الأمم المتحدة والقانون الدولي فكان بداية النقض لما تم نسجه، نقضت العهود أمام العالم ففقدت المصداقية وتتالت تجاوزاتها من قتل للمدنيين والتعذيب في أبو غريب وغوانتانامو بيي وبقرام، واستمرت سلوكيات النقض، حتى جاءت حرب أوكرانيا وتدابيرها في استفزاز روسيا من أجل إدخال الناتو في حرب معها لضمان استمرار أوروبا حليفا وداعما لأمن أمريكا، فقطعت إمدادات الطاقة عن أوروبا وحشّدتها لمواجهة روسيا، فجاء طوفان الأقصى ليقلب كل المعايير والمصفوفة الذهنية التي اعتمدت على النظام العالمي المشيّد والمقبول عالميا، بدّد طوفان الأقصى الصور الذهنية المبنية في المخيلة العالمية، من صورة أجهزة المخابرات الفذة الناجحة والجيوش التي لا تهزم إلى من هم أصحاب النفوذ والهيمنة العالمية، تهاوت الهياكل والبنى من حولنا، فتضاءلت القوى العظمى أمام باب المندب، وتساقطت أصنام الماضي من الموساد وشين بيت وأمان وسي آي أي و د آي أي ومثيلاتها أمام غزة المقاومة، وتفككت السردية الغربية الاستعمارية أمام الواقع وانتشار تقنيات الحاضر، فتهاوت المؤسسات الإعلامية الكبرى من سي إن إن إلى وول ستريت إلى الواشنطن بوست، بدا غزل أمريكا في حالة تناقض تداعت لها المؤسسات وبلغ الأمر ذروته بدخول الجامعات على خط المظاهرات حماية لأسس الغزل حق التعبير وحق التظاهر خاصة في حرم الجامعات، بدت أن أمريكا أصبحت دولة دكتاتورية، وكذلك أوروبا في منع التظاهر، وتحولت المواجهة من وقف لحرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار على القطاع، إلى موضوع يمس الذات ويمس كل ما هو أمريكي من دفع ضرائب تسرب لإسرائيل وتنعم بها إسرائيل إلى استخدام تلك الأموال في حرب الإبادة، فخرج الأمريكان للتعبير عن رأيهم فتم قمعهم كما تم قمع الشعوب الأوروبية، هنا لم يعد الأمر مجرد حرب إبادة باسم أمريكا والغرب بل هو هجوم على كل ما غزل في الثقافة الأمريكية والأوروبية والغرب والثقافة الغربية، التي كان باسمها شنت حروب وتكونت أحلاف لحماية تلك الثقافة من ديمقراطية وحرية، لقد نقضت أمريكا غزلها، واستحقت ناقضة الغزل أن تكون تلك نهاية عصر الهيمنة الأمريكية والغربية، فلم تعد هناك ثقافة يدافع عنها أو مواقف أخلاقية يمكن البناء عليها، لقد حان الوقت للعالم لإعادة بناء النظام العالمي، فلم تعد أمريكا ولا أوروبا حامية للإرث الإنساني والنظام العالمي، فلا بد من تدخل العالم وشعوب العالم كما نرى أمامنا على الشاشات والشبكات الاجتماعية، هناك قناعة من المجتمعات الغربية أنها لم تعد قادرة على حمل الأمانة ولابد من الشروع في ترتيبات إقامة نظام عالمي يحظى بدعم العالم.
17883
| 02 مايو 2024
بعد ساعات قليلة من نشر بودكاست الحوار مع الإعلامي «فيصل القاسم» وصلت المشاهدات إلى ما يفوق أربعة ملايين مشاهدة، والسبب في اعتقادي ليس لأنّه إعلامي مشهور في قناة كبيرة هيّ قناة «الجزيرة « ملأت الدنيا وشدّت أعين الناس عبر العالم ولا زالت.. وليس لأنّ برنامجه « الاتجاه المعاكس» تربع على قمّة البرامج الحوارية الجريئة والمثيرة للنقاش في العشرين سنة الماضية، وليس لأنّ الرجل كان محل جدل في حواراته وطريقة إدارته لبرنامجه أو قناعاته أو ميولاته واستفزازاته، وإنما السرّ الكبير هو ذلك الاكتشاف الجديد في شخصية الرجل وماضيه وعائلته وطفولته الفقيرة، البائسة والمعدمة، وتجاربه من الجوع والحرمان إلى العمل وفي سن مبكرة في مختلف الحرف والأعمال الصعبة والقاسية. فوراء «فيصل القاسم» الإعلامي الكبير ذلك الطفل الفقير المحروم المقموع، الطفل الضعيف الفقير في القرية المعزولة وما يحيط به من عوّز وحرمان وآفات ومعاناة ومكابدة ومن ظلم اجتماعي واحتقار وعزلة وحيف. اكتشف الجمهور في شخصية «فيصل القاسم» ذلك الطفل الصغير الذي مرّ بتجربة طفولية مؤلمة وقاسية جدا لم تخطر على بال أحد، فصنع نفسه بنفسه من العدم وخرج من حفرة القهر والفقر إلى المغامرة والهجرة وريادة الإعلام والنجاح والبروز والإبداع. لم يتوقع الكثير أن يتحلى «فيصل القاسم» بكل تلك الصراحة والمكاشفة فلم يخجل بضعفه وقلة حال أسرته، ولم يخجل من ماضيه وحجم معاناته قبل أن يصل إلى تلك المراتب والمنزلة الإعلامية الكبيرة.، ثم إلى ذلك المحاور الشرس الصعب والعنيد والمثير للاختلاف والجدل. هيّ ببساطة بعض أسرار التفاعل الكبير للجمهور مع تلك الحلقة المميزة عن مسيرة وحياة الإعلامي «فيصل القاسم».
