رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كمْ كنتُ مبتهجاً حين علمت أنّ مجلس الشّورى الموقّر قد جعل من اللغة العربيّة والمحافظة عليها من أولى بنوده. وتضاعفت البهجة بدعوتي لحضور الجلسة الأولى والمشاركة فيها مع أخي وصديقي الأستاذ عبد العزيز بن عبد اللّه السبيعي وزير التربية الأسبق وأحد العارفين لهذه اللغة والمدركين لأهميتها والمسخّرين كلّ جهدهم للمحافظة عليها وتعزيز مكانتها، ونظر المجلس الموقّر في تفعيل قانون (7) لعام 2019 والمتعلّق بحماية اللغة العربيّة في بداية دورته رغم كثرة المهمات على جدول أعماله، ممّا يدلُّ وبشكل قاطع على إدراكه لأهمية اللغة العربيّة كعامل رئيسي في المحافظة على أمننا الثقافي.
وقد رأيتُ أنّ تسليط الضّوء في هذا المقال على بعض القضايا ذات العلاقة باللغة العربيّة في قطر حاجة مهمّة في هذه الآونة، إذ يعزّز ذلك تفاعل النخبة الثقافيّة مع توجّهات الدولة الرائدة في حماية اللغة العربيّة، وأعتقد أنّ اللغة العربيّة ليست شأنا خاصّا بالتشريعات فهي قضيّة مجتمعيّة، تؤمن بها الدّولة مؤازرة بإرادة شعبيّة في السّعي لحمايتها، وهي ليست شأنا متحفيّا يعود إلى زهْو بالماضي المجيد لأمّة ما وإنّما هي شأن وطني مرتبط بأمننا الثقافي.
لغة الدين والعلوم والحياة:
لقد كرّم اللّه عزّ وجلّ اللّغة العربيّة بأن جعلها لغةَ القرآن الكريم، ولذلك فنحنُ نُدرك أنّ هذا التّكريم يلقي علينا بمسؤوليّة رعايتها وحفظها والسّهر على نموّها واتّساع مداها بين النّاطقين بها وسائر الشّعوب، لأنّها تُعبّر عن معاشنا وتحمل آمالنا في تحقيق الخير للإنسانيّة. وهذا ما عبّرت عنه لغتنا في مختلف العصور حين حملت للبشريّة قيم الإسلام السّمحاء، ووهبتها العلوم والفكر والإبداع في شتّى المجالات، لأنّها لم تكن لُغة الدّين أو المعاملات فحسب وإنّما كانت لغة العلوم التي اهتدى بها العالم فحقّق التقدّم. ولم تكن اللغة العربية حبيسة مجالٍ ضيّق للتواصل بين أفراد المجتمع أو بين الشّعوب والأمم، بل أدّت أدوارًا أخرى فضلا عن تكوين شخصيّة الفرد وتشكيل هويّته الذّاتيّة، فهي وعاء المنجزات الحضاريّة والعلميّة للأمّة أيضا.
إنّ لكلّ لغة حياة، فهي تنمو وتحيا بفعل إصرار أبنائها على تطويرها في كلّ عصر حتّى تبقى مستمرّة مع الأجيال ومحافظة على مساهمات الأجداد. وقد أصاب اللّغة العربيّة ما أصاب الأمّة العربيّة الإسلاميّة من فتورٍ وتراجعٍ بعد أنْ أدّت دورها في عصور خلتْ كأحسن ما يكون الأداء في جميع المجالات، بدءًا بالحياة الفكريّة ومرورا بالحياة الاجتماعيّة وانتهاء بحركة الإبداع في جميع الجوانب. فلم يكتف العرب في السابق بالاستفادة من التراث اليوناني والإغريقي والهندي بل أجادوا في الإبداع من خلال لغتهم، فكانت اللغة العربيّة لغة علوم الطبّ والكيمياء والفيزياء والفلك والرياضيّات وغيرها من العلوم التي انتشرت مؤلفاتها وتداولها العلماء في الشّرق والغرب، وصارت لهم مرجعا يعتدّون به.
ولم تكن اللغة العربية مجرّد ناقلٍ أمينٍ للثقافة والعلوم اليونانيّة، فهي ليست عنصرا محايدا، بلْ أخذت عمليّة النقل بُعدا إبداعيًّا، فأضاف العلماء بصْمتهم على ما ترجموه، لأنَّ من يفكّر فإنّما يفكّر من داخل اللغة، وهذا دليل على أنّ العلاقة بين اللغة والثقافة في جدل مستمرّ، فالمعارف تغتني باللغة لأنّها حمّالة للقيم، ولا يُمكن تجريدها من تلك الحُمولة القيميّة التي تحملها عبر العقود والقرون لأمّة من الأمم، ولا سبيلَ إلى اعتبار اللغة نمطا صوتيّا خاليًا من القدرات الثقافيّة في بناء الفكر.
