رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تحظ بودكاست عربية - على ما أعتقد - في الآونة الأخيرة، بالاهتمام والثقة والمتابعة كما حصل لبودكاست فيصل القاسم. كان الكل ينتظرها منذ الإعلان عنها على منصات أثير، لكن ربما لم يعتقد كثير - كحالي - أنها ستكون بهذه المُتعة، وبهذه الصراحة، والمكاشفة والشفافية. لم يكن الزميل فيصل بحاجة إلى أن يجلس على كرسي اعتراف، فقد أدلى بكل ما لديه وعلى سجيته، وكأنه ليس فيصل القاسم الذي عرفناه، وظننا أنه بحاجة إلى محاور شرس كشراسة حواراته، ليستخرج منه ما تكنه الصدور، وتخفيه، ولكنه آثر بنفسه على أن يلقي بلآلئه في أحراج المشاهدين والمستمعين، مما زاده بذلك محبة الناس، وثقتهم به، وبما قاله، وبما يقوله، وسيقوله ربما، إن كان حديثه بهذه الصراحة والشفافية، متحدثاً عن نفسه المهزوزة أمام رفاقه، أو أمام أساتذته وأهل قريته، فكيف ستكون أحاديثه عن غيره، بالتأكيد ستكون أشد صدقاً..
لا تحقرن شخصيتك، ولا تتكلف في حياتك وعملك وقولك، كُن أنت، ولا تخجل من الصورة التي أرادها الله لك. حينها فقط سيستمتع الآخرون بما تقوله، ما دام نابعاً من قلب صادق، لا يعرف التلوّن والتصنع، ولعل في هذه البودكاست رسالة تدحض كل من يسعى إلى تقليد الآخرين أملاً في جذب الناس واستمالتهم، فشخصيتك الحقيقية هي ما يريده الآخرون، وما يريدون أن يسمعوه منك، إنهم يريدون الأصل لا النسخة.
حين نزلت الحلقة ورأيت أن مدتها ثلاث ساعات، ظننت للوهلة الأولى أنها ستكون طويلة ومملة، على الرغم من زمالتي للدكتور العزيز، ومعرفتي به، فقد أتت دليلاً إضافياً على صدق النظرية النسبية وصحتها، وحين بدأت بمشاهدتها لم أتمالك أن أدعها لثانية حتى أتيت عليها كاملة في جلسة واحدة، وقد حصل هذا للكثيرين كما سمعت، وربما للغالبية، خصوصاً السوريين منهم، حيث رأى كل واحد فيهم أنه إنما يروي قصته وحكايته، ومعاناته. فينتقم لهم جميعاً، بكل حركة وسكنة وحرف ينطق به. يسرد قصة وطن ظلم أبناءه، طردهم، نبذهم من مدارسه ومصانعه ومؤسساته، ليذهبوا بعيداً إلى أوروبا وأمريكا وغيرها، ليكونوا شامة في جبين الدهر.
كل ما رواه الزميل كان يحرص من خلاله - كما عبر في البودكاست غير مرة - أن يكون قصة ملهمة للشباب والأجيال، فالفقر والحاجة والفاقة، والظروف الاجتماعية الصعبة ليست حواجز أمامكم أيها الشباب، فإن جار عليكم المعلم، أو الحي، أو الساحة التي انتقم منها شباب السويداء لعيون فيصل، فإن الإصرار والمثابرة، واقتناص الفرص، كحاله في التوجه إلى بي بي سي ثم أم بي سي، وبعدهما إلى الجزيرة، هو الأهم في حياة الشباب، مع التأكيد على أهمية العلاقات العامة، يوم أخذه صديقه إلى حفلة البي بي سي، ففتحت له دنيا الإعلام أبوابها. هي نفسها العلاقات العامة التي قال عنها يوماً بيل جيتس لو كان معي عشرة دولارات، لأكلت بواحد وأنفقت تسعة منها على العلاقات العامة.
