رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

Alsharq

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

2172

د. فاتن الدوسري

لماذا حقق أردوغان المفاجأة؟

17 مايو 2023 , 02:00ص

جزمت جل التحليلات، وكذلك معظم خبراء الشأن التركي في المنطقة وخارجها، أن الاستحقاق الرئاسي التركي سيكتب نهاية تاريخ أردوغان السياسي الذي مكث في السلطة عشرين عاما بالتمام. وذلك على خلفية أمرين رئيسيين، وبعض الأمور الفرعية، وهما، توحد المعارضة خلف المرشح كليجدار أوغلو لإسقاط أردوغان. والثاني، هو التدهور الكبير الذى يعاني منه الاقتصاد التركي، لاسيما الليرة التركية منذ ثلاثة أعوام تقريبا.

فضلا عن ذلك، ثمة أمور أخرى، ومنها، اشتياق الناخب التركي للتغيير، التعامل الحكومي غير المرضي مع كارثة الزلازل، تدهور العلاقات الخارجية لتركيا... وغيرها. ومع ذلك، حقق أردوغان المفاجأة بحصده نحو 49.34 % من أصوات الناخبين. بينما حصد منافسه القوي كليجدار أوغلو نحو 44.90 %. ليتنافس الرجلان في جولة إعادة آخر مايو، فرص أردوغان للفوز فيها أوفر بكثير. لاستبيان أسباب تحقيق أردوغان للمفاجأة، ينبغي توضيح حقيقتين رئيسيتين: أولاهما، هي طبيعة النظام السياسي التركي، إذ هو نظام متجذرة فيه العلمانية بشكل راسخ، ديمقراطي على نحو كبير جدا. ولعل نتيجة الاستحقاق الرئاسي خير دليل على ذلك، حيث لم تتقدم المعارضة بتظلمات رسمية تشكك في نتائج الانتخابات، ولم تمارس الحكومة ضغوطا، أو تلاعبات للتأثير على الناخب والمعارضة. والثاني، هو طبيعة الناخب التركي، إذ في أغلبه الأعظم- أي بقطع النظر عن انتمائه الفكري أو القومي - يعنيه أولا وأخيراً الاقتصاد ولقمة العيش.

وقد جاءت نتيجة الجولة الأولى من الاستحقاق الرئاسي لتترجم عمليا ما سبق، وتفند معها بعض الأساطير والمغالطات الشائعة عن تركيا ونظامها السياسي والاقتصادي. إذ عكست نتيجة الاستحقاق تراجعا محدودا في ثقة الناخب التركي في سياسات أردوغان الاقتصادية، وفى مستقبل الاقتصاد التركي عامة تحت قيادة أردوغان.

وفي صدد ذلك، يمكننا القول، إن غالبا ما تحدث مقاربات غير علمية أو دقيقة بين الاقتصاد التركي، واقتصادات بعض الدول التي تعاني من انهيار كبير. إذ رغم تراجع الاقتصاد التركي، والتدهور الحاد في الليرة التركية. لكن ما يتم عدم الإشارة إليه كثيرا، أو يتم التغاضي عنه، هو قوة الاقتصاد التركي في حد ذاته، ودواعمه الصلبة الراسخة لاسيما قاعدته الصناعية الضخمة، والتي ساهم أردوغان بصورة كبيرة على مدار ثلاثة عقود في توسيعها وتعزيزها. والتي لا تزال تترجم - رغم أزمة الاقتصاد التركي - في صادرات تركية تناهز مليارات الدولارات، بالتوازي مع عائدات ضخمة جراء السياحة التركية النشطة.

وعلى الجانب الآخر، ما يتم تجاهله أيضا، هو برامج الضمانات الاجتماعية والصحية السخية جدا التي يتلقاها الناخب التركي من حكومة أردوغان. بالإضافة إلى الزيادات المتوالية في الرواتب، وتوفير فرص العمل، وتوسيع قاعدة الإسكان الاجتماعي للمحدودين.

واستنادا إلى هذه الحقائق، تتبدد لدينا بعض الأساطير الشائعة، وتأتي على رأسها، أسطورة الحاضنة الإسلامية المحافظة القوية الداعمة لأردوغان. لا شك أن أردوغان وحزبه يتمتع بشعبية لدى الأوساط المحافظة في تركيا، لكنها ليست بالضخمة كما يصور البعض، ويعنى معظمها في المقام الأول الأداء والتحسن الاقتصادي.

علاوة على ذلك، هناك بعض الشخصيات والتيارات السياسية المحافظة التي تزيد شعبيتها عند تلك الأوساط المحافظة شعبية أردوغان. فضلا عن ذلك، أن النظام التركي- كما أسلفنا - يعمل وفق أسس علمانية راسخة يحترمها الجميع، وفي مناسبات لا تحصى أقر أردوغان شخصيا وعلنا أنه إسلامي يعمل في نظام علماني يستوعب الجميع. وربما قد نسينا أن أردوغان قد فاز في معركته الانتخابية الأولى عام 2002، ببرنامج انتخابي يتوعد بالتحسن الاقتصادي واحترام العلمانية، بعد عقود سوداء عاشتها تركيا جراء انقلابات عسكرية متتالية وفساد حاد، وانهيار اقتصادي تام.

ومع إقرارنا أن العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم وسيزال على المدى المتوسط، لنجاح أردوغان أو غيره. إلا أن ثمة بعض الإنجازات الأخرى التي تحسب لأردوغان، والتي يجب قراءتها من منظور الناخب التركي، وليس من عدسات غربية.

ويأتي من أهمها، نجاح أردوغان في تعزيز وزن تركيا على المستوى العالمي والإقليمي والجيوسياسى أيضا. إذ ما نحسبه مناكفات تركية متهورة مع حلف الناتو وأوروبا وبعض الدول الإقليمية، يحسب الناخب التركي باعتزاز، وباعتباره أيضا حرصا وسعيا واقعيا من دولته على تأمين مصالحها وصيانة أمنها، وتعزيز هوية وكرامة تركيا. إذ إن أردوغان بسياساته قد ناطح الكبار مثل فرنسا في شرق المتوسط، والولايات المتحدة في شمال سوريا.

علاوة على ذلك، لدى أردوغان مواقف صارمة فيما يتعلق بقضية جزيرة قبرص، ومحاربة التمرد الكردي وحركاته المسلحة، وتعد تلك قضايا قومية حاسمة للأتراك. وزد على ذلك، تمكن أردوغان من تحجيم نفوذ المؤسسة العسكرية، إذ إن تغولها يثير مخاوف الأتراك بصورة كبيرة لاسيما مناصري العلمانية والليبراليين والاشتراكيين وتعيد ذاكرة سوداء لتركيا، وتهدم بالأساس أركان العلمانية الراسخة التي وضعها أتاتورك.

ملخص القول، تحقيق أردوغان المفاجأة يكمن ببساطة في استمرار ثقة قطاع عريض من الأتراك في سياسات أردوغان الاقتصادية - التي أدخلت تركيا إلى نادي العشرين الكبار - والمكاسب التي يتحصلون عليها جراء ذلك. إلى جانب، الرضا العام عن سياسات أردوغان الداخلية والخارجية، أي المحافظة على أسس العلمانية، وتعزيز مكانة تركيا خارجيا. وبطبيعة الحال، يبدو جليا أن تكتل المعارضة لن يتمكن من تقديم بدائل مقنعة.

مساحة إعلانية