رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حدث وأن كان بينه ورجل كلامٌ في شيء، فقال له الرجل: اتق الله يا أمير المؤمنين! فقال له رجل من الحاضرين: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فقال الفاروق عمر- رضي الله عنه وأرضاه -: دعه فليقلها. نِعْمَ ما قال؛ لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها.
لم يتم استدعاء الرجل إلى أمن الدولة لأنه انتقد الخليفة أمام الناس، ولم يتم سحبه إلى الشرطة والنيابة والمحاكم، بل قال ما بنفسه وعبّر عن أمر رأى ضرورته وأهمية قيامه بدور المواطن الصالح، الذي لا يتردد لحظة في توعية وتنبيه رأس الدولة - وهو يومئذ الخليفة عمر- بقوله اتق الله يا أمير المؤمنين.
لم يكن في ذلك التنبيه ما يسيء للخليفة كما رآه بنفسه الفاروق - رضي الله عنه - بل رأى في دعوة ذاك المواطن له، أنها أقرب ما تكون إلى تذكيره بالله، فهو إنسان وإن كان أميراً للمؤمنين، مثله مثل بقية الناس، يصيب ويخطئ. ورأى أن التذكير بالله وضرورة اتقاء غضبه سبحانه، أمر طيب ومطلوب أن يشيع بيننا جميعاً، الحاكم والمحكوم أولاً، ثم بين المحكومين أنفسهم أيضاً، أو ما نسميهم اليوم بالرعية أو الشعب أو المواطنين، أو غيرها من ألفاظ ومصطلحات. بمثل تلكم النوعيات من القادة والمسؤولين، أصحاب الصدور الرحبة، والعقول الواعية الراقية، وبمثل تلكم النوعيات كذلك من الشعوب، التي كانت لا تخاف في الله لومة لائم، تقول الحق في وجه الزعيم قبل غيره، ترقى وتنهض الأمم. وبمثل أولئك وصل الأولون من هذه الأمة إلى ما وصلوا إليه، وبفقدان تلك النوعيات شيئاً فشيئاً، وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. هذه خلاصة مقال اليوم، ولمن أراد الاستزادة، يمكنه المتابعة..
الاستبداد ابتلاء للشعوب
المستبد يتذمر عادة من سماع صوت فيه شيء من المخالفة لرأيه أو رؤيته. لا يطيق ذلك، بل يعتبره مساساً بذاته. يقول سيد قطب – رحمه الله – في ظلال القرآن عن نفسية وطبيعة المستبد إنه: «تأخذه العزة بالإثم، ويرى في النصح الخالص افتياتاً على سلطانه، ونقصاً من نفوذه ومشاركة له في النفوذ والسلطان ( قال فرعون: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صواباً وأعتقده نافعاً. وإنه لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال!، وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب، وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون، وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأياً، وإلا فلم كانوا طغاة؟».ومعلوم من شواهد التجارب البشرية وأحداث التاريخ، أن الاستبداد غالباً تصاحبه الحماقة، المستبد لابد وأن يصل به الاستبداد بعد حين من الدهر لا يطول، إلى أجواء الحماقة، سواء في قراراته أو إبداء آرائه أو رؤاه. ستجد الحماقة تلازم تصرفاته، أقوالاً كانت أم أفعالا. والقرآن الكريم ضرب لنا أمثلة كثيرة لنوعيات من أولئكم الحمقى والمغفلين على شكل زعماء ومسؤولين.
إن أسوأ ما يمكن أن تُبتلى به أمة من الأمم هو سيادة مستبدين، من تلك النوعية التي لا ترى غير ما هي تراه، لا ما يراه أحد غيرها. والأسوأ من أولئك المستبدين، تلكم الشريحة العريضة الممتدة من المرؤوسين، وقبولها العيش في ذل، مقابل فتات أو بعض مباهج دنيوية زائلة، وهو القبول الذي يؤدي غالباً بها إلى استحسان أفعال وأقوال أولئك المستبدين، بل والهتاف باسمهم وطلب المجد لهم، رغبة أو رهبة!.. فهل هناك للشعوب أسوأ من هذا؟.
