رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
للأسبوع الثالث على التوالي أبقى مع موضوع التعليم وأهمية التعليم، وعطفا على آخر مقالين لي هنا أقول مجددا إنني لا أعني بالتعليم فقط ذاك الذي يؤهل الانسان للحصول على شهادة ذات مسمى طنان ورنان، ومعلوم في عالمنا المعاصر أنه ما من شخص استخدم الكمبيوتر على مدى ربع القرن المنصرم إلا واستفاد من برمجيات مايكروسوفت التي يقف وراءها بيل غيتس الذي صار أشهر شخصية في عالم التكنولوجيا في القرنين العشرين والحادي والعشرين بتأسيسه شركة مايكروسوفت العملاقة بعد أن ترك الدراسة في جامعة هارفارد العريقة، ثم جاء ستيف جوبس مسلحا بالشهادة الثانوية وقاد شركة أبل إلى نجاحات مذهلة بمخترعات أشهرها الآيبود وكمبيوترات ماك والآيباد والآيفون، وأبل apple تعني التفاحة وكما يلاحظ كل من رأى شعار الشركة فإن تفاحتها مشرومة ومقرومة، وتخيل أي نجاح كانت الشركة ستحققه لو كانت تفاحتها كاملة لم ينهش جزءا منها فاعل مستتر (الطرفة الرائجة ان تفاحة سقطت من شجرة فألهمت آيزاك نيوتن (اسمه هكذا وليس اسحق) نظرية الجاذبية وتفاحة بعض منها مأكول جعلت من ستيف جوبس فارس الهواتف الذكية ثم أخذ بعض العرب تفاحة وصنعوا منها معسل شيشة يجنن).
والشاهد كما في الموال الذي ظللت أنشده طوال الأسبوعين الماضيين عبر هذه الزاوية هو أن الشهادة الجامعية ليست بالضرورة باسبورت النجاح في الحياة العملية، بدليل أن هناك كثيرين من ذوي السجلات التي ستبقى في ذاكرة البشرية على مر القرون صنعوا وحققوا إنجازات ستبقى في ذاكرة التاريخ البشري على مر العصور، ومن منا لا يذكر ونستون تشيرتشل أشهر رؤساء الحكومات في بريطانيا وأبرز قادة الحلفاء الذين هزموا ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثالثة، فرغم أنه كان سليل أسرة أرستقراطية أرادت له الالتحاق بكلية إيتون (الثانوية) إلا أن تشيرتشل انتقل بين أربع مدارس ثانوية على أمل أن يجد مدرسة تغرس فيه حب الدراسة والتعلم، ولما لم يجد المدرسة التي ينشدها التحق بالمدرسة العسكرية فقد نشأ عاشقا للجندية، وشارك في حروب كثيرة كمقاتل وكمراسل حربي، وسيبقى تشيرتشل في ذاكرة التاريخ ليس بوصفه قائدا سياسيا وعسكريا فذا بل لكونه كاتبا وخطيبا جهوريا يرتجل الخطبة فتأتي أفضل من تلك التي يعكف بعض القادة على صياغتها شهرا كاملا مستعينين بخيرة الكتاب، وبالتالي ليس مستغربا أن يكون تشيرتشل رئيس الوزراء الوحيد في تاريخ العالم الذي يفوز بجائزة نوبل في الأدب، وهذه الجزئية مهمة جدا لأن تشيرتشل كان يتأتئ (تمتام) يجد صعوبة في نطق الكلمات لسنوات طويلة وتغلب على تلك الإعاقة بالمران وقوة الإرادة، وكان هناك في تاريخ بريطانيا رئيس وزراء آخر هو آرثر ويلسلي الشهير بدوق ويلينغتون Duke of Wellington، وكان أيضا سليل أسرة عريقة، ولكنه خيب آمالها برفضه الاستمرار في مقاعد الدراسة وتفضيله الحياة العسكرية على الحياة والمؤهلات الأكاديمية
وليس معنى كلامي هذا أن كل من يرفض الدراسة سينجح بالضرورة في مجال من مجالات الحياة، بل معناه أن عدم حيازة الشهادات المدرسية أو الجامعية لا يقف عائقا أمام النجاح في الحياة لذوي العزم والعزيمة في اكتساب مهارات بالممارسة أو لكونهم ذوي استعداد فطري للتفوق في ميادين معينة في غياب البكلرسة والمسجترة والدكترة.. خذ مثلا ايرنست هيمنغواي أشهر روائيي القرن العشرين والحائز على جائزة نوبل للأدب، فقد درس المراحل حتى الثانوية في مسقط رأسه بولاية إلينوي الأمريكية، ولكنه دخل في كلاش / صدام مع أمه لأنه كان يفضل الموسيقى على المدرسة، وحتى في المدرسة لم يكن متفوقا في أي مادة سوى اللغة الانجليزية، والملاكمة، وسرعان ما هجر المدرسة الثانوية ليصبح مراسلا لجريدة كنساس ستار المحلية وما ان اشتعلت الحرب العالمية الأولى حتى عمل فيها سائق سيارة اسعاف متنقلا عبر الجبهات الأوروبية ثم غطى الحرب الأهلية في إسبانيا كصحفي وكتب رائعته "وداعا للسلاح"، وبدون "حتى شهادة إكمال الثانوية" كتب ست روايات تعتبر من كلاسيكيات الأدب