وقد تمتّعت اللّغة العربيّة بهذه القدرة الذّاتيّة على النموّ فعبّرت عن فكر أصحابها ونظرتهم للكون، وعن مجمل القيم التي بُني عليها المجتمع العربي الإسلامي. ذلك أنّ تعامل العلماء والمفكرين العرب مع اللغة زمن الازدهار الحضاري اتّسم بالحيويّة حتّى عدّت قضاياها من قضايا المجتمع نفسه، إنّها صارت لديهم شبيهة بالوطن، وما دام كلّ فرد لهُ الحقّ في وطن، فإنّ وطنه الأوّل هو اللّغة، ومن حقّه أن يتمتّع بخيراتها وأن يشارك في بنائها. أذكر مقولة شهيرةً للفيلسوف الألماني هيدغر حينَ قال:" إنَّ لغتي هي مسكني، هي موطني ومستقرّي، هي حدود عالمي الحميم ومعالمه وتضاريسه، ومن خلال عيونها، أنظر إلى بقيّة أجزاء الكون الواسع".
وإذا كانت اللغة هي المسكن والوطن فإنّها الوتد الذي يشدّ خيمة المجتمع وهويّته، وبالتالي يعزّز ترابط الأسرة التي لا يقلّ دورها بأيّ حالٍ عنْ دور الدولة في حماية اللغة العربيّة، فتلك الأسرة التي لا تسعى إلى طبع اللغة وحبّها والحرص على تعلّمها في أبنائها منذ النشأة إنّما هي مقصّرة في حقّ هؤلاء الأبناء وفي حقّ الأمن الثقافي للوطن. وإذا كانت هذه المهمة هي مهمّة الأسرة بصورة عامّة أبا وأمّا، فإنّ دور الأمّ هنا مميّز، فتلك الأمّ التي تترك الأطفال ضحيّة للمربيات اللواتي ينتمين إلى ثقافات أخرى، مع احترامنا لهذه الثقافات، إنّما تقصّر تقصيرا لا يغتفر في حقّ أطفالها.
إنّنا نسمّي اللغة التي يتعلّمها الأطفال في نشأتهم بـ"اللغة الأم"، ولا يُمكن للأمّ أنْ تسمحَ بالتخلّي عن اللغة العربيّة لصالح لغات أخرى لأنّ اللغة ليست مجرّد أداة تواصل وإنّما هي وسيلتها لتربية أبنائها وتعليمهم قيم وطنهم وتراث أجدادهم ونظرتهم للمستقبل.
اللغة لسان الهويّة:
يمرُّ مجتمعنا الخليجي بتحدٍّ كبيرٍ للمحافظة على انتمائه العربي، ونعلم أنّ حجر الرّحى في المحافظة على أمننا الثقافي هو اللغة العربيّة، فالانفتاح الاقتصادي سمح باستقطاب العمالة من جنسيّات مختلفة ورافقه انتشار للغات الأجنبيّة، وبقدر ما يعدُّ ذلك سمةً من سمات التنوع الثقافي فإنّ هذه اللغات أضحت تنافس اللغة الأم، وفي كثيرٍ من الأحيان تتغلّب عليها، ونلاحظ هيمنة اللغة الإنجليزيّة في أكثر من مجال، وحتّى في مستوى التداول اليومي في الحياة العامّة، وهذا ما يعبّر عن مأزق حقيقي ينبغي الانتباه إليه، ووضع خطط لمواجهته.
علينا أنْ نعيَ بأنّ الهويّة اللغويّة جزء مهم من الهويّة الوطنيّة فاللغة عامل مباشر في بناء الهويّة لأي مجتمع إنساني، لأنّ اللّغة ليست أداة للتعبير فحسب، ولا شأنا ظرفيّا للتواصل مع الشّعوب بلْ هيَ مسألة أمن قومي يساعد على الاستقرار النفسي والاجتماعي لكلّ أفراد الوطن الواحد. إنّ اللغة هي لسانُ الهويّة، لذلك فهي ليست شأنا فرديّا، بل شأن وطني وقومي. إنّنا نستدلّ على انتماء أيّ شخص من خلال تبيّن لغته، فتمييز الهويّات يسهل من خلال معرفة لغة المتكلّم.