الاستبداد زائل وإن طال
القرآن الكريم حين يذكر قصص المستبدين المتكبرين، فإنما لتكون شواهد باقية على أن الناس هم أنفسهم السبب في صناعة أولئك المستبدين المتجبرين، وذلك حين تختار أو ترضى بجهّالها سادة وزعماء وقادة، وبالتالي لا يجب عليها بعد ذلك أن تصيح في كل واد، تشتكي إلى هذا وذاك من سوء وقسوة حكامهم المستبدين، فإن أولئك الحمقى نتاج تجاهل الناس أو الشعوب وغفلتها أو تغافلها عمن يصلح لها في إدارة شؤون حياتها. وقد أشار الكواكبي إلى هذا حين ذكر بأنه لا يخفى على المستبد مهما كان غبياً أحمق، أنه لا استعباد ولا اعتساف إلا ما دامت الرعية حمقاء، تتخبط في ظلامة جهل وتيه عماء. وهذا الذي فعله فرعون مع شعبه حين رآهم خفاف العقول، ويمكن إلهاؤهم بشتى الطرق، كما وصفه القرآن (فاستخف قومه فأطاعوه).
أبو جهل، فرعون هذه الأمة، حين ذكره القرآن دون الإشارة إلى اسمه، كان أنموذجاً لما نتحدث عنه. كان حجر عثرة - إن صح التعبير- أمام قبيلة عريقة مثل قريش أن تواصل سيادتها على القبائل بدخولها الدين الجديد وقبوله بدلاً من محاربته، ليتسبب ذاك الأحمق بسبب عناده واستبداده في الرأي في انهيار سمعة قريش بين العرب في أول مواجهة عسكرية في بدر، وقيادة قومه وأشرافهم إلى مصير بائس، وقد كانوا من كانوا في قومهم قبل ساعات من هلاكهم.
فرعون موسى، نموذج سابق لأبي جهل، كان غاية في العناد والجهالة والحماقة أيضاً. لم تنفعه قوته وأمواله ووزراؤه وخدمه وحشمه وكل الألوف المؤلفة من الجماهير المصفقة له، الذين استخف بهم حيناً من الدهر فأطاعوه.. لم يقف أحد معه وقت محنته وشدته، فكانت العاقبة المنتظرة لمتجبر ظالم أحمق مثله، الغرق في البحر أمام ألوف من الذين أذاقهم الذل والهوان حيناً من الدهر طال.
خلاصة الحديث أن الاستبداد مرض، سواء مع الذات أو الآخرين. هو مرض في البيت، العمل، المجتمع، الدولة، أو أي كيان أكبر آخر حولك. الأسوأ من الإصابة بهذا المرض، قبوله والرضا به، لأن ذلك عامل مهم يطيل من عمر الاستبداد والمستبدين. وإنّ مثل هذا الوضع لا يمكن تصحيحه وتغييره إلا حين يسمع الناس تارة أخرى «اتق الله يا أمير المؤمنين». وهذا أمر لا شك أنه لا يأتي ولا يقع بالتمني، ولكن بمشروع إصلاحي نهضوي استراتيجي، يأخذ من صلاح الماضي ما يدفع لإصلاح وتحسين الحاضر، واستشراف ما يصلح ويُحسّن المستقبل والله (لا يضيع أجر المحسنين).