الأمريكي، وما زلت أجد متعة عجيبة في قراءة روايته "العجوز والبحر The Old Man and the Sea" المرة تلو الأخرى، متذكرا أن الشهادات لا تصنع العباقرة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من فيتنام وأمريكا تنقض غزلها، بعد حرب أمريكا على العراق اتضح أن أمريكا ناقضة الغزل، فقد بنت غزلها منذ الحرب العالمية الثانية، فنسجت منظمات الأمم المتحدة وقوانينها الليبرالية، من حقوق الإنسان والديمقراطية وحق التعبير وحق الرأي، وعدم شرعية التعذيب والوصاية على الحقوق المدنية، ومحاربة العنصرية وتجريم جرائم الحرب ووضع التشريعات لمعاقبة الإبادة الجماعية وإنشاء المحاكم الدولية والأممية، وبدا أن أمريكا تهيمن من خلال أعلى المبادئ الإنسانية وثمرة التجربة الإنسانية، فرضخ العالم لهذا القادم الجديد وذي الروح الإنسانية والسلوك الراقي، والعلم الوفير والإدارة الحكيمة والتقدم العلمي والتقني، وقدم للإنسانية المعارف والتقنيات من أجهزة التكييف إلى السيارات والطائرات والفاكس والإنترنت والشبكات الاجتماعية وكذلك الممارسات الحديثة، والمؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، لكن في حربه على العراق بدون مبرر إلا من مطامع النفوذ والهيمنة الامبراطورية، نقضت أمريكا الغزل فكذبت على الأمم المتحدة من أجل الحصول على إذن لمهاجمة العراق، فلما تم الرفض، نقضت العهود وعزمت على مخالفة أمر الأمم المتحدة والقانون الدولي فكان بداية النقض لما تم نسجه، نقضت العهود أمام العالم ففقدت المصداقية وتتالت تجاوزاتها من قتل للمدنيين والتعذيب في أبو غريب وغوانتانامو بيي وبقرام، واستمرت سلوكيات النقض، حتى جاءت حرب أوكرانيا وتدابيرها في استفزاز روسيا من أجل إدخال الناتو في حرب معها لضمان استمرار أوروبا حليفا وداعما لأمن أمريكا، فقطعت إمدادات الطاقة عن أوروبا وحشّدتها لمواجهة روسيا، فجاء طوفان الأقصى ليقلب كل المعايير والمصفوفة الذهنية التي اعتمدت على النظام العالمي المشيّد والمقبول عالميا، بدّد طوفان الأقصى الصور الذهنية المبنية في المخيلة العالمية، من صورة أجهزة المخابرات الفذة الناجحة والجيوش التي لا تهزم إلى من هم أصحاب النفوذ والهيمنة العالمية، تهاوت الهياكل والبنى من حولنا، فتضاءلت القوى العظمى أمام باب المندب، وتساقطت أصنام الماضي من الموساد وشين بيت وأمان وسي آي أي و د آي أي ومثيلاتها أمام غزة المقاومة، وتفككت السردية الغربية الاستعمارية أمام الواقع وانتشار تقنيات الحاضر، فتهاوت المؤسسات الإعلامية الكبرى من سي إن إن إلى وول ستريت إلى الواشنطن بوست، بدا غزل أمريكا في حالة تناقض تداعت لها المؤسسات وبلغ الأمر ذروته بدخول الجامعات على خط المظاهرات حماية لأسس الغزل حق التعبير وحق التظاهر خاصة في حرم الجامعات، بدت أن أمريكا أصبحت دولة دكتاتورية، وكذلك أوروبا في منع التظاهر، وتحولت المواجهة من وقف لحرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار على القطاع، إلى موضوع يمس الذات ويمس كل ما هو أمريكي من دفع ضرائب تسرب لإسرائيل وتنعم بها إسرائيل إلى استخدام تلك الأموال في حرب الإبادة، فخرج الأمريكان للتعبير عن رأيهم فتم قمعهم كما تم قمع الشعوب الأوروبية، هنا لم يعد الأمر مجرد حرب إبادة باسم أمريكا والغرب بل هو هجوم على كل ما غزل في الثقافة الأمريكية والأوروبية والغرب والثقافة الغربية، التي كان باسمها شنت حروب وتكونت أحلاف لحماية تلك الثقافة من ديمقراطية وحرية، لقد نقضت أمريكا غزلها، واستحقت ناقضة الغزل أن تكون تلك نهاية عصر الهيمنة الأمريكية والغربية، فلم تعد هناك ثقافة يدافع عنها أو مواقف أخلاقية يمكن البناء عليها، لقد حان الوقت للعالم لإعادة بناء النظام العالمي، فلم تعد أمريكا ولا أوروبا حامية للإرث الإنساني والنظام العالمي، فلا بد من تدخل العالم وشعوب العالم كما نرى أمامنا على الشاشات والشبكات الاجتماعية، هناك قناعة من المجتمعات الغربية أنها لم تعد قادرة على حمل الأمانة ولابد من الشروع في ترتيبات إقامة نظام عالمي يحظى بدعم العالم.
