رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. زين العابدين شرار

مساحة إعلانية

مقالات

6303

د. زين العابدين شرار

محكمة التحكيم الرياضي (كاس)

29 سبتمبر 2022 , 12:41ص

شهدت الرياضة في العقود الماضية تطورا كبيرا، حيث أصبحت الرياضة صناعة قائمة بحد ذاتها وباتت تلعب دورا رئيسيا في اقتصاديات العديد من الدول، الأمر الذي أدى إلى التنافس الدولي على استضافة الأحداث الرياضية الدولية لما لها من أثر مهم في جذب الاستثمارات وتنشيط حركة السياحة والتجارة والاقتصاد. وفي بدايات الثمانينات من القرن الماضي، كثرت النزاعات الرياضية لاسيما المنازعات المتعلقة بالمجال الرياضي الدولي، ولا يوجد آنذاك آلية أو منظومة دولية مختصّة ومستقلة لتسوية النزاعات الرياضية بقرارات ملزمة، وكثرت الدعوات لإنشاء جهة دولية محايدة ومستقلة ومختصّة لتسوية المنازعات المتعلقة بالرياضة بعيدا عن أروقة المحاكم الوطنية، مما حدا باللجنة الأولمبية الدولية إلى إنشاء محكمة التحكيم الرياضي والتي تعرف اختصارا باللغة الإنجليزية بمسمى (كاس) لتسوية النزاعات الرياضية بواسطة التحكيم وذلك في عام 1984.

ويوجد المقر الرئيس للمحكمة في سويسرا في مدينة لوزان، كما يوجد للمحكمة مقر للاستماع في مدينتي نيويورك بـالولايات المتحدة وسيدني بـأستراليا، فضلا عن مقر مؤقت يجري إنشاؤه في المدن المستضيفة للأحداث الرياضية الدولية خلال فترة إقامة الحدث الرياضي.

وقد ثار موضوع استقلالية المحكمة في النزاعات التي تكون اللجنة الأولمبية الدولية أحد أطرافها، حيث تعرّض أحد الأحكام التي أصدرتها المحكمة الفدرالية السويسرية في عام 1993 بشكل غير مباشر إلى هذا الموضوع، وأشار إلى أن العلاقة القائمة بين محكمة التحكيم الرياضي واللجنة الأولمبية الدولية قد يؤثر على استقلالية وحياد الأخيرة في حال عرض نزاع عليها وكانت اللجنة الأولمبية الدولية أحد طرفيه، باعتبار أن اللجنة الأولمبية هي المموّل الوحيد للمحكمة وهي صاحبة الاختصاص بتعديل القانون المنشئ للمحكمة واختصاصاتها.

وبناء على ذلك، تم مراجعة قانون المحكمة وتعديله في عام 1994 لغايات جعل هيكل المحكمة أكثر استقلالية وحيادية عن اللجنة الأولمبية الدولية، حيث تم إنشاء المجلس الدولي للتحكيم الرياضي للقيام بدور الإشراف على أعمال وتمويل محكمة التحكيم الرياضي عوضا عن اللجنة الأولمبية. ومن أهم التعديلات التي طرأت أيضا على القانون هو انشاء قسمين في هيكل المحكمة: يسمى القسم الأول بدائرة منازعات التحكيم العادي ويختص بالفصل في المنازعات الرياضية العادية وفقا لإجراءات التحكيم العادية، أما القسم الثاني فيسمى بالقسم الاستئنافي، ويختص بنظر المنازعات الرياضية المتعلقة بالقرارات التي تتخذها الاتحادات أو المؤسسات او المنظمات الرياضية. وقد تم اعتماد التعديلات والإصلاحات التي طرأت على قانون محكمة التحكيم من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، ورابطة الاتحادات الرياضية الدولية للألعاب الأولمبية الصيفية، ورابطة اتحادات الرياضات الشتوية الدولية، واتحاد اللجان الأولمبية الوطنية بتاريخ 22 يونيو 1994 وبعد أن تم التوقيع على اتفاقية بهذا الخصوص والتي تعرف باسم اتفاقية باريس لعام 1994.

وقد أكّدت المحكمة الفدرالية السويسرية في أحد أحكامها الصادر في عام 2003، والذي كانت فيه اللجنة الأولمبية الدولية أحد أطرافه، على استقلالية محكمة التحكيم الرياضي في هيكلها الحالي عن اللجنة الأولمبية وبأنها لم تعد تابعة لها. ويعد هذا الحكم بمثابة الاعتراف بمكانة واستقلالية وصلاحيات محكمة التحكيم الرياضي في مجال التحكيم الرياضي.

ولقد اعترفت كافة الاتحادات الدولية وجميع اللجان الأولمبية المحلية والقارية باختصاص وولاية وصلاحيات محكمة التحكيم الرياضي في حل المنازعات الرياضية، حيث قامت تلك الاتحادات بتضمين اتفاق التحكيم في قوانينها ولوائحها لإحالة أي نزاع ينشأ فيما بينها والغير إلى التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم المعمول بها في محكمة التحكيم الرياضي. بالإضافة إلى ذلك أجبرت الاتحادات الدولية الاتحادات المحلية التابعة لها على تضمين شرط التحكيم في لوائحها لتسوية أي نزاع في المجال الرياضي وفقا لإجراءات التحكيم المعمول بها في محكمة التحكيم الرياضي عوضا عن اللّجوء للقضاء الوطني.