وإنّي أرى أنّ الصلة الجوهريّة بين اللغة والهويّة غير ذات اهتمام لشرائح اجتماعيّة واسعة في أيّامنا، عكس ما كان عليه الأمر في الزمن الاستعماري حيثُ كان الدفاع عن اللغة العربيّة جزءا من مواجهة محاولات الاستعمار في طمس الهويّة، ونعتقد أنّ بناء النهضة والتنمية للمجتمعات العربيّة هو معركة جديدة لا يُمكن أن تُخاضَ بعيدًا عن القضيّة اللغويّة. وإنّ التحديات التي نواجهها في مجتمعنا بالذّات تجعلنا أمام تهديدات كثيرَة تُضاعف منْ مسؤوليّتنا في المحافظة على اللغة العربيّة واعتبارها صمّام أمان لتفكيرنا وزادنا المعرفي وتصوّراتنا المستقبليّة بشأن تقدّم مجتمعنا.
ليكن في أذهاننا أنّ القضيّة اللغويّة مسألة استراتيجيّة لا تمسُّ قطاعا دونَ آخر، وهي لا تقتصر في قطر عن مطلب التّداول في الدّوائر الرسميّة أو الإعلاميّة، وإنّما تشمل كلّ القطاعات، فهذه اللغة التي عمّرت حوالي سبعة عشر قرنًا وهي محتفظة بنظامها الصوتي والصرفي والنحوي، لن تكونَ مجرّد وسيلة تواصل، بلْ هي كيانٌ قائم الذّات لا تُعرّف الهويّة دونه، وإن أضاعه العرب فقد أضاعوا هويّتهم التي بها يتميّزون عن سائر الأمم.
لذلك فاحترامنا للغة العربيّة يكسبنا احترام الآخرين لنا. وكلّما تشبّثنا بهذه اللّغة استطعنا المحافظة على هويّتنا التي لا تتعارض مع انفتاحنا على القيم المشتركة، بحيثُ يصبح الإنسان العربي مواطنا كونيّا باستخدامه للغته وليس بهجرها. فكلّ الشّعوب تحتفي بلغتها لأنّها علامةٌ فارقة على تمسّكها بخصوصيّتها دونَ إنكار اندماجها في ما هو مشترك في الثقافة الإنسانيّة.
الجمود مجرّد ظاهرة طارئة:
قد يمرُّ على اللّغة طورٌ من الجمود لأسباب عديدة ولكنّ لغتنا العربيّة تحمل في داخلها بذرة التحوّل، فهي لغةٌ غير منغلقة على نفسها، والدّليل على ذلك أنّها استضافت في كيانها مفردات من لغات أخرى منذ القدم، بحكم أنّ الثقافة العربيّة منفتحة وتقبل الحوار في داخلها، وهي ترى أنّ الآخر لا يقع في الخارج وإنّما هو جزء منها، تُحاورهُ وتستفيدُ منهُ وتُغنيه كذلك. ولهذا فاللّغة العربيّة حيّة وستبقى كذلك على مدى الزّمان، وكلّ المؤشّرات الدّوليّة تؤكّد استمراريّتها وبقاءها ضمن اللّغات المستقبليّة التي ستظلّ حيّة إزاء اختفاء لغات أخرى. وفي رأيي فإنّ جمود اللغة العربيّة في فترة من الفترات ليس غير طارئ، فمتى أدرك العرب دور لغتهم ومنزلتها بين سائر لغات العالم وتحدِّياتها الجديدة قياسا بتطوُّر العلوم وأنماط العيش، فإنهم قادرون على استعادة مكانتها وتجديدها، ومثلما أثرت العربيّة على مستوى المفردات والبنى اللغويّة في لغات أخرى في السابق فإنّها قادرة اليوم أنْ تلعبَ دوراً مماثلاً. لكنّ هذا التأثير لا يمكنُ أنْ يُستعاد إن لم نفحص منْ جديد واقع بيئتنا اللغويّة وننجح في الخروج من واقع التلوّث اللّغوي. وإنّنا لا ننكر مجهودات المؤسسات العلميّة اللغويّة التي تسعى إلى تطوير اللغة والخروج من أزمتها، ولكنّنا نلاحظ أنّ جملة هذه المجهودات مبعثرة وتفتقر إلى "التشبيك" فليست هناك خطة واضحة لتبادل البحوث اللغويّة بين الباحثين في المجامع اللغويّة، وتبدو المشاريع المعجميّة متناثرة أيضًا في الوطن العربي، ولا يوجد تنسيق بين المعنيين بها، وهذا يؤثّر سلبا على البيئة اللغويّة بالإضافة إلى اغتراب العربيّة في أكثر من مكان في الوطن العربي نظرا لهيمنة استعمال وتداول لغات أجنبيّة في الحياة اليوميّة العربيّة، ناهيك عن جنوح أنظمة تعليميّة كثيرة إلى تغليب اللغة الإنجليزيّة أو الفرنسيّة على اللغة الوطنيّة.