الرسالة التي استوقفتني كثيراً، وأحزنتني جداً بعيداً عن الرسائل الكثيرة لحياة الفقر والمكابدة، قضية خروجه من سوريا، ولا يتقن قواعد اللغة العربية، ليتقنها على كتاب إنجليزي يُعلم اللغة العربية، وقواعدها للجمهور الإنجليزي.. فينكب صاحبنا على الكتاب لأسابيع، ثم يتمكن من اجتياز امتحان القبول في البي بي سي، وهي الجائزة الكبرى التي لطالما كان يحلم بها، كما قال، بل كان حلمه لا يتعدى أن يكون مذيعاً في نشرة جوية، ليتربع بعدها ربما على أهم برنامج توك شو عربي، إنه الإصرار، ومن هذه القصة نخلص إلى أمرين مهمين، الأول: مدى صعوبة وعدم مواءمة تعليم قواعد النحو العربي لطلبة المدارس والجامعات في بلادنا، إذ صاغوه بأسلوب ينفر منه أبناؤه، والأشد أسفاً أن يكون سهلاً حين يكتبه الأعاجم، إذن المشكلة في الأسلوب وطرق التوصيل، والله القائل: (ولقد وصلنا لهم القول)، ينكب الدكتور على كتاب القواعد باللغة الإنجليزية، ليجتاز امتحانه بعد أسابيع، وينضم إلى البي بي سي، كمنتج. هي رسالة إذن، بقدر ما إن النحو سهلٌ، حتى يمكن تعلمه عبر لغة غير عربية، بقدر ما هو صعب حين يعدُّه أساتذة النحو المعاصرون بأساليب لا تستهوي الطلبة، مما يترتب على واضعي المناهج مسؤولية كبيرة في تطوير الأسلوب، بما يسهل على الطلبة تعلمه.
اللمسات الإنسانية التي أشار إليها الزميل العزيز لرفاقه وأساتذته وقريته والأماكن التي كان يرتادها، كلها عكست فيصل القاسم الشخص الآخر، الذي لطالما أحب ورغب كل من يتابعه أن يتعرف عليه، ولكن في النهاية الانتقام الحقيقي لكل شباب سوريا من هذا الواقع المرير، ليس بالانتقام من المكان الذي صنعه أشخاص، ورجال، إنما يكمن بالعلم والثقافة، ويكمن في تحدي هذه الظروف الصعبة، فنظرية التحدي عند توينبي يمكن أن تكون أصدق ما تكون في الواقع السوري.
سينتقم السوريون من ساحة السويداء التي فعلت ما فعلت بالقاسم، لكن بشكل آخر، فالساحة جامدة لا ذنب لها، إنما المشكلة فيمن أوجد تلك الظروف الصعبة، فحوّلت ساحة السويداء، ومن قبلها تدمر، وحماة وغيرها إلى وطن كبير بحجم سوريا، قهر وظلم وقتل وتشريد، ولكن الله غالب كما يقول إخواننا في المغرب.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من فيتنام وأمريكا تنقض غزلها، بعد حرب أمريكا على العراق اتضح أن أمريكا ناقضة الغزل، فقد بنت غزلها منذ الحرب العالمية الثانية، فنسجت منظمات الأمم المتحدة وقوانينها الليبرالية، من حقوق الإنسان والديمقراطية وحق التعبير وحق الرأي، وعدم شرعية التعذيب والوصاية على الحقوق المدنية، ومحاربة العنصرية وتجريم جرائم الحرب ووضع التشريعات لمعاقبة الإبادة الجماعية وإنشاء المحاكم الدولية والأممية، وبدا أن أمريكا تهيمن من خلال أعلى المبادئ الإنسانية وثمرة التجربة الإنسانية، فرضخ العالم لهذا القادم الجديد وذي الروح الإنسانية والسلوك الراقي، والعلم الوفير والإدارة الحكيمة والتقدم العلمي والتقني، وقدم للإنسانية المعارف والتقنيات من أجهزة التكييف إلى السيارات والطائرات والفاكس والإنترنت والشبكات الاجتماعية وكذلك الممارسات الحديثة، والمؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، لكن في حربه على العراق بدون مبرر إلا من مطامع النفوذ والهيمنة الامبراطورية، نقضت أمريكا الغزل فكذبت على الأمم المتحدة من أجل الحصول على إذن لمهاجمة العراق، فلما تم الرفض، نقضت العهود وعزمت على مخالفة أمر الأمم المتحدة والقانون الدولي فكان بداية النقض لما تم نسجه، نقضت العهود أمام العالم