7431
| 03 مايو 2024
اعتمد المشرع القطري معيار المضاربة كمعيار عام لبيان مدنية العمل أو تجاريته، وهو ما استهله وسلم به في القانون التجاري، وذلك في نص المادة (3) منه، والتي تنص على أن «الأعمال التجارية بصفة عامة هي الأعمال التي يقوم بها الشخص بقصد المضاربة ولو كان غير تاجر. والمضاربة هى تَوَخي الربح بطريقة تداول المعاملات». ومن أوائل من نادى بهذا المعيار الفقيه الفرنسي باردسو وتبعه الأستاذ ليون كان والأستاذ رينو، كما عوّل القضاء في بعضٍ من أحكامه على هذا المعيار للتمييز بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية. ويقصد بالمضاربة بصفة عامة السعي والقصد إلى تحقيق الربح. ووفقًا لهذا المعيار يعد العمل تجاريًا إذا كان التصرف الذي يبتغيه الشخص يهدف إلى تحقيق الربح، أما إذا كان العمل الذي يقوم به الشخص خاليًا من هذا القصد، فلا يعد عملًا تجاريًا. وأبرز مثال لمعيار المضاربة، عملية الشراء من أجل البيع بغية تحقيق الربح، كالأشخاص المضاربين في البورصة وتجار الجملة والتجزئة. ولتوضيح ذلك، فإن فكرة المضاربة تقوم على أساس السبب أو الباعث وراء العمل التجاري، والذي يتمثل في تحقيق الربح؛ وهو ما يضفي الصفة التجارية على العمل، ومعنى ذلك أنه إذا كان السبب أو الباعث هو تحقيق الربح عد العمل تجاريًا، أما إذا كان السبب أو الباعث مدنيًا خاليا منه عد العمل مدنيًا، ومثاله الجمعيات التعاونية؛ إذ تقوم بشراء البضائع لبيعها على أعضائها وغيرهم بسعر التكلفة، وهي بذلك لا تستهدف الربح، إلا إذا خرجت عن هدفها الأساسي وهو ما يحدث في بعض الدول، بأن تحيد عن هدفها وتلهث وراء تحقيق الربح. إلا أن هذا المعيار يشوبه بعض المثالب، فهو واسع من جهة وضيق من جهة أخرى؛ فهو واسع لأنه يبسط نطاقه على أعمال يسبغ عليها المشرع الصفة التجارية على الرغم من أن القانون لا يثبت لها تلك الصفة ويصنفها من الأعمال المدنية، مثل عمل المحاسبين والمحامين والمهندسين والأطباء والمهن الحرة عمومًا؛ حيث يسعون جميعهم من جراء أعمالهم إلى تحقيق الربح، أو بالأحرى الحصول على أجر أو أتعاب، كذلك المزارع الذي يقوم باستئجار الأرض الزراعية ويضارب بين أجرة الأرض وثمن بيع المحاصيل. بناء على ما سبق، إذ طبق هذا المعيار بشكل مطلق لأدخلنا في القانون التجاري أعمالًا مدنية صريحة. بينما يعد هذا المعيار ضيقًا، لأنه يقصر النظر عن أعمالٍ ومن ثم يستبعدها، ولا شك في أنها تجارية، كتحرير الأوراق التجارية، أو التاجر الذي يتعمد الخسارة وذلك من أجل القضاء على منافسيه أو من أجل الدعاية والإعلان، وكذلك التاجر الذي يبيع بضاعته بسعر التكلفة، فجميع ما سبق أعمال لا تهدف إلى تحقيق الربح، وبالتالي تخرج من نطاق الأعمال التجارية، وذلك وفقًا لمعيار المضاربة، على الرغم من أنها أعمال تجارية وفقًا لصريح نصوص القانون. إضافة إلى ما سبق يتعارض هذا المعيار مع المفهوم الحديث للقانون التجاري؛ إذ إنه لا يفسر تجارية أعمال المشروعات الاقتصادية العامة التي تقوم بها الدولة عن طريق شركات المساهمة العامة؛ لأن أغلبها تسعى وراء تحقيق المصلحة العامة، سواء كانت تقصد إلى تحقيق الربح أم لا. ولابد أن ننوه أنه لا يمكن أن نعوّل فقط على معيار المضاربة الذي يقوم على قصد تحقيق الربح؛ حيث إنه يعد أمرًا نفسيًا يصعب تبينه. ولذا؛ بدأ الاتجاه الحديث يعول على مجرد توفر النية في الربح ولو لم يتحقق فعلاً، ولكن ما زالت الإشكالية في معرفة القصد من العمل، وعليه من الممكن أن يبين ذلك من خلال الكمية المشتراة، أو مدى توفر وصف التاجر من عدمه، افتتاحه محلاً تجاريا، إلى غير ذلك مما تساعد على وضوح القصد من العمل. ختامًا، لا يمكن أن ينفرد معيار المضاربة كضابط للتفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، وذلك لما يحتويه من مثالب. ومع ذلك يجب أن نبين أن هذا المعيار يمثل جزءًا من الحقيقة؛ لأن العمل التجاري يقوم على فكرة تحقيق الربح، «فإذا لم تكن المضاربة وحدها ضابطًا للعمل التجاري، فما من شك في أنها أحد عناصره الجوهرية».
2067
| 03 مايو 2024