التعليم حصن اللّغة:
لا يمكن مناقشة مسألة اللغة العربية بعيداً عن التعليم في زمن العولمة المضطرب والمختلط، إذ التّعليم هو جوهر هذه اللّغة، ومن شأن تطويره أن يدعم مكانة اللّغة العربيّة بين الأجيال ويجعلها الأداة المناسبة للمساهمة في بناء الحضارة الإنسانيّة. ولذلك وجب علينا دعم التّعليم، ومن هنا تأتي نجاعة مبادرات دولة قطر في مشاريع التّعليم، حيثُ تُكسب اللّغة مكانتها المحوريّة وتجعلها أداة بناء مستقبل الإنسان لأجل رعاية القيم الإنسانيّة المشتركة. ومن الموضوعات الشّائكة المرتبطة بقضيّة اللغة والتعليم تتفرّع مشكلة تعريب العلوم التي لا تغني عن تعلّم أيّ طالبٍ لغة أجنبيّة، ولاشكّ فإنّ هذه المسألة ما تزال تتصدّر هواجس المختصين في الشأن التعليمي، وفي رأيي ينبغي أن ننظر إلى كيفيّة الاستثمار في اللغة لدى الناشئة أوّلاً، ومنح اللغة العربيّة جاذبيّتها المطلوبة لتحفيزهم على استخدامها بل والافتخار بها أيضًا، وذلك لا يقتصر فحسب على الترفيع في عدد ساعات تعليم اللغة العربيّة بل يتحدّد بتوسيع مجالات هذه اللغة لتكون لغة العلوم، وهذا طريقٌ شاقّ لكننا لا نرى أيّ موجب للتأخّر في السير فيه، فالتوفيق بين لغة هويّتنا وبين متطلّبات اقتصاد المعرفة والثورة المعلوماتيّة والثّورات العلميّة المتلاحقة أمر في غاية الأهميّة، بل هو أمر مصيري حتما.
اللّغة مقوّم ثقافي:
تُساهم دولة قطر في مشروع العقد العربي للحقّ الثقافي الذي انطلق في عام 2018 ويستمرّ إلى غاية عام 2027، وينصّ في مبادئه على أنّ اللّغة العربيّة عنصر موحّد للثقافة العربيّة ويهدفُ إلى استخدام اللّغة العربيّة في كافّة مناحي الحياة والمحافظة عليها والإسهام في بناء الأسس اللاّزمة للنّهوض بها.
وإذا كان العقد العربي للحقّ الثقافي قد أولى اللغة العربيّة مكانتها من المشروع الثقافي عامّة، فإنني أشير إلى أنّ الوعي بالقضيّة اللغويّة في القطاع الثقافي مازال يحتاج إلى مراجعات، حيثُ يفتقد خطابنا الثقافي في المسرح والسينما وغيرها من الفنون إلى حضور هذا الوعي أمام استسهال التعامل باللهجات العامية، وإن كنا نعتبر أنّ اللهجات العامية طاقة ثقافيّة فيها الكثير من الإبداع ويظهر ذلك في الشعر والغناء والمسرح وفي سيناريو الأفلام السينمائيّة وفي الدراما التلفزيونيّة، فإنّني أخصّ بالذكر ضرورة الابتعاد عن تغليب العامية في خطابنا الثقافي حول كلّ هذه الفنون، فلا يُمكننا أن نتناول هذه الفنون بالتحليل والنقد بالعامية أيضًا، وغالبا ما يناقش الإعلاميّون والمثقفون على السّواء القضايا الثقافيّة بالعامية، وهذا تقزيم من دور اللغة العربيّة، وممّا كنتُ أستغربه أنّ من المثقفين من يكتبون كتبهم وأبحاثهم ومقالاتهم بالعربيّة الفصحى إلاّ أنّهم حينما يناقشون قضايا ما يكتبون في وسائل الإعلام يتكلّمون بالعامية!
ذلك وجه من وجوه غربة اللّغة في خطابنا الثقافي، حينَ يكون المثقّف جزءا من المشكل.
اليوم العالمي للغة العربيّة
نحتفل قريبًا مع كلّ دول العالم باليوم العالمي للّغة العربيّة الذي ينظّم كلّ عام في الثامن عشر من ديسمبر، وهو التاريخ الذي اتّخذت فيه الأمم المتّحدة عام1973 قرارها بأن تكون اللغة العربيّة لغة رسميّة سادسة في المنظّمة. ولم تدّخر المؤسسات الثقافيّة والجهات الحكوميّة في قطر جهدا في الاحتفال بهذا اليوم، من خلال الفعاليات والندوات والحملات الإلكترونيّة على منصّات التواصل الاجتماعي.