من تعلم لغة قوم أمن مكرهم. وعلى رغم أن العبارة تعارف الناس عليها أنها حديث نبوي، إلا أنها... اقرأ المزيد
237
| 09 مايو 2024
أصدق وأجمل فرحة تلك التي تتوج سنوات تعب وسهر وقهر للظروف، ومواجهة الصعاب وسنوات صبر…للوصول ليوم التخرج وجني... اقرأ المزيد
186
| 09 مايو 2024
يقول علماء الإدارة إذا استعصت عليك مشكلة فاعمل على تجزئتها حتى يمكنك حلها. شهد عام الحرب الذي تعيش... اقرأ المزيد
102
| 09 مايو 2024
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
د. عـبــدالله العـمـادي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من فيتنام وأمريكا تنقض غزلها، بعد حرب أمريكا على العراق اتضح أن أمريكا ناقضة الغزل، فقد بنت غزلها منذ الحرب العالمية الثانية، فنسجت منظمات الأمم المتحدة وقوانينها الليبرالية، من حقوق الإنسان والديمقراطية وحق التعبير وحق الرأي، وعدم شرعية التعذيب والوصاية على الحقوق المدنية، ومحاربة العنصرية وتجريم جرائم الحرب ووضع التشريعات لمعاقبة الإبادة الجماعية وإنشاء المحاكم الدولية والأممية، وبدا أن أمريكا تهيمن من خلال أعلى المبادئ الإنسانية وثمرة التجربة الإنسانية، فرضخ العالم لهذا القادم الجديد وذي الروح الإنسانية والسلوك الراقي، والعلم الوفير والإدارة الحكيمة والتقدم العلمي والتقني، وقدم للإنسانية المعارف والتقنيات من أجهزة التكييف إلى السيارات والطائرات والفاكس والإنترنت والشبكات الاجتماعية وكذلك الممارسات الحديثة، والمؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، لكن في حربه على العراق بدون مبرر إلا من مطامع النفوذ والهيمنة الامبراطورية، نقضت أمريكا الغزل فكذبت على الأمم المتحدة من أجل الحصول على إذن لمهاجمة العراق، فلما تم الرفض، نقضت العهود وعزمت على مخالفة أمر الأمم المتحدة والقانون الدولي فكان بداية النقض لما تم نسجه، نقضت العهود أمام العالم ففقدت المصداقية وتتالت تجاوزاتها من قتل للمدنيين والتعذيب في أبو غريب وغوانتانامو بيي وبقرام، واستمرت سلوكيات النقض، حتى جاءت حرب أوكرانيا وتدابيرها في استفزاز روسيا من أجل إدخال الناتو في حرب معها لضمان استمرار أوروبا حليفا وداعما لأمن أمريكا، فقطعت إمدادات الطاقة عن أوروبا وحشّدتها لمواجهة روسيا، فجاء طوفان الأقصى ليقلب كل المعايير والمصفوفة الذهنية التي اعتمدت على النظام العالمي المشيّد والمقبول عالميا، بدّد طوفان الأقصى الصور الذهنية المبنية في المخيلة العالمية، من صورة أجهزة المخابرات الفذة الناجحة والجيوش التي لا تهزم إلى من هم أصحاب النفوذ والهيمنة العالمية، تهاوت الهياكل والبنى من حولنا، فتضاءلت القوى العظمى أمام باب المندب، وتساقطت أصنام الماضي من الموساد وشين بيت وأمان وسي آي أي و د آي أي ومثيلاتها أمام غزة المقاومة، وتفككت السردية الغربية الاستعمارية أمام الواقع وانتشار تقنيات الحاضر، فتهاوت المؤسسات الإعلامية الكبرى من سي إن إن إلى وول ستريت إلى الواشنطن بوست، بدا غزل أمريكا في حالة تناقض تداعت لها المؤسسات وبلغ الأمر ذروته بدخول الجامعات على خط المظاهرات حماية لأسس الغزل حق التعبير وحق التظاهر خاصة في حرم الجامعات، بدت أن أمريكا أصبحت دولة دكتاتورية، وكذلك أوروبا في منع التظاهر، وتحولت المواجهة من وقف لحرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار على القطاع، إلى موضوع يمس الذات ويمس كل ما هو أمريكي من دفع ضرائب تسرب لإسرائيل وتنعم بها إسرائيل إلى استخدام تلك الأموال في حرب الإبادة، فخرج الأمريكان للتعبير عن رأيهم فتم قمعهم كما تم قمع الشعوب الأوروبية، هنا لم يعد الأمر مجرد حرب إبادة باسم أمريكا والغرب بل هو هجوم على كل ما غزل في الثقافة الأمريكية والأوروبية والغرب والثقافة الغربية، التي كان باسمها شنت حروب وتكونت أحلاف لحماية تلك الثقافة من ديمقراطية وحرية، لقد نقضت أمريكا غزلها، واستحقت ناقضة الغزل أن تكون تلك نهاية عصر الهيمنة الأمريكية والغربية، فلم تعد هناك ثقافة يدافع عنها أو مواقف أخلاقية يمكن البناء عليها، لقد حان الوقت للعالم لإعادة بناء النظام العالمي، فلم تعد أمريكا ولا أوروبا حامية للإرث الإنساني والنظام العالمي، فلا بد من تدخل العالم وشعوب العالم كما نرى أمامنا على الشاشات والشبكات الاجتماعية، هناك قناعة من المجتمعات الغربية أنها لم تعد قادرة على حمل الأمانة ولابد من الشروع في ترتيبات إقامة نظام عالمي يحظى بدعم العالم.