وتخضع إجراءات التحكيم في محكمة التحكيم الرياضي لمدونة الرياضة المتعلق بالتحكيم المعمول بها في المحكمة. ويشترط لانعقاد الاختصاص التحكيمي للمحكمة وفقا لإجراءات التحكيم العادية أن يكون هناك اتفاق تحكيم بين الطرفين المتنازعين على تسوية أي نزاع قد ينشأ فيما بينهم من خلال التحكيم وفقا لقانون وإجراءات محكمة التحكيم الرياضي.

وتبدأ الإجراءات في هذا النوع غالبا بحث الأطراف المتنازعة على حل النزاع بالطرق الودية من خلال الوساطة، وإذا لم تثمر تلك الطرق إلى تسوية النزاع، فتبدأ عندئذ إجراءات التحكيم.

وهناك إجراءات أخرى للتحكيم في محكمة التحكيم الرياضي تعرف بإجراءات التحكيم الاستئنافي. وتنظم هذه الإجراءات تسوية المنازعات الخاصّة بالقرارات الصادرة عن الاتحادات والمنظّمات الرياضيّة الدولية والمحلية، شريطة أن تكون اللّوائح المعمول بها في تلك الاتحادات والمنظّمات الرياضيّة تجيز استئناف قراراتها أمام محكمة التحكيم الرياضي والتي لها صلاحيات إلغاء القرارات المُتظلّم منها كليًا أو جزئيًا أو استبدالها بقرارات جديدة.

وكما يوجد هناك أيضا إجراءات سريعة خاصة بالتحكيم الاستئنافي لتسوية المنازعات التي تحدث خلال الأحداث والفاعليات الرياضية الكبرى مثل بطولة كأس العالم الفيفا ودورات الألعاب الأولمبية، حيث تكون هناك لجنة من المحكمين في مكان الحدث وجاهزة لسماع أي نزاع يتعلق بالطعن في أي قرار تم اتخاذه من قبل الجهة المنظمة للحدث الرياضي، بل وإصدار الحكم فيه خلال 24 ساعة.

كذلك، تقدم محكمة التحكيم الرياضي فتاوى غير ملزمة بشأن بعض المسائل المتعلقة بالرياضة بناءً على طلب من اللجان الأولمبية الدولية أو الاتحادات الرياضية الدولية.

وتكون مدة التحكيم لإصدار الحكم المنهي للخصومة وفقا لإجراءات التحكيم العادية ما بين 6 إلى 12 شهرا، أما في حال التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم الاستئنافي، فتكون مدة التحكيم لإصدار الحكم المنهي للخصومة خلال 3 أشهر من تاريخ إحالة ملف النزاع إلى هيئة التحكيم. ويكون لمحكمة التحكيم الرياضي أن تأمر باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية المناسبة للحفاظ على حقوق أحد الأطراف وذلك في الحالات التي قد تؤدي إلى وقوع ضرر لا يمكن تفاديه فيما بعد.

وقد ألزم الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا الاتحادات الوطنية بإنشاء هيئات تحكيم وطنية تفصل في المنازعات الرياضية قبل اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي، حيث تنص المادة (67/2) من النظام الأساسي للاتحاد الدولية لكرة القدم على أنه لا يجوز اللجوء لمحكمة التحكيم الرياضي إلا بعد استنفاد كافة طرق التسوية الداخلية.

وقد وضعت بعض الاتحادات الدولية آليات خاصة فيها لتسوية النزاعات الرياضة قبل إمكانية اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي. فعلى سبيل المثال، فقد قام الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا بإنشاء عدة لجان للفصل في المنازعات الرياضية المتعلقة بالاتحاد مثل: لجنة الانضباط ولجنة الاستئناف ولجنة الاخلاق وغرفة فض المنازعات.

ولقد نص النظام الأساسي للاتحاد القطري لكرة القدم على أن من شروط العضوية بالاتحاد هو إقرار واعتراف مقدم الطلب بهيئة التحكيم التابعة للاتحاد القطري في محكمة التحكيم الرياضية. ويستثني النظام الأساسي للاتحاد بعض النزاعات من عرضها على محكمة التحكيم الرياضي بصفتها الاستئنافية والتي تتعلق بالمخالفات لقوانين اللعبة أو الإيقاف لما يصل إلى أربع مباريات أو لما يصل إلى ثلاثة أشهر، أو بالنسبة إلى القرارات الصادرة من قبل هيئة تحكيم مستقلة ومشكلة بصورة صحيحة من قبل اتحاد أهلي أو اتحاد قاري.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم إنشاء مؤسسة قطر للتحكيم الرياضي لتسوية المنازعات الرياضة الخاصة بكرة القدم عن طريق التحكيم والوساطة. وتتألف المؤسسة من قسم التحكيم العادي وتختص بالفصل في المنازعات الرياضية العادية، وقسم التحكيم بالاستئناف، وتختص بنظر قرارات الجهات الخاصة بلعبة كرة القدم شريطة ان تنص اللوائح الخاصة بتلك الجهات في الدولة.

وسوف تكون مؤسسة قطر للتحكيم الرياضي مقرا لهيئات ومحكمي محكمة التحكيم الرياضي خلال منافسات كأس العالم فيفا قطر 2022 التي تستضيفها دولة قطر بتاريخ 20 نوفمبر 2022.

وقد أبرمت مؤسسة قطر للتحكيم الرياضي مذكرة تفاهم مع محكمة قطر الدولية للتعاون وتبادل الخبرات واستخدام مرافق محكمة قطر الدولية لعقد الجلسات في القضايا الرياضية.

ونرى بأنه من الأهمية بمكان تعزيز الوعي القانوني لدى الرياضيين المحترفين والأندية الرياضية والاتحادات المحلية بالدور المهم الذي تقوم به محكمة التحكيم الرياضي لتسوية النزاعات الرياضية.

مساحة إعلانية