وإذ يساهم هذا الاحتفال في تعزيز مبدأ تعدد اللغات والثقافات في الأمم المتّحدة بالذّات، ويسعى إلى تعريف العالم بالتاريخ المشرّف للغة العربيّة، فإنّ عمليّة توظيف هذه الخطوة الجيّدة من قبل العرب ما تزال دون المأمول، ذلك أنّ استخدامها في المنظّمة لم يترجم حقّا منزلتها الحقيقيّة. وباعتبار العلاقة التي تجعلني أحد أبناء الأمم المتّحدة التي عملت فيها سفيرًا في نيويورك ورأستُ منظّمات كمؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) وترأست مؤتمرات ولجانا وكنت مندوبا في اليونسكو ومرشّحا لإدارتها، فقد كنتُ أُجلُّ الجهود التي قام بها رجالٌ قبلنا لتكون اللغة العربيّة لغة من لغات الأمم المتّحدة، وفي المقابل فإنّي أتألّم عندما تَجاهلَ الكثيرُ من المندوبين والمتحدّثين العرب لهذا الإنجاز لتكون بياناتهم ومداخلاتهم باللغات الأجنبيّة ممّا همّش الإنجاز وأضعف اللغة العربيّة في الأمم المتّحدة. لذلك فالعرب مقصّرون رغم الإنجازات السابقة ورغم حجم الأموال التي أنفقت في سبيل تعزيز حضور اللغة العربيّة ومن أجل أن تتحوّل إلى لغة مساوية لبقيّة اللغات المعتمدة في الأمم المتّحدة.
وبالإضافة لذلك فإنّني ألاحظ تفاوتًا في استخدم اللغات في الأجهزة الفرعيّة للأمم المتّحدة مثل صندوق الأمم المتّحدة للسكان، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، ومنظمة السياحة العالميّة، ومكتب الأمم المتّحدة المعنيّ بالمخدّرات والجريمة. كما تفتقر أغلب المنصّات الإعلاميّة الرسميّة الرقميّة إلى استخدام اللغة العربيّة، وهذا ما يحدُّ منْ مجال وصول الرسائل والمعلومات إلى الشّعوب العربيّة فيؤثّر بشكل سلبي على تفاعلهم مع برامج الأمم المتّحدة.
منْ أجل أفق جديد للغة العربيّة
إنّنا في قطر نمتلك الإرادة السياسيّة الكافية والقوانين الملائمة لتكون وضعيّة اللغة العربيّة أفضل ممّا هي عليه، وأرى من الواجب أنْ أقدّمَ بعضا من التوصيات التي من شأنها تطوير مكانة اللغة العربيّة، حتّى يكون تشخصينا ونقدنا مجديا، ومن هذه التوصيات:
- تفعيل القانون(7) لعام 2019 بتنفيذه وتحديد جهة تتابع هذا التنفيذ.
- أن يكون الاهتمام باللغة العربيّة من أولويّات السّاسة، لأنّ القضيّة اللغويّة مسألة سياسيّة قبلَ أنْ تكون قضيّة ثقافيّة. ولا سبيلَ إلى النهوض باللُّغة العربيّة إلاّ بوضع سياسة لغويّة وخطط لتنفيذها من خلال البرامج.
- تتعلّق السياسة اللّغويّة بدعم مكانة اللغة العربيّة من خلال سنّ القوانين ومن خلال إنشاء مؤسسات لحمايتها.
- إلزام المدارس الأجنبيّة بتخصيص حصص كافية لتدريس اللّغة العربيّة لطلابها.
- السّعي إلى الإعلاء من شأن اللغة العربيّة في التداول اليومي وفي التعليم وتشجيع المبادرات الثقافيّة والتربويّة والاجتماعيّة والإعلاميّة والمشاركة في تمويلها من قبل الهيئات ذات الصّلة.
- تطوير الوعي اللغوي لدى الإعلاميين من خلال إصدار "الدليل اللغوي" وتكثيف برامج التدريب لتحقيق الكفاية اللغويّة.
- التأكيد على دور الإعلام والمؤسسات الثقافيّة في أدائها وفي التوعية بأهمية اللغة العربيّة.
- تتحمّل مراكز الدّراسات والجامعات دوراً كبيراً في تسليط الأضواء على اللغة العربيّة وتساهم في اقتراح الوسائل لتعزيز مكانتها.