17916
| 02 مايو 2024
بعد ساعات قليلة من نشر بودكاست الحوار مع الإعلامي «فيصل القاسم» وصلت المشاهدات إلى ما يفوق أربعة ملايين مشاهدة، والسبب في اعتقادي ليس لأنّه إعلامي مشهور في قناة كبيرة هيّ قناة «الجزيرة « ملأت الدنيا وشدّت أعين الناس عبر العالم ولا زالت.. وليس لأنّ برنامجه « الاتجاه المعاكس» تربع على قمّة البرامج الحوارية الجريئة والمثيرة للنقاش في العشرين سنة الماضية، وليس لأنّ الرجل كان محل جدل في حواراته وطريقة إدارته لبرنامجه أو قناعاته أو ميولاته واستفزازاته، وإنما السرّ الكبير هو ذلك الاكتشاف الجديد في شخصية الرجل وماضيه وعائلته وطفولته الفقيرة، البائسة والمعدمة، وتجاربه من الجوع والحرمان إلى العمل وفي سن مبكرة في مختلف الحرف والأعمال الصعبة والقاسية. فوراء «فيصل القاسم» الإعلامي الكبير ذلك الطفل الفقير المحروم المقموع، الطفل الضعيف الفقير في القرية المعزولة وما يحيط به من عوّز وحرمان وآفات ومعاناة ومكابدة ومن ظلم اجتماعي واحتقار وعزلة وحيف. اكتشف الجمهور في شخصية «فيصل القاسم» ذلك الطفل الصغير الذي مرّ بتجربة طفولية مؤلمة وقاسية جدا لم تخطر على بال أحد، فصنع نفسه بنفسه من العدم وخرج من حفرة القهر والفقر إلى المغامرة والهجرة وريادة الإعلام والنجاح والبروز والإبداع. لم يتوقع الكثير أن يتحلى «فيصل القاسم» بكل تلك الصراحة والمكاشفة فلم يخجل بضعفه وقلة حال أسرته، ولم يخجل من ماضيه وحجم معاناته قبل أن يصل إلى تلك المراتب والمنزلة الإعلامية الكبيرة.، ثم إلى ذلك المحاور الشرس الصعب والعنيد والمثير للاختلاف والجدل. هيّ ببساطة بعض أسرار التفاعل الكبير للجمهور مع تلك الحلقة المميزة عن مسيرة وحياة الإعلامي «فيصل القاسم».