ففقدت المصداقية وتتالت تجاوزاتها من قتل للمدنيين والتعذيب في أبو غريب وغوانتانامو بيي وبقرام، واستمرت سلوكيات النقض، حتى جاءت حرب أوكرانيا وتدابيرها في استفزاز روسيا من أجل إدخال الناتو في حرب معها لضمان استمرار أوروبا حليفا وداعما لأمن أمريكا، فقطعت إمدادات الطاقة عن أوروبا وحشّدتها لمواجهة روسيا، فجاء طوفان الأقصى ليقلب كل المعايير والمصفوفة الذهنية التي اعتمدت على النظام العالمي المشيّد والمقبول عالميا، بدّد طوفان الأقصى الصور الذهنية المبنية في المخيلة العالمية، من صورة أجهزة المخابرات الفذة الناجحة والجيوش التي لا تهزم إلى من هم أصحاب النفوذ والهيمنة العالمية، تهاوت الهياكل والبنى من حولنا، فتضاءلت القوى العظمى أمام باب المندب، وتساقطت أصنام الماضي من الموساد وشين بيت وأمان وسي آي أي و د آي أي ومثيلاتها أمام غزة المقاومة، وتفككت السردية الغربية الاستعمارية أمام الواقع وانتشار تقنيات الحاضر، فتهاوت المؤسسات الإعلامية الكبرى من سي إن إن إلى وول ستريت إلى الواشنطن بوست، بدا غزل أمريكا في حالة تناقض تداعت لها المؤسسات وبلغ الأمر ذروته بدخول الجامعات على خط المظاهرات حماية لأسس الغزل حق التعبير وحق التظاهر خاصة في حرم الجامعات، بدت أن أمريكا أصبحت دولة دكتاتورية، وكذلك أوروبا في منع التظاهر، وتحولت المواجهة من وقف لحرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار على القطاع، إلى موضوع يمس الذات ويمس كل ما هو أمريكي من دفع ضرائب تسرب لإسرائيل وتنعم بها إسرائيل إلى استخدام تلك الأموال في حرب الإبادة، فخرج الأمريكان للتعبير عن رأيهم فتم قمعهم كما تم قمع الشعوب الأوروبية، هنا لم يعد الأمر مجرد حرب إبادة باسم أمريكا والغرب بل هو هجوم على كل ما غزل في الثقافة الأمريكية والأوروبية والغرب والثقافة الغربية، التي كان باسمها شنت حروب وتكونت أحلاف لحماية تلك الثقافة من ديمقراطية وحرية، لقد نقضت أمريكا غزلها، واستحقت ناقضة الغزل أن تكون تلك نهاية عصر الهيمنة الأمريكية والغربية، فلم تعد هناك ثقافة يدافع عنها أو مواقف أخلاقية يمكن البناء عليها، لقد حان الوقت للعالم لإعادة بناء النظام العالمي، فلم تعد أمريكا ولا أوروبا حامية للإرث الإنساني والنظام العالمي، فلا بد من تدخل العالم وشعوب العالم كما نرى أمامنا على الشاشات والشبكات الاجتماعية، هناك قناعة من المجتمعات الغربية أنها لم تعد قادرة على حمل الأمانة ولابد من الشروع في ترتيبات إقامة نظام عالمي يحظى بدعم العالم.
6726
| 02 مايو 2024
ما بدأ الأسبوع الماضي في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الامريكية هو حدث تاريخي. قام الطلاب في جامعة كولومبيا بالتظاهر والاعتصام والتخييم في الجامعة طلباً للاستماع إلى مطالبهم حول وقف العدوان على غزة ووقف الدعم الأمريكي العسكري والمالي لتل ابيب ووقف استثمارات الجامعات مع إسرائيل. استعانت رئيسة جامعة كولومبيا بالشرطة لفض اعتصام الطلاب بالقوة حيث تم اعتقال أكثر من 100 طالب، مما جعل الأساتذة والطلاب من الجامعات الامريكية المختلفة يخرجون للاعتصام والتظاهر ومنها جامعات كبرى مثل جامعة نيويورك وييل وهارفارد. لهذه الاحداث دلالات تاريخية منها عندما اعتصم طلاب الجامعات الامريكية في 1968 احتجاجاً على الحرب في فيتنام وأثروا على الرأي العام في ذلك الوقت. وكيف يؤثر طلاب جامعة كولومبيا على الرأي العام الأمريكي اليوم. والدليل الغضب الإسرائيلي وتحريض النتن ياهو ضد الطلاب المتظاهرين