إنه لمن حسن الرؤى أن ترى معرض الكتاب كل عامٍ تشارك فيه مؤسسات المعرفة والمهتمة بالكتاب وتواجده وتحسن... اقرأ المزيد
42
| 16 مايو 2024
من الصور الجميلة التي لا تغيب تفاصيلها عن ذاكرتي.. ذكريات المدرسة، خاصة الأنشطة التي كنت أحرص على التسجيل... اقرأ المزيد
54
| 16 مايو 2024
تمر علينا ظروف ومواقف في الحياة نحتاج فيها إلى اتخاذ قرارات حكيمة وعقلانية، نحتاج فيها إلى التريث والاتزان... اقرأ المزيد
36
| 16 مايو 2024
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم الثقافة ما زلت أحتفظ بعقلي. أقرأ كتبا مهمة بقدر ما تتيح لي الظروف، ولا أتأخر عن الإشارة إليها أو الكتابة عنها، وأشعر أحيانا بالتقصير لأني لا أستطيع، وهذا طبيعي جدا، أن أقرأ كل ما يصدر من كتب عظيمة. أنشر ما أكتبه على صفحتي في الفيسبوك أو تويتر من باب الحفظ لها، فأغلب العابرين على السوشيال ميديا ليس لديهم الوقت الكافي، بينما يقفون كثيرا عند التغريدات قليلة الكلمات. هذا طبيعي فالسوشيال ميديا بنت عصر السرعة، وتظل المقالات وقراءتها للذين لديهم الوقت، ولمن ينشغلون بالقضايا الحقيقية، قد يبدون فيها رأيا يثريها حتى ولو بالاختلاف. لكن في السوشيال ميديا ظاهرة هي «الترند». وهو ما يأخذ القارئ أو المشاهد إذا كان الأمر يتعلق ببعض الصور، إلى اتجاه يزدحم بالحاضرين أو المحتفلين، فيسعد صاحب الترند بالكم الكبير وغير العادي ممن يعلقون على كلامه، ويصدق أن ما يراه اهتمام حقيقي، وليس زفة مثل زفة المولد، لا يبقى منها لدى المحتفلين ما يصنع ثقافة حقيقية. الترند قد يشهد انتقادات كثيرة جدا أيضا، ولا يعلم من ينتقد أن صاحب الترند يريد ذلك، فلقد صار في مركز الحدث. مركزا للتفاهة ستدخل في النسيان بعد دقائق. كنت دائما بعيدا عن هذه الظاهرة وما أسهلها. لم أفكر أن أفعلها، ولم أساهم حتى بالتعليق على إحداها، فهي بالونة طائرة تنفجر ولا يخرج منها غير الهواء لدقائق، بينما الهواء الحقيقي حولنا في القضايا الكبرى. لا ألوم من يساهم في الترند، فليس كل الناس ولا كل الأعمار على طريقة واحدة في الحياة، فالذين يقرأون القصص البوليسية مثلا أضعاف من يقرأون الأدب الحقيقي. في الأيام الأخيرة انفجرت السوشيال ميديا بترند سببه سؤال ليوسف زيدان للمفكر السوري فراس السواح، وهو صاحب أعمال عظيمة في تاريخ الأديان والميثولوجيا. كان السؤال في ندوة أقامتها مؤسسة جديدة تسمي نفسها «تكوين» مهمتها تجديد الفكر الديني كما يقولون. بدأوا ندواتهم بلقاء مع مفكر يستحق القراءة والاحتفاء، لكن تبدد اللقاء بسبب «الترند» التافه. ما شاع على الميديا سؤال من يوسف زيدان لفراس السواح هل أنت أفضل أم طه حسين، وإجابة الرجل أنه هو ويوسف زيدان أفضل. انفجرت الميديا بالانتقاد وبصفة خاصة ليوسف زيدان وأعماله مقارنة بطه حسين. المئات دافعوا عن طه حسين وهو يستحق كل ذلك عملا وفكرا، والحديث عنه يحتاج الى مقالات وكتب. اعتذر الاثنان عما حدث وكيف كان الأمر دعابة، وقال السواح إن زيدان ورطه بالسؤال. لكن صار الأمر « ترند» بدا لي مقصودا من صاحب السؤال، فأضاع الندوة وأضاع ما قدمه فراس السواح من أفكار. صار التجديد الديني على الهامش وشاعت الكوميديا والمسخرة. ومن ثم أقول لكم إن هذه بداية منذرة - لا أقول مبشرة من فضلك- بقيمة ما ستقدمه هذه المؤسسة التي لا أتوقع لها دور في التجديد بل لها دور في الترند! ولا أعتقد سيخيب ظني. بعيدا عن ذلك كله أحب أن أضحك مع تعليق واحدة من أجمل من يعلقون على الأحوال الثقافية، هي نجوان ماهر عامر التى تعمل في صفحة « مكتبة وهبان» وهي من أجمل الصفحات الثقافية، والتي لم يعجبها طبعا ما فعله زيدان، قائلة بعد إعلان لشخص آخر تكوين مؤسسة مقابلة لدحض مؤسسة تكوين. قالت نجوان ماهر مع صورة للرئيس السادات «تم تدشين مؤسسات ثقافية في ست ساعات» ولن أزيد من تعليقاتها التي تستحق مقالا ربما أكتبه يوما من فرط الفهم والجمال.