17259
| 02 مايو 2024
بعد ساعات قليلة من نشر بودكاست الحوار مع الإعلامي «فيصل القاسم» وصلت المشاهدات إلى ما يفوق أربعة ملايين مشاهدة، والسبب في اعتقادي ليس لأنّه إعلامي مشهور في قناة كبيرة هيّ قناة «الجزيرة « ملأت الدنيا وشدّت أعين الناس عبر العالم ولا زالت.. وليس لأنّ برنامجه « الاتجاه المعاكس» تربع على قمّة البرامج الحوارية الجريئة والمثيرة للنقاش في العشرين سنة الماضية، وليس لأنّ الرجل كان محل جدل في حواراته وطريقة إدارته لبرنامجه أو قناعاته أو ميولاته واستفزازاته، وإنما السرّ الكبير هو ذلك الاكتشاف الجديد في شخصية الرجل وماضيه وعائلته وطفولته الفقيرة، البائسة والمعدمة، وتجاربه من الجوع والحرمان إلى العمل وفي سن مبكرة في مختلف الحرف والأعمال الصعبة والقاسية. فوراء «فيصل القاسم» الإعلامي الكبير ذلك الطفل الفقير المحروم المقموع، الطفل الضعيف الفقير في القرية المعزولة وما يحيط به من عوّز وحرمان وآفات ومعاناة ومكابدة ومن ظلم اجتماعي واحتقار وعزلة وحيف. اكتشف الجمهور في شخصية «فيصل القاسم» ذلك الطفل الصغير الذي مرّ بتجربة طفولية مؤلمة وقاسية جدا لم تخطر على بال أحد، فصنع نفسه بنفسه من العدم وخرج من حفرة القهر والفقر إلى المغامرة والهجرة وريادة الإعلام والنجاح والبروز والإبداع. لم يتوقع الكثير أن يتحلى «فيصل القاسم» بكل تلك الصراحة والمكاشفة فلم يخجل بضعفه وقلة حال أسرته، ولم يخجل من ماضيه وحجم معاناته قبل أن يصل إلى تلك المراتب والمنزلة الإعلامية الكبيرة.، ثم إلى ذلك المحاور الشرس الصعب والعنيد والمثير للاختلاف والجدل. هيّ ببساطة بعض أسرار التفاعل الكبير للجمهور مع تلك الحلقة المميزة عن مسيرة وحياة الإعلامي «فيصل القاسم».