وما يحدث في أمريكا وكأنه يحدث في تل ابيب!. طلاب الجامعات يقفون على الجانب الصحيح من التاريخ دائماً والجيل الجديد واع وعارف. منذ فترة انتشر فيديو مواجهة شباب لنائب امريكي حول الإبادة الجماعية في غزة من قبل إسرائيل في جلسة حوارية في نيويورك، وبينما كان الشباب يدافعون عن الفلسطينيين كان الحضور ممن هم أكبر سناً يحاولون اخراسهم! هذا الفرق بين الجيل الفاهم والجيل الحافظ. الجيل الذي بنى أمريكا وإسرائيل مستاء من الجيل الذي يرفض احتلال فلسطين والإبادة الجماعية في غزة ومليارات الدولارات التي تُعطى لإسرائيل سنوياً ليحظى الإسرائيليون بتعليم وعناية طبية مجانية بينما يعاني الكثير من الأمريكيين من أقساط الجامعات وتكاليف العناية الصحية!. ما يحدث الآن صفعة كبرى لإسرائيل التي سخرت ادواتها الإعلامية العملاقة لتظهر نفسها وتقنع العالم بأنها ضحية تدافع عن نفسها ولا ترتكب إبادة جماعية بحق احد وأن «حماس» هي الشريرة والمفترية. ولم يصدق العالم هذه الأكاذيب، ولم تنجح البروباغندا الإسرائيلية، بل على العكس العالم يثور على إسرائيل اليوم بسبب ما تفعله، وتحاول إسرائيل حتى اليوم رمي تهمة معاداة السامية نحو أي شخص ينتقدها وان كان يهوديا. العالم اوعى.. افهم.. اعلم بما تقوم به إسرائيل الصهيونية المحتلة للأراضي الفلسطينية، ويعود الفضل بشكل كبير اليوم لوسائل التواصل الاجتماعي التي تساعد على نشر فظاعات هذا الكيان المسخ وما يقوم به في الأراضي الفلسطينية المحتلة والضفة الغربية وغزة. فلنكمل فضح الصهاينة ونشر جرائمهم في كل مكان! فهذا ما اوصلنا لهذه اللحظة التاريخية.
1611
| 30 أبريل 2024
يعود وجود الأتراك الذين اعتنقوا الإسلام بأعداد كبيرة في العصر العباسي في الوطن العربي إلى أكثر من ألف عام. وخاصة أولئك الاتراك الذين كلفوا بمهام عسكرية، فقد أصبحوا يمارسون تأثيرًا ملموسًا في مجال الأمن ضمن الدولة العباسية. وقد أُسست مدينة سامراء في العراق خصيصا لاستيعاب الجنود الأتراك القادمين من آسيا الوسطى. ونتيجةً للصراعات الداخلية للدولة العباسية وتأثير الحملات الصليبية بعدها، ظهر العديد من الدول في المنطقة، ومع استمرار السلطة الدينية للخليفة العباسي، ظهرت من بين هذه الدول الدولة السلجوقية التي كانت تحت حكم سلالة تركية، والتي نجحت في السيطرة على مساحات واسعة من آسيا وكلتا ضفتي الخليج العربي. شارك الأتراك في سوريا، مثل إديب الشيشكلي، والتركمان في العراق، في النضال من أجل الاستقلال، ولعبوا دورًا بارزًا. وفي حركة استقلال الجزائر أيضًا، كان للأشخاص من أصل تركي دور هام في تشكيل الحكومة المؤقتة بعد الاستقلال، حيث كانت هناك أسماء تركية مثل بن طوبال (ومعناه الأعرج بالتركي)، والأمين خان، ومصطفى إسطنبولي. وقد تكون أصول بعض القادة ذوي الأسماء العربية تركية أيضا، لكن هذا يبقى موضوعًا يجب أن يحدده علماء التاريخ. ومن اللافت للنظر أيضًا ما قدمته الدراسات التاريخية حول ظاهرة كوروغلو، والتي تعتبر مثيرة للاهتمام. تم نشر عدد كبير من جنود الينيجري في شمال أفريقيا لمواجهة التهديد المتنامي من الغرب. ونتيجة لزواج الجنود الأتراك المسلمين القادمين من آسيا الصغرى مع النساء المحليات في تلك المناطق، نشأت طائفة مختلطة تُعرف باسم «كول أوغلو» أو «كوروغلو». كانت الطائفة التركية المعروفة بكوروغلو، والتي كانت شائعة في الجزائر وتونس وليبيا، تلعب دورًا هامًا في تلك الفترة. قبل ألف ومئتي عام، بدأت عملية تبني الإسلام من قبل الأتراك وهجرتهم إلى الغرب. خلال