1935
| 09 مايو 2024
كلمة مشهورة لدى أهل الخليج تقال للوجيه (من كلمة وجاهة أي ذي جاه، أو سلطة، أو كبير قوم، أو ذي منصب، أو مركز اجتماعي مرموق يتوجه له الناس لقضاء حاجاتهم)، ومعنى تكفى «أي أنا طالبك تفزع لي على إنهاء أمر معين». وهؤلاء الوجهاء يأتيهم عامة الناس من كل مكان أملاً في أن يساعدوهم في أمور عجزوا عن إنهائها بأنفسهم، بل إن بعض الناس يقطع مسافة طويله لهذا الوجيه لعله يساعده في قضاء حاجته. في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، رواه مسلم. وهذا فضل من الله على عباده بأنه سبحانه يكافئ من أعان أخاه المسلم على حاجة بالعون يوم القيامة. فالدين أمرنا أن نقوم بمساعدة الناس وقضاء حاجاتهم واحتساب الأجر عند الله. فكلنا في حاجة بعضنا البعض مهما كانت مناصبنا أو مراكزنا الاجتماعية. فالطبيب بحاجة للفراش لتنظيف عيادته، والتاجر بحاجة للمحاسب، والغني بحاجة للحلاق، والوزير بحاجة لمن يحضر له اجتماعاته، وهكذا، وهو مصداق قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾. فالذي أكرمه الله بأن يكون وجيها فعليه أن يساعد كل من يأتيه ويقوم بحاجته حتى تنقضي ويحتسب الأجر، فليس له الحق في اختيار من يساعد من الناس. واعلم أن هذا الشخص الذي قصدك واختارك من بين عباده لتقضي حاجته، قد أرسله الله لك لتقضيها له وتكسب الأجر، فإنه قد جاءك وهو متوكل على الله ومتفائل بأنك ستقضي حاجته فلا تخيب رجاءه. ولتعلم انه قد يأتي يوم تحتاج له ولغيره، فلا تحقرن من المعروف شيئا. فلا تتردد أو تقول (على خير) وأنت لن تفعل شيئا. فإن الرجل ذا المنصب أو المركز أو الجاه يكون مثل الرأس في الجسد، ولهذا يذكر عن رجل أوصى ابنه فقال: يا بني، لا تكن رأسا فإن الرأس كثير الآفات أو الأوجاع، فعليك أن تتحمل ما يحمله هذا المنصب من تكلف أو تعب فلذة خدمة الناس لا تعادلها لذة. وكلمة جزاك الله خيرا عندما تنهي حاجته، هي أبلغ الثناء. فإذا قال شخص لآخر (تكفى يا فلان أبيك تخلص لي موضوعي) قال له (ابشر بسعدك) ومشى معه حتى يقضى حاجته، وهذه من مكارم الأخلاق، لان كلمة تكفى عند اللي يعرفون معناها تهز الرجال. قال الشاعر: جيتك بكلمة كنها صقعة الويل وإن قلت تكفى لا تـهـاون بـتـكـفـى تكفى تراها كلـمـة تـقـطـم الـحـيـل لا بالله إلا تنسف الـحـيـل نـسـفـا تكفى ترا تكفى لـهـا هـدرة الـسـيـل في صدر حرٍ ينتف الطيـب نـتـفـا تكفى ترا تكفى لها تـسـرج الـخـيـل إن كان لك في مجمع الخيل عسفا تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل ولولا صروف الوقت ما قلت تكفى نسال الله أن يكتب الأجر لمن قام مع أخيه المسلم في حاجته حتي يقضيها له.
