رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

جعفر عباس

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

9137

جعفر عباس

يا شيّاب حِلّوا عن سما الشبا

21 ديسمبر 2021 , 01:21ص

كان أبي رحمه الله يملك جهاز راديو أثريا في حجم أجهزة التلفزيون القديمة ذات الصندوق، ينتمي إلى عصر ما قبل الكهرباء، ويعمل ببطارية في حجم بطارية السيارة، ولا أعرف لماذا حرص على اقتنائه فلم يكن معنيا بالسياسة، ولا احسب أنه كان يعرف أغنية واحدة تتردد عبر الإذاعة السودانية، المهم انني كنت ألاحظ انه يبقي على الراديو مفتوحا طوال ساعات صحوه، دون ان يتابع فعلا ما يقوله المذيعون، وفي ذلك الزمان كان أهم ما يبثه الراديو في نظر جيل ابي في السودان هو أسماء المتوفين فقد كانت هناك نشرة أخبار محلية في الثامنة من مساء كل يوم وختامها أسماء من ماتوا ومواعيد الدفن وأماكن تلقي العزاء، ولكن الراديو كان أداة الترفيه الوحيدة المتاحة لنا نحن عياله، وكنا نجلس أمام الجهاز نتابع أحوال ذلك الكائن الخرافي المسمى بـ»الحكومة» ونستمع إلى الأغاني، نعم نجلس أمامه مباشرة أي في الواجهة التي فيها المفاتيح وكأن الجلوس في موقع غير ذلك سيؤدي الى خلل في السمع او تفويت فقرة ما.

ثم ظهر مطرب اسمه إبراهيم عوض، وكان، وسيما وشديد التأنق والاعتناء بمظهره، وكثير التهذيب وجم الأدب، ولكن مشكلته مع جيل آبائنا كانت في أنه طلع بأغانٍ سريعة الإيقاع، بسيطة الكلمات مثلت نقلة من رتابة الأغاني القديمة وإيقاعها البطيء، وصارت أغانيه على ألسنة جيل الشباب، وتتردد عبر أجهزة تسجيل فيليبس وغرونديغ في المقاهي، وكان «الصعاليك» يرقصون في الأفراح على إيقاع تلك الأغنيات، ولهذا قرر والدي أن غناء إبراهيم عوض مزعج وفاسد، وبالتالي «ممنوع» ولأن غناءه كان متميزا عن الغناء السائد، فقد كان والدي قادرا على تمييز صوته ويغلق الراديو بمجرد سماعه إياه، وينهانا عن الاستماع إليه مستخدما عبارة «خلي الزفت دا يسكت»، ولضمان نفوري منه قال لي إنه سمع ان إبراهيم عوض شيوعي.

ودارت الأيام وصرت أبا، وظهر نوع جديد من الغناء اصطلح الناس على تسميته ب»الشبابي»، وتصدى له أبناء جيلي الذين صاروا آباء، وباتوا يصفونه بكل سوء، ويترحمون على الغناء القديم: أين هؤلاء من أم كلثوم وفريد الأطرش ووديع الصافي وفيروز؟ وصار جيل الشياب يبدي أسفه على غناء الشباب الهابط (اموت وأعرف معلومة عن الغناء الصاعد!!) وهكذا فان كل جيل يحاول ممارسة التسلط على الجيل الذي يليه، وهكذا فإن جيلنا سعى لإلغاء عمرو دياب وحكيم والزغبي والساهر. وأقر وأعترف بأنني لا أستطيع التمييز بين صوت عمرو دياب وصوت محمد الهنيدي، ولم استمع لأي أغنية لنوال أو منال أو سعال أو إسهال عمدا، فمؤشر راديو السيارة عندي ثابت عند محطات أخبارية بالعربية والإنجليزية، وقد يستخدم غيري سيارتي ويحرك مؤشر الراديو وعندما أقودها تتسرب منه أحيانا أغنيات للمذكورات أعلاه، ولكنها لا تلفت انتباهي، لعدة أسباب أهمها أنني مش فاضي، وأن ذوقي الموسيقي وطني شوفيني، ولا تهزني عادة إلا الموسيقى السودانية وما شابهها من إثيوبية وموريتانية وإفريقية عموما، وما يشدنا نحن السودانيين إلى الغناء الخليجي هو كثافة إيقاعات الطبول والدفوف فيه، ولكنني لا أعطي نفسي حق القول بأن الغناء الشبابي تافه فقط لأنني لا أستسيغه، ولا أفهم كما أسلفت ما هو الغناء الهابط وما هو الغناء الصاعد، وإذا كان المعيار هنا لكلمات الأغاني فيا ما هناك أغنيات نصفها ب»الخالدة» فيها كلام يكسف حتى روبي اللي ما تتكسفش! بل أذهب إلى أبعد من هذا وأقول إنني لا اعتبر الشاب الذي تبدو قصة شعر رأسه وكأن مدحلة أو وابور زلط دهسه بينما كان نائما في شارع مسفلت،.. لا اعتبره جانحا أو سيئ الأدب، على الرغم من أنني أود لو أقشر فروة رأسه بقطعة زجاج، وينسى أبناء جيلي أنهم كانوا يوما ما «متمردين»،.. وكان لبس البنطلون في القرية على عهود صبانا ضربا من التمرد بل وعدم الرجولة، وكان من يستخدم النيفيا أو أي دهان لترطيب الجسم يعتبر «نُص كُم»، ومن يطيل شعر رأسه أكثر من سنتيمتر واحد كان يعتبر صعلوكا فالتا «فتجنبوه»

 [email protected]

مساحة إعلانية