7554
| 03 مايو 2024
اعتمد المشرع القطري معيار المضاربة كمعيار عام لبيان مدنية العمل أو تجاريته، وهو ما استهله وسلم به في القانون التجاري، وذلك في نص المادة (3) منه، والتي تنص على أن «الأعمال التجارية بصفة عامة هي الأعمال التي يقوم بها الشخص بقصد المضاربة ولو كان غير تاجر. والمضاربة هى تَوَخي الربح بطريقة تداول المعاملات». ومن أوائل من نادى بهذا المعيار الفقيه الفرنسي باردسو وتبعه الأستاذ ليون كان والأستاذ رينو، كما عوّل القضاء في بعضٍ من أحكامه على هذا المعيار للتمييز بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية. ويقصد بالمضاربة بصفة عامة السعي والقصد إلى تحقيق الربح. ووفقًا لهذا المعيار يعد العمل تجاريًا إذا كان التصرف الذي يبتغيه الشخص يهدف إلى تحقيق الربح، أما إذا كان العمل الذي يقوم به الشخص خاليًا من هذا القصد، فلا يعد عملًا تجاريًا. وأبرز مثال لمعيار المضاربة، عملية الشراء من أجل البيع بغية تحقيق الربح، كالأشخاص المضاربين في البورصة وتجار الجملة والتجزئة. ولتوضيح ذلك، فإن فكرة المضاربة تقوم على أساس السبب أو الباعث وراء العمل التجاري، والذي يتمثل في تحقيق الربح؛ وهو ما يضفي الصفة التجارية على العمل، ومعنى ذلك أنه إذا كان السبب أو الباعث هو تحقيق الربح عد العمل تجاريًا، أما إذا كان السبب أو الباعث مدنيًا خاليا منه عد العمل مدنيًا، ومثاله الجمعيات التعاونية؛ إذ تقوم بشراء البضائع لبيعها على أعضائها وغيرهم بسعر التكلفة، وهي بذلك لا تستهدف الربح، إلا إذا خرجت عن هدفها الأساسي وهو ما يحدث في بعض الدول، بأن تحيد عن هدفها وتلهث وراء تحقيق الربح. إلا أن هذا المعيار يشوبه بعض المثالب، فهو واسع من جهة وضيق من جهة أخرى؛ فهو واسع لأنه يبسط نطاقه على أعمال يسبغ عليها المشرع الصفة التجارية على الرغم من أن القانون لا يثبت لها تلك الصفة ويصنفها من الأعمال المدنية، مثل عمل المحاسبين والمحامين والمهندسين والأطباء والمهن الحرة عمومًا؛ حيث يسعون جميعهم من جراء أعمالهم إلى تحقيق الربح، أو بالأحرى الحصول على أجر أو أتعاب، كذلك المزارع الذي يقوم باستئجار الأرض الزراعية ويضارب بين أجرة الأرض وثمن بيع المحاصيل. بناء على ما سبق، إذ طبق هذا المعيار بشكل مطلق لأدخلنا في القانون التجاري أعمالًا مدنية صريحة. بينما يعد هذا المعيار ضيقًا، لأنه يقصر النظر عن أعمالٍ ومن ثم يستبعدها، ولا شك في أنها تجارية، كتحرير الأوراق التجارية، أو التاجر الذي يتعمد الخسارة وذلك من أجل القضاء على منافسيه أو من أجل الدعاية والإعلان، وكذلك التاجر الذي يبيع بضاعته بسعر التكلفة، فجميع ما سبق أعمال لا تهدف إلى تحقيق الربح، وبالتالي تخرج من نطاق الأعمال التجارية، وذلك وفقًا لمعيار المضاربة، على الرغم من أنها أعمال تجارية وفقًا لصريح نصوص القانون. إضافة إلى ما سبق يتعارض هذا المعيار مع المفهوم الحديث للقانون التجاري؛ إذ إنه لا يفسر تجارية أعمال المشروعات الاقتصادية العامة التي تقوم بها الدولة عن طريق شركات المساهمة العامة؛ لأن أغلبها تسعى وراء تحقيق المصلحة العامة، سواء كانت تقصد إلى تحقيق الربح أم لا. ولابد أن ننوه أنه لا يمكن أن نعوّل فقط على معيار المضاربة الذي يقوم على قصد تحقيق الربح؛ حيث إنه يعد أمرًا نفسيًا يصعب تبينه. ولذا؛ بدأ الاتجاه الحديث يعول على مجرد توفر النية في الربح ولو لم يتحقق فعلاً، ولكن ما زالت الإشكالية في معرفة القصد من العمل، وعليه من الممكن أن يبين ذلك من خلال الكمية المشتراة، أو مدى توفر وصف التاجر من عدمه، افتتاحه محلاً تجاريا، إلى غير ذلك مما تساعد على وضوح القصد من العمل. ختامًا، لا يمكن أن ينفرد معيار المضاربة كضابط للتفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، وذلك لما يحتويه من مثالب. ومع ذلك يجب أن نبين أن هذا المعيار يمثل جزءًا من الحقيقة؛ لأن العمل التجاري يقوم على فكرة تحقيق الربح، «فإذا لم تكن المضاربة وحدها ضابطًا للعمل التجاري، فما من شك في أنها أحد عناصره الجوهرية».
2070
| 03 مايو 2024