1866
| 10 مايو 2024
يعتبر النقل الجوي من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها، حيث إنه يعد الوسيلة الفعالة للحفاظ على وقت المسافرين، وربط دول العالم بعضها ببعض مما يسهم في دفع عجلة التنمية، كما أنه يمثل واجهة حضارية لأي دولة؛ فإذا ما كانت خدمات النقل الجوي مزدهرةً ومتطورةً في دولة ما ذلك يدل على ازدهار وتطور تلك الدولة. وتعتبر هذه العقود من عقود الإذعان حيث إن شركات الطيران هي من يحدد العقد وشروطه وما على المسافر الا الإذعان لهذه الشروط حيث لا يسمح بتعديلها أو مناقشتها، كما وتعتبر عقود النقل الجوي من العقود الرضائية والتي لا يتطلب فيها القانون شكلاً معيناً لإفراغها فيه، إنما يتم انعقاده بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول بين المسافر وشركة الطيران، وبالرغم من أنها من عقود الاذعان الا أن ذلك لا يجردها من كونها عقودا رضائية، نظراً لأن المساواة المطلقة بين المتعاقدين تكاد أن تكون أمراً مستحيلاً. وفي هذا السياق نجد أن المشرع القطري عرف النقل الجوي في المادة 217 من قانون التجارة رقم 27 لسنة 2006 بأنه يقصد بالنقل الجوي نقل الأشخاص أو الأمتعة أو البضائع بالطائرات مقابل أجر. وقيد الحرية التعاقدية ببطلان شروط الإعفاء او الحد من المسؤولية وذلك في النص الوارد في المادة 227 من أنه يقع باطلاً كل شرط يقضي بإعفاء الناقل الجوي من المسؤولية أو بتحديدها بأقل من الحدود القصوى للتعويض المنصوص عليها في المادة (224) من هذا القانون. وذلك تماشياً مع اتفاقية شيكاغو 1944 والتي صادقت عليها دولة قطر في سنة 2007 ومن بعدها وتحديداً في العام 2008 انضمت دولة قطر الى بروتوكولات مونتريال الخاصة بتعديل اتفاقية شيكاغو. إن مسؤولية شركات الطيران تجاه ركابها تندرج تحت أساس المسؤولية المدنية سواءً كانت عقدية أم تقصيرية، بدايةً بتسهيل كافة إجراءات السفر للمسافر، مروراً بكفالة سلامته وراحته أثناء السفر وانتهاءً بضمان وصوله الى وجهته في الزمن المعلن والمتفق عليه مع أغراضه الشخصية وما صاحبها. ويتحقق الإخلال في ذلك بمجرد عدم تنفيذ ما التزم به الملتزم بغض النظر عن مسلكه، أي بمجرد حدوث الضرر للمسافر، وبالتالي فإن مسؤولية شركات الطيران هي مسؤولية شخصية قائمة على أساس الخطأ المفترض، ذلك أن المسافر غير ملزم بإثبات خطأ شركة الطيران إلاّ أنّه يبقى لشركة الطيران الحق في دفع المسؤولية عنها وذلك بنفي الخطأ بمعنى اثبات أن الضرر الذي حصل للمسافر لا يرجع إلى خطأ ناتج منها أو من أحد تابعيها بل إلى سبب آخر وانها اتخذت خلال عملية النقل والسفر جميع الاحتياطات اللازمة لتفادي وقوع الضرر أو أنه استحال عليها اتخاذها. وهو ما يحيلنا إلى القول إلى أن مسؤولية شركات الطيران تجاه الركاب ذات طبيعة موضوعية تتحمل فيها ما قد ينتج عن أي خطأ أو ضرر للمسافر، الا ما كان بسبب أجنبي أو لا يد لها فيه. وفي هذا الصدد قد مرت قضايا مشابهة ترافع فيها مكتبنا، وذلك بقيام إحدى شركات الطيران بمنع مسافرة من الصعود الى الطائرة رغم استيفائها لجميع الإجراءات القانونية والفنية المطلوبة، الا أن موظفة شركة الطيران رفضت للمسافرة إكمال إجراءاتها بصعود الطائرة بحجة تأخرها في إكمال الإجراءات رغم حضورها مبكراً واكتمال إجراءاتها، مما تسبب للمسافرة في فوات رحلتها بجانب الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بها جراء هذا الفعل؛ فتمت مقاضاة تلك الشركة عما اقترفته من ضرر تجاه هذه المسافرة، وقد صدر الحكم جابراً لضرر المسافرة وملزماً لشركة الطيران بتعويض المسافرة تعويضاً مجزياً تم سداده كاملاً للمسافرة. إننا وإذ نسرد مثل هكذا قضايا - على قلتها إنما تعكس الواقع العملي والتطبيق القانوني السليم على أرض الواقع، وبدورنا نرسل صوت إشادة بمثل هذه الممارسات القضائية العادلة والتي تنصف المسافر وتعيد إليه الحق، فالحق هو ما قام عليه الدليل وهو أحق أن يتبع.
1521
| 13 مايو 2024