هذه الفترة، عاش العرب والأتراك وحتى الأكراد معًا وتخلطوا اجتماعيًا وثقافيًا. نتيجة لهذا التداخل، زاد عدد الكلمات التي انتقلت بين اللغتين بشكل كبير. فهناك آلاف الكلمات التي انتقلت من العربية إلى التركية، وبالعكس هناك مئات الكلمات التركية التي دخلت إلى اللغة العربية. على الرغم من محاولات الحكومة في عهد الجمهورية لإزالة الكلمات العربية من اللغة التركية، إلا أن عدد الكلمات العربية اليوم يفوق عشرة آلاف كلمة. تُستخدم في اللغة التركية وعلى نطاق واسع بعض الكلمات والأسماء العربية التي تنتهي على بحرف»t»، مثل: حكمت، معرفت، سلامت وغيرها. ومن المعروف أن الأسماء التي تنتهي بحرف التاء المفتوحة، وخاصة في مصر، هي من أصل تركي: حشمت، ثروت، عصمت، ميرفت. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأسماء التركية بالكامل مثل إنجي، نازلي، وشيرين شائعة بين العرب بشكل كبير. ويوجد هناك أيضًا كلمات في اللغة العربية من أصل تركي مثل جاويش، دغري، كوبري، ترزي، بشكير. يمكن رؤية وجود الأتراك بوضوح في العالم العربي حتى في يومنا هذا من خلال انتشار أسماء العائلات التركية بشكل واسع، حيث يُعتبر وجود الأسماء مثل: «شلبي، شهدار، تشايجي، شوربجي، عربجي» شائعًا، بجانب أسماء أخرى مثل: ازميرلي، شيشكلي... في اللغة التركية الحديثة نجد أسماء عربية مثل «مصرلي، جزائرلي، شاملي»، والتي تدل على أنهم قدموا إلى الأناضول من المناطق العربية. كان الناس المتحدون في بوتقة الدين الإسلامي يتزوجون من بعضهم البعض، وحقيقة أن هؤلاء الناس كانوا بدؤوا يتحركون ويعيشون على حياة الانتجاع كما أن العيش في ظل دولة مشتركة لفترة طويلة (400 عام فقط تحت ظل الحكم العثماني) قد زاد من هذا التماسك. ونتيجة لهذا الاختلاط والانصهار هناك قبائل تركية أصبحت عربية، وقبائل عربية أصبحت تركية أو كردية، وذلك حسب الكثافة السكانية. وعلى سبيل المثال نجد عائلة بيات (البياتيون)، قبيلة تركية عريقة، لها فروع تركية وكردية وعربية. في العهد الحديث، بفضل ممارسة ضغوط قومية وبدعم من الأنظمة البعثية، قام جمال عبدالناصر الذي تولى الحكم في مصر عام 1952 بإجبار الأتراك في مصر والعراق وسوريا على التعريب. وفي الفترة نفسها، وبسبب سلوك تركيا السلبي أو اللامبالي تجاه القضايا العربية، لم يكن انتماء الأتراك المقيمين في الدول العربية قويا كما هو اليوم، وشعر معظمهم بأنهم مضطرون إلى إخفاء هويتهم التركية. إن إهمال تركيا لمغتربيها في الخارج له دور في هذه الظاهرة. خلال هذه الفترة نسيت العديد من العائلات التركية هويتها التركية واللغة التركية. في سوريا والعراق، واجه التركمان مشكلات مماثلة، حيث أطلقت أنظمة البعث عليهم اسم «التركمان» بهدف تمييزهم عن أصلهم التركي. يشكلون جزءًا من الهوية التركية الواسعة، ولكن كانوا في السابق يُعرفون باسم «الأتراك». هم يفضلون استخدام اسم «الأتراك». لما تعرضوا لقمع شديد في شمال العراق وشمال سوريا، نجحوا جزئيًا في الحفاظ على وحدتهم وهويتهم في المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان. ومع ذلك، فإن الأتراك الذين عاشوا بأعداد قليلة ومعزولين في أماكن مثل بغداد وحلب ودمشق، أصبحوا مستعربين ومدمجين في المجتمع المحلي. ونظرًا لتلاحمهم حول الدين الإسلامي واللغة العربية، فإن وجودهم لم يكن موضوع خلاف بين الأتراك والعرب. بل يُعتبرون عنصرًا مميزًا لتراثنا المشترك، ويسهمون في تعزيز التعاون المستقبلي بين تركيا والعالم العربي.
1512
| 01 مايو 2024