7242
| 03 مايو 2024
اعتمد المشرع القطري معيار المضاربة كمعيار عام لبيان مدنية العمل أو تجاريته، وهو ما استهله وسلم به في القانون التجاري، وذلك في نص المادة (3) منه، والتي تنص على أن «الأعمال التجارية بصفة عامة هي الأعمال التي يقوم بها الشخص بقصد المضاربة ولو كان غير تاجر. والمضاربة هى تَوَخي الربح بطريقة تداول المعاملات». ومن أوائل من نادى بهذا المعيار الفقيه الفرنسي باردسو وتبعه الأستاذ ليون كان والأستاذ رينو، كما عوّل القضاء في بعضٍ من أحكامه على هذا المعيار للتمييز بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية. ويقصد بالمضاربة بصفة عامة السعي والقصد إلى تحقيق الربح. ووفقًا لهذا المعيار يعد العمل تجاريًا إذا كان التصرف الذي يبتغيه الشخص يهدف إلى تحقيق الربح، أما إذا كان العمل الذي يقوم به الشخص خاليًا من هذا القصد، فلا يعد عملًا تجاريًا. وأبرز مثال لمعيار المضاربة، عملية الشراء من أجل البيع بغية تحقيق الربح، كالأشخاص المضاربين في البورصة وتجار الجملة والتجزئة. ولتوضيح ذلك، فإن فكرة المضاربة تقوم على أساس السبب أو الباعث وراء العمل التجاري، والذي يتمثل في تحقيق الربح؛ وهو ما يضفي الصفة التجارية على العمل، ومعنى ذلك أنه إذا كان السبب أو الباعث هو تحقيق الربح عد العمل تجاريًا، أما إذا كان السبب أو الباعث مدنيًا خاليا منه عد العمل مدنيًا، ومثاله الجمعيات التعاونية؛ إذ تقوم بشراء البضائع لبيعها على أعضائها وغيرهم بسعر التكلفة، وهي بذلك لا تستهدف الربح، إلا إذا خرجت عن هدفها الأساسي وهو ما يحدث في بعض الدول، بأن تحيد عن هدفها وتلهث وراء تحقيق الربح. إلا أن هذا المعيار يشوبه بعض المثالب، فهو واسع من جهة وضيق من جهة أخرى؛ فهو واسع لأنه يبسط نطاقه على أعمال يسبغ عليها المشرع الصفة التجارية على الرغم من أن القانون لا يثبت لها تلك الصفة ويصنفها من الأعمال المدنية، مثل عمل المحاسبين والمحامين والمهندسين والأطباء والمهن الحرة عمومًا؛ حيث يسعون جميعهم من جراء أعمالهم إلى تحقيق الربح، أو بالأحرى الحصول على أجر أو أتعاب، كذلك المزارع الذي يقوم باستئجار الأرض الزراعية ويضارب بين أجرة الأرض وثمن بيع المحاصيل. بناء على ما سبق، إذ طبق هذا المعيار بشكل مطلق لأدخلنا في القانون التجاري أعمالًا مدنية صريحة. بينما يعد هذا المعيار ضيقًا، لأنه يقصر النظر عن أعمالٍ ومن ثم يستبعدها، ولا شك في أنها تجارية، كتحرير الأوراق التجارية، أو التاجر الذي يتعمد الخسارة وذلك من أجل القضاء على منافسيه أو من أجل الدعاية والإعلان، وكذلك التاجر الذي يبيع بضاعته بسعر التكلفة، فجميع ما سبق أعمال لا تهدف إلى تحقيق الربح، وبالتالي تخرج من نطاق الأعمال التجارية، وذلك وفقًا لمعيار المضاربة، على الرغم من أنها أعمال تجارية وفقًا لصريح نصوص القانون. إضافة إلى ما سبق يتعارض هذا المعيار مع المفهوم الحديث للقانون التجاري؛ إذ إنه لا يفسر تجارية أعمال المشروعات الاقتصادية العامة التي تقوم بها الدولة عن طريق شركات المساهمة العامة؛ لأن أغلبها تسعى وراء تحقيق المصلحة العامة، سواء كانت تقصد إلى تحقيق الربح أم لا. ولابد أن ننوه أنه لا يمكن أن نعوّل فقط على معيار المضاربة الذي يقوم على قصد تحقيق الربح؛ حيث إنه يعد أمرًا نفسيًا يصعب تبينه. ولذا؛ بدأ الاتجاه الحديث يعول على مجرد توفر النية في الربح ولو لم يتحقق فعلاً، ولكن ما زالت الإشكالية في معرفة القصد من العمل، وعليه من الممكن أن يبين ذلك من خلال الكمية المشتراة، أو مدى توفر وصف التاجر من عدمه، افتتاحه محلاً تجاريا، إلى غير ذلك مما تساعد على وضوح القصد من العمل. ختامًا، لا يمكن أن ينفرد معيار المضاربة كضابط للتفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، وذلك لما يحتويه من مثالب. ومع ذلك يجب أن نبين أن هذا المعيار يمثل جزءًا من الحقيقة؛ لأن العمل التجاري يقوم على فكرة تحقيق الربح، «فإذا لم تكن المضاربة وحدها ضابطًا للعمل التجاري، فما من شك في أنها أحد عناصره الجوهرية».
2067
| 03 مايو 2024